محمد قدوح
بيروت 19 كانون الثاني 2024 ـ بيروت الحرية
لأهالي القرى الحدودية مع فلسطين، حكاية طويلة مع النزوح، بدأ الفصل الاول منها مع نشوء الكيان الصهيوني، وتتالت فصولها حتى بلغت الفصل الحالي، وقد لا يكون النهائي من هذه القصة الذين يعيشون احداثه وتفاصيله راهناً.
كتبت صديقة مهجرة من بنت جبيل على صفحتها: أن تهجر بيتك رغماً عنك ولا تعرف إلى متى.. فأنت نازح، مشرد ولو سكنت قصراً. ماذا يكون شعورها لو سكنت في مركز إيواء تنتظر المساعدة لتأمين لقمة عيش أبنائها، أو أنها سكنت مع عائلة اخرى في نفس المنزل او انها إستأجرت منزلاً ولا تملك ما يكفي من المال لدفع بدل الايجار؟. أحد الفلاحين النازحين إختصر هذا الوصف بالقول: الارض سترة وإذا تركناها إنكشف حالنا واصبحنا عراة…
هذا هو حال وشعور النازحين من القرى الحدودية، والذين يقدر عددهم بحوالي 75 الف نسمة توزعوا كما يلي: القسم الاول وهو الاكثر عدداً وغالبيتهم من الفلاحين، فضلوا الإنتقال الى القرى الخلفية القريبة من قراها، لكي يغتنموا فرص الهدوء لتفقد منازلهم ومزروعاتهم، وقد تم تأمين السكن لهم مجاناً في منازل المغتربين. والقسم الثاني من هؤلاء النازحين انتقل الى صور والنبطية وحاصبيا حيث إستأجروا منازل تبعاً لقرب هذه المدن من قراهم، أما القسم الثالث ففضل الانتقال الى بيروت المقتدر مالياً، منهم إستأجر منزلاً أما الآخرين فسكنوا مع أبنائهم أو أخوانهم المقيمين في بيروت.
ويذكر في هذا الاطار ان بدلات الايجار تضاعفت اكثر من مرة منذ بداية النزوح، وأما بالنسبة للنازحين الذين تواجدوا في مراكز الايواء في صور وحاصبيا فقد تراجعت أعدادهم بسبب تراجع الإهتمام بهم وجرى تأمين سكن مجاني لهم في القرى المحيطة بهاتين المدينتين.
وحدهم يتحملون عبىء النزوح
قيل ويقال الكثير من الكلام عن تقديم مساعدات غذائية ونقدية للنازحين عبر مجلس النواب وبعض الاحزاب والجمعيات. لكن الحقيقة المرة تتمثل في أن هؤلاء النازحين لم يتلقوا سوى القليل من المساعدات الغذائية بشكل متباعد ومتقطع، وكانت الافضلية في التوزيع لأنصار قوى الامر الواقع، اما فيما يتعلق بالمساعدات المالية، قدمتها بعض الجمعيات ولم تشمل سوى عدد قليل منهم. وبحسب أكثر من نازح فإن المساعدة الفعلية حصلت بفعل التضامن والتكافل الاجتماعية والتي تمثلت في المساعدات المالية التي ترد من المغتربين، فتح منازلهم لعدد كبير من النازحين في مختلف قرى الجنوب.
في ظل هذا التكافل الاجتماعي يتجاوز النازحون القلق حول تأمين أعباء السكن والمعيشة، لكن القلق يتزايد على مصير العام الداسي لأبنائهم، كذلك الامر بالنسبة لممتلكاتهم ومزروعاتهم ومزارع المواشي والدواجن ومختلف ابواب رزقهم.
فيما خص العام الدراسي للطلاب النازحين لقد فشلت تجربة إلحاقهم بالمدارس الموجودة، حيث نزح أهلهم كما فلشت تجربة تخصيص 60 مركزاً نموذجياً لتعليمهم، وبهذا الفشل انتهى الفصل الدراسي الاول. كذلك قررت وزارة التربية مؤخراً اللجوء الى التعليم عن بعد في محاولة لإستلحاق العام الدراسي لهؤلاء الطلاب، وقد سبقت بعض ثانويات القرى الحدودية ثانوية بنت جبيل وثانوية ميس الجبل قرار وزارة التربية، وبدأت التعليم عن بعد. وتعمل الوزارة حالياًعلى توزيع كمية من الالواح الذكية حوالي (200 لوح) على الطلاب.
أما فيما خص القلق على المزروعات والمزارع، فإن الخسائر كبيرة، فقدوا بسببها القسم الاكبر من مدخولهم من مواسم العام المقبل. لقد خسر مزارعوا الزيتون حوالي 50 الف شجرة أحرقتهم قوات العدو الاسرائيلي بقنابل الفوسفور، ولم يتمكن هؤلاء المزارعين الذين يعتاشون من مواسهم الزيتون، جنيّ موسم العام الماضي. وقد يخسرون ايضاً موسم العام القادم بسبب الاضرار التي تسببت بها القنابل الفوسفورية. ويضاف الى موسم الزيتون الخسائر التي لحقت بمزارع الابقار والدواجن والمواشي، سواء بسبب الدمار الذي لحقت ببعضها او بسبب اضطرار المزارعين لنقل أبقارهم ومواشيهم الى مناطق آمنة وتحمل أكلاف إضافية. أما مزارعو التبغ من ابناء القرى التي اضطر سكانها للنزوح، فإنهم لم يتمكنوا من زراعة الموسم لهذا العام، الأمر الذي يضعهم امام تحدي تأمين متطلبات معيشة عائلاتهم في القادم من الأيام.
ويبقى أخيراً القلق الناتج عن الخسائر بالممتلكات، لا زالت مستمرة والخسائر تتصاعد، الحصيلة النهائية يمكن إحصائها بعد توقف الحرب، وهي حتى الان كبيرة طالت المنازل والمؤسسات والمحال التجارية والصناعية والحرفية، فمن يطمئن أصحاب هذه الممتلكات على مستقبلهم او على الاقل تأمين سكنهم لقمة عيشهم في قراهم؟.
الخسائر في الارواح في صفوف المدنيين محدودة نسبياً حتى الآن وهو أمر يريح الاهالي، والتكافل الاجتماعي بين اهل الجنوب مكّن النازحين منهم من تحمّل عنهم الحياة خلال فترة النزوح حتى الآن، لكن هل من معين لهم في تحمل أعباء الخسائر في المزروعات والممتلكات؟ غير أن الأسئلة الأهم التي لا يجدون أجوبة لها، متى تنتهي الحرب؟ وكيف ستنتهي و…
Leave a Comment