سياسة صحف وآراء

حرب غزة في شهرها الثاني.. أين تتفوق حماس واسرائيل؟

أنطوان شلحت*

 07/11/2023

إفتتاحية موقع  المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار).  قراءة لنتائج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مع انتهاء شهرها الأول. الحرب التي جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم “بلدات غلاف غزة”، يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

بالرغم من انشغالنا في الوقت الحالي بعملية جمع المواد المتعلقة بالحرب وتوثيقها وأرشفتها، بما يُتيح لنا في المستقبل إمكان الوقوف التفصيليّ عندها، وفهم ما أدّى إليها وما وقف وراءها غير بعيد عن سياقها المُحدّد وعن السياق الأوسع، التاريخيّ، فإن هذا لا يمنع من القيام هنا بوقفة استبصار من أجل إجمال ما استجد منها حتى الآن، وتقديم ماهية قراءتها في تطوراتها وتداعياتها الآخذة بالتراكم، من وجهة نظر المحللين الإسرائيليين أنفسهم.

بداية، لا بدّ من التذكير بأن كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في إسرائيل يؤكدون الإصرار على تحقيق الغاية الرئيسة من الحرب، وهي تقويض قدرات حماس العسكرية والسلطوية، مهما يتطلب ذلك من وقت وجهد حربي. كما ينبغي أن نشير إلى أنه وفقاً لهؤلاء المسؤولين، فإن العملية العسكريّة البرية في القطاع والتي أطلقت عليها تسمية “المناورة العسكرية” (مثلما نوّهنا في وقت سابق، مُشدّدين على أن هذه التسمية تنطوي على دلالات عسكرية بالأساس) ضرورية لتحقيق أهداف الحرب. ويدعّي بعضهم أنه يمكن تحقيق الأهداف جوّاً ولكن هذا يحتاج وقتاً طويلاً لا تمتلك إسرائيل “ترف” خوض حرب خلاله. وبناء على ذلك فإسرائيل مصرّة على المُضي قدماً بالحرب متشجعة من مُناخ عام مُؤيّد لها في العالم، وتصرف النظر عن تداعيات إقليمية وعالمية بدأت مؤشراتها تلوح في الأفق.

وكما هو معروف تمكّنت حماس وفصائل فلسطينية أخرى في إثر الهجوم المباغت المذكور، من أسر عدد كبير من الجنود وسكان بلدات “غلاف غزة”، بينهم عدد من حملة الجنسيات الأجنبية. ويشكّل مصير هؤلاء أحد أكبر التحديات التي تدخل في حسابات الحكومة الإسرائيلية في حربها بسبب ما تتعرّض له من ضغوط من طرف عائلات الأسرى أو بعض الدول التي يحمل عدد من الأسرى جنسياتها وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، ما أثّر على ما يبدو على توقيت العملية البرّية. ويجب أن ننوّه هنا كذلك بأن ثمة من يعتقد أن قضية الأسرى لا علاقة لها بالعملية البرية، بل على العكس يروّج بأن العملية هي جزء من حل هذه القضية وليست تعقيداً لها.

وبحسب ما أكّد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، مُكرّراً تصريحات لرئيس الحكومة بنيامين نتيناهو وكبار قادة الجيش الإسرائيلي، تتضمّن الحرب على غزة عدة مراحل، كانت المرحلة الأولى هي “تطهير” منطقة “غلاف غزة” من عناصر الفصائل الفلسطينية، وتلتها مرحلة ثانية هي مرحلة التدمير الدقيق والقوي للعديد من “تشكيلات العدو” بناءً على معلومات استخباراتية نوعية، وذلك من البحر والجو والأرض. أما المرحلة التي تجري الآن (وتحديدًا منذ يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي) فهي مرحلة “النشاط البري الذي يجري في شمال قطاع غزة”، مُضيفاً: “هذه هي مجرّد بداية سنركز فيها على شمال قطاع غزة لأن مدينة غزة هي مركز ثقل حماس. وسوف يأتي الدور على الجنوب، وسيأتي كذلك دور الوسط. كل شيء سيأتي في وقته”.

عند هذا الحدّ ينبغي أن نشير، ولو من أجل توضيح جوهر “النداءات” الإسرائيلية الموجهة إلى سكان شمال القطاع والتي تحثهم على الانتقال إلى جنوبه لكونه الأكثر أماناً، إلى أنه فضلاً عما صرّح به هنغبي بهذا الشأن ضمن أقواله الواردة أعلاه، ثمة إجماع في أوساط الخبراء الأمنيين والعسكريين على أن المستوى العسكري مقتنع تماماً بأن الحرب الحالية يجب ألا تقتصر على شمال القطاع فقط بل أن تشمل أيضاً المنطقة الجنوبية منه، بما في ذلك رفح ومحور فيلادلفي (صلاح الدين)، والتي برأيهم توجد فيها أنفاق تهريب كثيرة ستتيح لحركة حماس استعادة قوتها. وبموجب ما ورد على لسان بعض هؤلاء في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يُخطئ مَن يظن أن احتلال القطاع والسيطرة عليه، وتقويض سلطة حماس وقدراتها العسكرية في شمالي القطاع، أمور ستحقق الهدف اللازم للأمن الإسرائيلي، فجنوبي قطاع غزة يمثل مشكلة قائمة بحدّ ذاتها، ويتوجب على الجيش الإسرائيلي النظر في شأنه عاجلاً أو آجلاً.

إن ما يمكن إجماله إلى الآن فيما يتعلق بالعملية البريّة المستمرة يستند إلى ما نشره مراسلو الشؤون العسكرية في وسائل الإعلام الإسرائيلية (الأحد الماضي)، والذين سُمح لهم للمرة الأولى بمرافقة قوات الجيش الإسرائيلي في أراضي شمال غزة يوم السبت الماضي. وما نُشر بهذا الخصوص هو ما أجازته الرقابة العسكرية الإسرائيلية طبعاً. وبمتابعة ما كتبه معظم هؤلاء المراسلين يمكن أن نستخلص النتائج التالية:

أولاً، ما تمّ تنفيذه من العملية العسكرية البرية ما زال هو البداية فقط.

ثانياً، هناك تفوّق نسبيّ للجيش الإسرائيلي ولكنه يعود أكثر من أي شيء آخر إلى السيطرة الجوية، وبالرغم من هذه السيطرة ومن أن قوات الجيش الإسرائيلي تتحرّك ميدانياً ببطء وبحذر، لا يزال مقاتلو حماس يقاتلون ويلحقون الخسائر البشرية بالجيش الإسرائيلي وآلياته.

 ثالثاً، بحسب ما ورد في صحيفة “يديعوت أحرونوت” مثلاً فإن القتلى من حماس يسقطون، في معظمهم، بنيران سلاح الجو وليس في معارك وجهاً لوجه من شأنها أن تزيد من خسائر الجيش الإسرائيلي.

رابعاً، ما زالت إسرائيل بعيدة عن هزم حماس، والأيام المقبلة ستكون أصعب من الأيام الأخيرة. هذه المعركة طويلة الأمد، وستنطوي على كثير من “اللحظات الصعبة والخسائر المريرة”، على حد تعبير أكثر من مراسل عسكري. وهذا بالضبط هو ما أكده عدد من كبار القادة العسكريين في الاحتياط وفي مقدمهم اللواء احتياط إسحق بريك، القائد السابق للواء المدرعات والكليات العسكريّة (“معاريف”، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2023)، واللواء احتياط تمير هايمان، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”) والمدير الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2023).

خامساً، بحسب ما يؤكد المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل فإن الضغط الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي هو غير مسبوق، ونقل عن قادة وجنود في تشكيلات الاحتياط ممن شاركوا في عمليات عسكرية إسرائيلية داخل القطاع في الماضي أقوالاً تؤكد أنه لا يوجد أي وجه شبه بين القوة والدمار الآنوبين مع ما كان في تلك العمليات السابقة، ففي مدينة بيت حانون في شمال القطاع، مثلاً، تعمل قوات كبيرة من فرقة احتياط، وهناك أحياء كاملة تم تدميرها بالكامل في المعارك. ومع ذلك، من غير الممكن تشخيص ضربة قوية تم توجيهها إلى منظومة السيطرة والقيادة لدى حماس. وطبقاً للمحلل ذاته، فإن المواقف الصعبة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي ناجمة عن تحديد مهمات الحرب، والتي وصفت الحكومة والجيش بأنها تهدف إلى “تدمير سلطة حماس والقضاء على قدرتها العسكرية”، وهو هدف طريقة تحقيقه ليست واضحة قطّ، ما يستدعي الانشغال أكثر في “إحصاء جثث العدو”، كما حدث للأميركيين في حرب فيتنام. ونقل المحلّل عن المراسل العسكري للصحيفة الذي كان من بين من انضموا إلى القوات العاملة في جنوب مدينة غزة لبضع ساعات، قوله إن جزءاً كبيراً من المواجهة العسكرية يتم بمبادرة من حماس، وأشار إلى أنه عندما تشخص القوات البرية أي عدو بالقرب منها تسارع إلى استخدام سلاح الجو لتحييده، ولكن هذا له ثمن يتمثل بحياة الجنود..

وفي قراءة معظم المحللين العسكريين الإسرائيليين، فإن حماس لا تحاول وقف حركة القوات الإسرائيلية، وتعتمد على شبكة الأنفاق الدفاعية، وترسل مقاتليها عبر الفتحات لإطلاق صواريخ مضادة للمدرعات ووضع عبوات ناسفة بالقرب من الآليات المدرعة للجيش الإسرائيلي، وهي تستخدم أيضاً حوامات ومسيرات هجومية. وهناك عدة مشكلات مرشحة لأن تتطوّر، فالجيش أدخل قوات كبيرة إلى شمال القطاع، وهي تتحرك في عربات مصفحة كثيرة. وفي حرب أمام “جيش من الأنصار” يختفي أفراده تحت الأرض، مُجرّد هذا الأمر يُوجد لهم الكثير من الأهداف التي يمكن توجيه النيران نحوها”.

 (*) المصدر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)
 (*) انطوان شلحت : كاتب وباحث فلسطيني

Leave a Comment