بيروت الحرية ـ 7 شباط 2024
بات القاضي الدكتور نواف سلام رئيسا لمحكمة العدل الدولية في لاهاي منذ الخامس من شباط / فبراير الجاري التي انتخبته لفترة رئاسية تمتد إلى ثلاثة سنوات، إثر انتهاء ولاية الرئيسة الأميركية القاضية جون دونوغيو، ليصبح بذلك ثاني عربي يترأس هذه المحكمة منذ إنشائها عام 1945 بعد وزير خارجية الجزائر الأسبق ورئيس المحكمة الدستورية فيها محمد بجاوي.
وعلّق سلام على انتخابه قائلاً: “انتخابي رئيساً لمحكمة العدل الدولية مسؤولية كبرى في تحقيق العدالة الدولية واعلاء القانون الدولي، وأوّل ما يحضر إلى ذهني أيضاً في هذه اللحظة هو همي الدائم أن تعود مدينتي بيروت، أمّاً للشرائع كما هو لقبها، وأن ننجح كلبنانيين في إقامة دولة القانون في بلادنا، وأن يسود العدل بين أبنائه”. هذا التمني الذي أطلقه سلام من أعلى منبر هيئة قضائية أممية بمثابة وعد لوطنه الذي يتعذر فيه انتخاب رئيس للجمهورية والمجيء بحكومة شرعية وبناء سلطة قضائية مستقلة عن أطراف وقوى منظومة النهب الفاسدة، واطلاق عمل مؤسسات تلتزم القانون وتقدم خدماتها للمواطنين بما يخفف عنهم أعباء الانهيار الذي غرقوا في لجته منذ حوالي الخمس سنوات.
وكان نواف سلام قد انضم عام 2018 إلى محكمة العدل التي تتألّف من 15 قاضياً يتم انتخابهم من قبل مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة. ومحكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة المختص بالفصل في النزاعات بين الدول. وهي تُشكّل أعلى سلطة قضائية في العالم ممّا أكسبها لقب “محكمة العالم”. وجدير بالذكر بأنّ وزير خارجية لبنان الأسبق فؤاد عمون عمل أيضاَ قاضياً في هذه المحكمة بين عامي 1965 و 1976 وانتخب نائباً للرئيس فيها.
وكان سلام قد شغل قبل ذلك منصب سفير لبنان لدى الأمم المتحدة بين 2007 و2017، ومثّله في مجلس الامن خلال ولايته فيه عامي 2010 و2011 وترأس أعمال هذا المجلس في شهري أيار 2010 وأيلول 2011. وقبل ذلك مارس المحاماة، كما عمل أستاذاً محاضراً في التاريخ المعاصر في جامعة السوربون، ودرّس العلاقات الدولية والقانون الدولي في الجامعة الأميركية في بيروت حيث ترأس دائرة العلوم السياسية والإدارة العامة فيها من 2005 الى 2007. ويحمل نواف سلام دكتوراه دولة في العلوم السياسية من معهد الدراسات السياسية في باريس، ودكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون، وماجستير في القوانين من جامعة هارفارد. له مؤلفات عديدة في السياسة والتاريخ والقانون، آخرها كتابه “لبنان بين الأمس والغد” الصادر في بيروت عام 2021.
نواف سلام.
وكان اسم نواف سلام برز كأحد القضاة العرب المشاركين في المحكمة الدولية التي نظرت في الدعوى المقدمة من جنوب إفريقيا ضد اسرائيل. كما جرى التداول في أن يتولي مهمة رئاسة الحكومة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، من ضمن عدة طروحات تم تقديمها لإنجاز حلّ يؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وتتشكل محكمة العدل الدولية المعنية بالحسم في الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، في قضية الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، من 15 قاضياً، من بينهم 3 قضاة من جنسيات عربية مختلفة. والقضاة العرب المُشار اليهم هم: نواف سلام (لبنان) ومحمد بنونة ( المغرب ) وعبد القوي يوسف (الصومال).
وسبق انتخاب القاضي نواف سلام، رئيساً لمحكمة العدل الدولية، وباعتبارها أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، أنها كانت قد بدأت جلسات محاكمة علنية تواجهت خلالها اسرائيل وجنوب افريقيا التي اتهمت الدولة العبرية بارتكاب “أعمال إبادة” في قطاع غزة. ووصفت إسرائيل الاتهامات بأنها “تشهير دام”. وفي شكوى تقع في 84 صفحة رفعت إلى محكمة العدل الدولية التي تتخذ من لاهاي مقرًا، حضت جنوب إفريقيا القضاة على إصدار أمر عاجل لإسرائيل بـ “تعليق فوري لعملياتها العسكرية” في قطاع غزة. وقال وزير العدل في جنوب إفريقيا رونالد لامولا “لا يمكن لأي هجوم مسلّح على أراضي دولة مهما كانت خطورته (…) أن يقدّم أي تبرير لانتهاكات الاتفاقية”.
وقالت المحامية من وفد جنوب إفريقيا إلى المحكمة عادلة هاشم إن “الوضع بلغ حدا بات فيه خبراء يتوقعون أن يموت عدد أكبر من الناس جرّاء الجوع والمرض، منه جراء أفعال عسكرية مباشرة”. وأضافت أن إسرائيل دفعت السكان في غزة “إلى حافة المجاعة”. وتابعت “لا يتم الإعلان مسبقًا عن الإبادات، لكن أمام هذه المحكمة ميزة الأدلّة التي تم جمعها خلال الأسابيع الـ13 الماضية والتي تُظهر بلا شك نمطًا من السلوك والنوايا التي تبرر الادعاء المعقول بارتكاب أعمال إبادة”. وفي وقت سابق، قالت جنوب إفريقيا إنها “تدرك تمامًا حجم المسؤولية الخاص ببدء ملاحقات ضد إسرائيل لانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة”. وترى جنوب افريقيا أن إسرائيل “أقدمت وتقدم وقد تستمر في الإقدام على أعمال إبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة”.
هذا وقد أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً ابتدائياً في 26 كانون الثاني / يناير في الدعوى التي رفعتها جنوب افريقيا في 29 كانون الأول / ديسمبر 2023 على إسرائيل متهمة إياها بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية. وينص الحكم الذي أصدرته المحكمة على: اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، ضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بأي أعمال إبادة، منع ومعاقبة أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، اتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية، عدم التخلص من أي دليل يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضدها، تقديم تقرير للمحكمة خلال شهر بمدى تطبيقها لهذه التدابير والأحكام.
وتتولى المحكمة، التي تتخذ من لاهاي في هولندا مقراً لها، الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول. كما أنها تقدم آراءً استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
ورأت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن الحُكم المؤقت الذي أصدرته المحكمة ضد إسرائيل يعتبر – بشكل موضوعي- كارثيا على الدولة العبرية، أياً كانت وجهة النظر في موضوعية الاتهامات التي وردت بالدعوى. ونوهت الصحيفة، في افتتاحيتها، إلى أن إسرائيل أُخطِرتْ بالفعل بأن لديها قضية إبادة جماعية ـ تلك التي تعتبر جريمة الجرائم. وقد جاء هذا الإخطار عشية اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست، بما يلطّخ سمعة إسرائيل رغم اعتراضها على الدعوى بحسب ما جاء في الصحيفة. ومعه بات على كل مسؤول إسرائيلي عندما يظهر للعلن أو في اجتماع مع نظير له من دولة أخرى أن يدفع عن بلاده تهمة الإبادة الجماعية؛ ذلك أن الاتهام لم يأتِ من فصيل إسلامي متطرف أو من سياسي غربي معادٍ للسامية، وإنما جاء من أعلى محكمة في المجتمع الدولي، وقد صدر بناء على إجراءات رصينة ومدروسة، واستند إلى أدلة ذات صلة، وعليه، لا يمكن الاستخفاف به. وبناءً عليه باتت إسرائيل في الزاوية، بالنظر إلى موضوع الدعوى ووجود سلام على رأس محكمة العدل الدولية مع قاضييْن عربييْن في عداد أعضائها.
Leave a Comment