شريف هلالي*
أدّى اقتحام بلطجية الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين المصرية التي انعقدت في القاهرة في نهاية الشهر الماضي (مايو/ أيار) برفقة نواب من حزب “مستقبل وطن”، وتحطيم صناديق التصويت ومنع إعلان النتيجة إلى عاصفة غضبٍ واستنكار من الرأي العام وأحزاب الحركة المدنية، وذكّرت كثيرين بأحداث مأسوية أخرى، مثل موقعة الجمل (2011) والاعتداء على حفل إفطار رمضاني للحركة المدنية (2018). وجاءت هذه الجمعية بدعوة من هيئة المكتب لسحب الثقة من نقيب المهندسين والمحسوب على تيار الاستقلال، طارق النبراوي، والذي كان قد نجح في انتخابات 2022 بعد جولة إعادة أمام وزير النقل السابق، وفاز فيها أيضا مجلس يسيطر عليه حزب “مستقبل وطن” الحائز على حصة الأغلبية في البرلمان. وتثير هذه الأحداث عدة ملاحظات، أهمها:
ـ الحضور الكبير من الجمعية العمومية الذي وصل إلى 24 ألف عضو من مختلف المحافظات، في سابقة لم تحدث في تاريخ نقابة المهندسين، رافضين فكرة سحب الثقة من النقيب، والتي سعت إليها مجموعة الحزب في النقابة، وهو ما يؤكّد حيويّة العضوية واهتمامهم بمصير النقابة ورفض فكرة الهيمنة على النقابة من حزبٍ أصبح يمثل في الضمير الشعبي ما هو أشبه بالحزب الوطني الديمقراطي، المنحل بحكم قضائي في أعقاب ثورة 25 يناير.
ـ يأتي الصراع بين النقيب، وهو الشخص المخوّل بتمثيل النقابة قانونيا، وهيئة المكتب، لعدة أسبابٍ، تتعلق بدور النقابة، أهمها: ترشّح أعضاء المجلس في مجالس إدارات شركات تابعة للنقابة، وتلقّي مكافآت مالية نظير ذلك، وهو الأمر الذي رفضه النقيب وجمعية عمومية سابقة أيدت أغلبيتها هذه القرارات، باعتبارها نوعا من تضارب المصالح، وتتناقض مع الدور الرقابي للمجلس على تلك الشركات؛ بالإضافة إلى رفض قيد خرّيجي كليات الهندسة في الجامعات والمعاهد الخاصة، بالإضافة إلى بعد آخر للصراع، يتمثل في رفض النقيب التصرّف في حصص النقابة في عدد من الشركات الرابحة اقتصاديا، ومنها شركة يوتن للدهانات، وبنك المهندس للتأمين، وهو ما يتناقض مع رغبة الدولة في بيع عدد من الأصول لما تتصوّر أنه حل لأزمتها الاقتصادية.
ـ الصراع الصفري بين قيادات الحزب المسيطرة على المجلس مع النقيب وحالة غياب التوافق بينهما، والذي زاد من حدّته رفض الاحتكام للآلية الديمقراطية من الفريق الأول، إذ بمجرد أن تناقضت نتيجة الحضور مع رغبة هذا الفريق، حدث ما حدث باستدعاء بعض البلطجية لمنع إعلان النتيجة، ورصدت عدة فيديوهات حضور عدد من برلمانيي الحزب، بالرغم من أنهم ليسوا أعضاء بصحبة مقتحمين ألقوا أوراق التصويت وحطموا الصناديق، وهو ما أدّى إلى انسحاب اللجنة المشرفة على الانتخابات.
انتخابات نقابة الصحافيين المصريين في مارس الماضي جاءت بنقيب آخر محسوب على تيار الاستقلال، في ظل رغبة جامحة لإسقاط مرشّح السلطة
ـ حدث ذلك كله أمام بصر قوات الأمن، من دون القيام بأي محاولة لوقف ما جرى من اعتداءات على إرادة أعضاء النقابة، ولولا صراخ عدد من المهندسين وتوثيق ما حدث بالصوت والصورة لمرّ مرور الكرام.
ـ يطرح هذا النموذج استمرار مسعى النظام إلى الهيمنة على مقاليد الأمور في النقابات المهنية عامة، والمؤثرة منها بشكل خاص، ودور الحزب المهيمن بموجب النظام الانتخابي المطبّق منذ 2015 في البرلمانات الأخيرة، والذي يتمتع بدعم أجهزة الدولة وحمايتها، وهو الذي يضم نوابا وعسكريين سابقين ورجال أعمال ورموز العائلات الكبيرة في مختلف المحافظات.
ويذكر أن انتخابات نقابة الصحافيين المصريين في مارس/ آذار الماضي جاءت بنقيب آخر محسوب على تيار الاستقلال، في ظل رغبة جامحة لإسقاط مرشّح السلطة، من خلال تصويت عقابي مكثف ضدّه، وكانت هناك مخاوف من إعادة الانتخابات، ويبدو أن العقلاء تدخلوا في اللحظات الأخيرة، ليتم إعلان فوز خالد البلشي. وتأتي ميزانية النقابة بشكل أساسي من وزارة المالية فيما يسمّى البدل النقدي للصحافيين، ما يعطي أوراقا مهمة للسلطة التنفيذية في الهيمنة على النقابة. يؤكّد ذلك أن النظام يمثل فاعلا رئيسيا في توجيه النقابات المهنية وإدارتها من خلف الستار، وهو ما يطرح أسئلة متعدّدة بشأن مستقبل تلك النقابات في ظل جمهورية عبد الفتاح السيسي، والتي يؤكد الدستور على كفالة استقلالها والمبدأ الديمقراطى في إدارتها، حيث تعاني النقابات العمالية كذلك ومنظمات المجتمع المدني من التضييق الأمني والحكومي المستمرّ من خلال إصدار القوانين المقيدة ودعم قوائم محسوبة على الدولة باسم قائمة “تحيا مصر”، وهو الشعار نفسه الذي يُطلق على القوائم الانتخابية الرسمية في البرلمان.
وتستخدم أجهزة الدولة آليات مختلفة في السيطرة على الانتخابات النقابية من خلال حشد الأعضاء في الهيئات والوزارات والمرافق التابعة للدولة، والشركات الكبرى في التصويت لقوائمها، وهو المسار نفسه الذي سبق أن رعته الدولة مع مجلس نقابة الصحافيين السابق بترشّح رئيس الهيئة العامة للاستعلامات لمقعد النقيب، وجمعه بين المنصبين، واغتيال دورها المهني فترة طويلة، بالإضافة إلى أن الدولة حاضرة أيضا في انتخابات نقابة المحامين. وهناك مخاوف من تسييس النزاع الداخلي في نقابة المهندسين واستغلاله، لفرض الحراسة القضائية عليها في مخطّط لإبعاد النقيب الحالي، وفرض سيطرة هيئة المكتب على إدارة النقابة، كما حدث سابقا مع خضوع نقابة الصيادلة لهذه الحراسة بعد صراع بين أطرافها، بالرغم من نصّ الدستور الذي يمنع فرض الحراسة على النقابات المهنية.
هل ستستمر أجهزة الدولة المصرية، كما فعلت منذ عام 2014، في تكبيل النقابات إعلاميا إداريا وتشريعيا وغزوها بالقوائم الحكومية، واستخدام كل الأوراق المؤثرة ومنها الدعم المالي، والضغوط الأمنية وعلى المرشّحين المستقلين، وتواصل المناخ المحاصر لحرية الرأي والتعبير الذي سبق بموجبه إحالة أطباء ومحامين ومعلمين على ذمة قضايا أمن الدولة بالاتهام بنشر أخبار كاذبة لمجرّد أنهم بثوا فيديوهات على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي حملت انتقادا للأداء الرسمي.
يشير سيناريو آخر إلى امكانية نجاح الجمعيات العمومية في إحداث اختراقاتٍ كما حدث في الجمعية العمومية للمهندسين ونقابة الصحافيين، خصوصا في ظل التصويت العقابي لمرشّحي الدولة. وهل يمكن أن تتغير الرؤية الرسمية لتتعامل الدولة بحكمة مع هذا الملفّ باحترام إرادة الجمعيات العمومية، حتى لا يُحسب عليها التدخل في العمل النقابي، وبشكل خاص مع قرب الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يمكن أن تحمل هامشا من الانفتاح السياسي، نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية على رأس النظام.
*نشرت في العربي الجديد في 11 حزيران / يونيو 2023
Leave a Comment