حرية الصحافة ام صحافة الحرية؟

غسان صليبي*

في عيد الصحافة اعتدنا أن نتكلم عن حرية الصحافة. وهذه الاخيرة هي من المبادىء الأساسية في الانظمة الديمقراطية، وشرعيتها تنبع من حرية الرأي والتعبير.

في الانظمة الديمقراطية، يجري التركيز على كل ما يعيق حرية الصحافة، كجزء من الحرص على حرية الرأي والتعبير عند المواطنين. وفي لبنان ايضا، حيث ينص دستوره على أن النظام اللبناني برلماني ديمقراطي، وعلى وجوب احترام حرية الرأي والتعبير، تُواجَه التعديات المتعاظمة، كما ونوعا، على حرية الصحافة، بالتمسك بمبادىء الدستور.

لكن ماذا لو كنا ندافع عن حرية الصحافة في لبنان، في نظام لم يعد لا برلمانيا ولا ديمقراطيا، وباتت حرية الرأي والتعبير تتحرك في هامش ضيّق، يرسم حدوده عنف السلاح ورقابته الدائمة على الحياة السياسية، إضافة الى الضغوطات الاجتماعية، المذهبية والطائفية، وعدم تطبيق القانون، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية؟

عندما تتعطل الديمقراطية وتتقلص الحرية، كما في لبنان، لا تكفي المطالبة بالحفاظ على حرية الصحافة، بل يصبح لزاما التساؤل حول “صحافة الحرية”: إلى اي مدى لا زالت الصحافة وفيّة لسبب وجودها، ولم تتحول، رغم حفاظها على حرياتها هي، أداة لتشكيل رأي عام مطبّع مع انتفاء الحرية والديمقراطية في المجتمع؟

فلنأخذ مثالا على ذلك، الانتخاب الرئاسي، وطريقة تغطية الصحافة لهذا الحدث. الانتخاب الرئاسي مثال صارخ حول تعطل الديمقراطية وحرية النواب في انتخاب الرئيس، بحيث اصبحت هذه العملية بيد الاطراف الخارجيين، الاقليميين والدوليين، بشكل فاضح لا لبس فيه. الصحافة، مع استثناءات قليلة، تغطي ما يجري وكأنه مسار طبيعي. تتوقف عند ما قالته فرنسا لفرنجية، ومطالبتها له بضمانات، وعرضها الضمانات على السعودية. تتوقف مليا عند الاتفاق السعودي- الايراني،

وكل التساؤلات تدور حول انعكاسها على انتخاب رئيس للبنان. تتوقف طويلا عند تصريحات عبد اللهيان، وزير الخارجية الايراني، ومن بعده عند تصريحات البخاري، السفير السعودي في لبنان، ويبدأ التمحيص والتأويل في ما ارادا قوله وما لم يريداه.

تكثر التحليلات بشأن مصير الانتخاب الرئاسي، لكن معظمها انطلاقا من رصد تحركات وتصريحات من خارج المسار الدستوري للانتخابات، ومن خارج سيادة الدولة، ومن خارج حرية المواطنين المفترض التعبير عنها من النواب، عبر تصويتهم بحرية لانتخاب رئيس للجمهورية. ترصد الصحافة مسار انتخاب رئيس للـ “جمهورية”، وهي تؤكد في كل معلومة تعرضها، أنه لم يعد في لبنان جمهورية، لا من حيث اشتغال النظام السياسي، ولا من حيث استقلاليته عن الإملاءات الخارجية. الاخطر من كل ذلك، أن ما تعممه الصحافة وكأنها عملية طبيعية، يبتلعه الرإي العام كزوادة يجترها يومياً، بحوارات، تعمّق غربته، عما يتقرر بشأن مصيره البائس.

هذا تحديداً، ما يجب أن تنتفض ضده الصحافة الحرة، بحيث لا تكتفي بالمطالبة بحرياتها هي. فلا حرية للصحافة، دون صحافة الحرية، فلا تكون الصحافة كمن يتنكر لأصله، اي الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير لشعبها، فتجد نفسها في وضع تدافع فيه عن حرية تعميم فقدان الحرية.

ماذا لو كنا، في عيد الصحافة، ندافع عن حرية الصحافة في وقت لم تعد الصحافة فيه صحافة الحرية، بل صحافة الامر الواقع كما في لبنان اليوم، حتى ولو كانت تُعمِّمُ بحرية، القيم وطرق التفكير السائدة، في ظل غياب الديمقراطية والتضييق على حرية الرأي والتعبير؟

*نشر في “النهار” بتاريخ  7 أيار  2023