محمد قدوح
تضمنت خطة التعافي المالي التي اقترحتها جمعية المصارف انشاء “صندوق سيادي” لإدارة اصول الدولة اللبنانية، الغاية منه اطفاء الدين المترتب على الدولة لصالح مصرف لبنان، والذي يقدر بحوالي 40 مليار دولار، وهو مبلغ يقارب قيمة هذه الاصول (اسهم في شركات، إمتيازات، استثمار، أملاك عقارية….).
تشكل الاملاك العقارية للدولة جزءً اساسياً من محفظة اصول لبنان العامة، وقد تفوق قيمتها الاصول الاخرى مجتمعة، وتترواح مساحتها بحسب التقديرات بين 20 و 25% من مساحة لبنان الاجمالية، وتنقسم هذه الاملاك الى نوعين من الملكية:
ـ النوع الاول: هو الاملاك العمومية وتشمل نوعاً واحداً من الاراضي يطلق عليه قانوناً تسمية الارض المتروكة محمية بسبب طبيعة استعمالها لمصلحة عمومية مثل: الطرقات، المطار، الاملاك البحرية والنهرية، البحيرات، اقنية الري. هذا النوع من الاملاك غير قابل للبيع، ما لم يتم اسقاطه من الاملاك العمومية بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء، وتعتبر هذه الاملاك محمية باعتبار ان الدولة لا تستطيع التصرف بها.
ـ النوع الثاني ـ هو املاك الدولة الخصوصية: وهي تقع تحت 4 مسميات بحسب طبيعتها، وبحسب الحقوق العينية التي يمكن ان تجري عليها وهي التالية:
1 ـ الارض الملك، وتشمل كل العقارات التي يكون حق الملكية فيها مطلق للدولة مثل العقارات التي انشأ عليها المطار، والجامعة اللبنانية، ابنية الوزارات غير المستأجرة، ومن ضمن هذه العقارات 650 عقاراً مخصصاً للسكن، انشيء على جزء منها مشاريع سكنية.
2 ـ الارض الاميرية تشمل العقارات التي يكون حق ملكية الرقبة للدولة، منها حق التصرف بها يمكن ان يشغلهم الغير او افراد او جماعات يمكن بيعها من قبل مالك حق التصرف وتوريثها بالتساوي بين الذكر والانثى.
3 ـ العقارات الخالية أو الارض الموات، وهي اراضي اميرية خالية مهملة لم تستغل في الزراعة ولم يجرِ عليها حق التصرف من قبل الغير.
4 ـ الارض المتروكة وهي اراضٍ تملكها الدولة أو البلدية، وإنما يكون لإحدى الجماعات مثل اهالي بلدة محددة حق استعمالها، وتضم هذه التسمية الارض المشاع في نواحي مختلفة، والمشاع هو ارض يشترك في استغلالها عامة الناس بالتساوي ودون استثناء، والمشاع مسجل تحت مسميات مختلفة مثل البيدر 125 عقار، المرعى 408 عقارات، عموم ارض مسجلة تحت اسم عموم اهالي بلدة ما يقارب 1253 عقاراً اضافة الى 2773 عقاراً مسجلاً تحت اسم مشاع.
بيع الاملاك العامة للدولة خسارة للحاضر والمستقبل
في حال نجحت جمعية المصارف في تسويق بيع أصول الدولة اللبنانية، وهو أمر ممكن، فإن هذه الاصول ستكون موضوع تنازع وتقاسم بين أهل السلطة السياسية والمالية، ولاسيما الاولى منها التي تنهب راهناً الحصة الأساسية من هذه الاملاك في شتى المناطق ساحلاً وجبلاً على حد سواء. وقد تم ذلك من خلال أشخاصها مباشرة، أو عبر أزلامها ومحاسيبها الذين يضربون بسيفها ويتقاسمون الارباح معها. والاصح أن الدولة التي لا تستطيع سداد ديونها ضمن الأداء القائم حيث أقصى الطموح ينصب على ديمومة دفع الأجور للعاملين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين، سيستعمل لتسويغ هذا الإجراء لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية. أما المصارف التي ترفض تحمل مسؤولية قراراتها المغامرة طمعاً بالربح السريع فلا تريد أن يتحمل أركانها ومجالس إدارتها أعباء هذه الديون ، فتهدف إلى الحصول على الديون المترتبة لها على الدولة، وهي تمثل الاحتياط الالزامي وسندات الخزينة التي اشترتها للحصول على الفوائد المرتفعة التي قدمها لها المصرف المركزي قبل الوصول إلى حلقة الافلاس الراهنة، والتي ذهبت كما هو معروف لتمويل المشاريع المشبوهة والنفقات التشغيلية ضمن الحد الأدنى . والوصول إلى بيع هذه الاملاك العامة ستكون بمثابة خسارة للبنان مزدوجة، مالية من جهة، حيث ستباع هذه الاملاك بأقل من قيمتها الفعلية، فضلاً عن أن هذا البيع يتم في ظل الجمود والانكماش وتراجع أسعار العقارات الحاصل، سواء أكانت مبنية أو غير مبنية. ومن جهة ثانية، سيخسر اللبنانيون القيمة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الاملاك باعتبارها من أملاكهم العمومية، لا سيما وان قسماً كبيراً منها مخصص للزراعة أو أحراش وغيرها. الافدح هي خسارة الاجيال القادمة للمجال العام، والخدمات التي توفرها الاملاك العمومية للمواطن مثل الزراعة، الرعي، الاملاك البحرية والنهرية والتنوع البيئي باعتبار أن المتثمرين لا يعبأون بقيمة هذه العقارات الايكولوجية والمناخية.
لكن عدم نجاح جميعة المصارف في تمرير موضوع بيع اصول الدولة، لا يعني أن الاملاك العامة اصبحت بمأمن من تعديات المنظومة الحاكمة، ونشير في هذا الاطار إلى أن مجموع مراسيم اسقاط الملكية العامة عن عدد كبير من العقارات بلغ 830 مرسوماً منذ الاستقلال، والمرسوم لا يدل على المساحة التي تم اسقاطها من املاك الدولة العمومية إلى الاملاك الخصوصية، اذ إن مرسوماً واحداً يسقط اقساماً من شواطئ بحرية وضفاف انهر وممرات وطرق عامة دون تحديد مساحتها الفعلية كعقارات محددة أو بالإجمال.
كما نشير إلى التعديات المتواصلة على المشاعات البلدية والعامة، والتي يجري قوننتها لاحقاً، وكذلك التعديات على الاملاك البحرية والنهرية، والتي يتم اجراء تسوية عليها وتحويلها إلى املاك خاصة. ويحدث ذلك بوتيرة متسارعة بفعل قوة الأمر الواقع الميليشياوي التي تبيحه المحاصصات القائمة بين أركان المنظومة وزبانيتها. ولعل ما تشهده مختلف المناطق من مواجهات للقوى الأمنية التي تحاول هدم المنشآت المقامة على الاملاك العامة، هو مجرد مثال على المدى الذي بلغته عملية الاستقواء والاستباحة للحق العام.
يبقى الاكثر عرضة للبيع بمعزل عن اقرار إنشاء الصندوق السيادي، هي الاملاك العقارية لمصرف لبنان، بإعتبار أن قانون النقد والتسليف يجيز لإدارة المصرف بيعها، وهي أملاك متنوعة تشمل إلى جانب العقارات أسهما في شركات وأصولاً متعددة.
لذلك، فإن فتح نقاش حول الاملاك العمومية واتخاذ موقف فاعل هو امر ضروري لحماية هذه الاملاك حفاظاً على حاضر اللبنانيين ومستقبل حقوق الاجيال القادمة. وهو ما تتحمل مسؤوليته كل القوى المعارضة للمنظومة من مجتمع مدني وتجمعات شبابية وبيئية ناشطة وأحزاب تصنف نفسها على خانة رفض ما يجري من انتهاك للمجال والشأن العام. إن حماية القطاع العام وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة الاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها، يفترض كخطوة بديهية حماية حقوق اللبنانيين مقيمين ومغتربين في هذا الاملاك للاجيال المقبلة وترشيد الإفادة منها، بدل تسليمها لقمة سائغة لصنوف النهّابين وتجريد المجتمع اللبناني وبالتالي الدولة من مقومات بقائها وتأمين مقومات تسيير مرافقها.
Leave a Comment