محمد قدوح
دخل الاضراب المفتوح في الادارات العامة شهره الثاني، بعدما رفضت رابطة الموظفين الحل الذي أقرته اللجنة الوزارية المكلفة درس مطالبها، والذي يقضي برفع قيمة المساعدة الاجتماعية للموظفين من نصف راتب إلى ما يوازي قيمة راتب كامل، ورفع بدل النقل من 64.000 ليرة لبنانية إلى 95.000 ل.ل.
وقد قررت الهيئة الادارية للرابطة الاستمرار بالاضراب، وبررت قرارها بأن الموظفين لن يقبلوا بوقف الاضراب ما لم يحصلوا على ما اُعطي للقضاة، اضافة إلى حل موضوع بدل النقل عبر توفير قسائم بنزين من اداراتهم، وبالتالي فإن الشلل في جميع ادارات الدولة سيستمر للأسبوع الخامس على التوالي، وستستمر معه خسائر الدولة المالية، والتي تقدر بحوالي 150 مليون دولار يومياً، بسبب إقفال الصناديق المالية، وتأخير إنجاز معاملات الإستيراد والتصدير والرسوم والضرائب، إضافة إلى معاناة المواطنين الذين يسعون لإنجاز معاملاتهم الضرورية في مختلف دوائر الدولة.
وتشير مواقف كل من طرفي المشكلة: الحكومة ورابطة الموظفين أنهما دخلا فعلاً في مأزق، ودخل معهما الاقتصاد اللبناني المترنّح في ظل الانهيار المتسارع في مأزق مضاعف.
كيف تبدو المواقف:
اولاًـ بالنسبة لرابطة الموظفين: من الطبيعي ان تتسبب الخسائر المالية ومعاناة المواطنين برفع وتيرة الضغوط عليها من قبل السلطة والمتضررين، حيث أن السلطة أقرت ما تراه حلاً مناسباً في الظروف المالية الراهنة، وتعمل على إصدار المرسوم المتضمن هذا الحل، مما يعني أنها ليست في وارد التراجع عن قرارها أو حتى تعديله. وقد بدأت هجوماً ضد الرابطة تركز على انتهاء صلاحيات ولاية الهيئة الادارية واعتبارها غير قانونية، وبالتالي لا يمكن التفاوض معها. ومن جهة ثانية، يبدو أن احزاب السلطة تعمل من خلال ممثليها في الهيئة الادارية للرابطة على ترتيب اجتماع مع وزير المالية، الغاية منه الحصول على وعود وإن شكلية يبنى عليها قرار وقف أو تعليق الاضراب.
وفي موازة ذلك، دعت رئاسة الحكومة المدراء العامين للإجتماع بهدف الطلب إليهم التشدد في تطبيق دوام الموظفين بمعدل يومين في الاسبوع، وذلك تحت طائلة اتخاذ الاجراءات المسلكية المناسبة. وبذلك تكون الرابطة امام مأزق فعلي يهدد وحدة موقفها من جهة، واحتمال حصول انقسامات في صفوف الموظفين من جهة ثانية، وهو الامر الذي يطرح حينها اكثر من علامة استفهام حول امكانية الاستمرار في الاضراب.
ثانياً ـ بالنسبة للحكومة: بالرغم من أنها حسمت موقفها في حل مسألة رواتب الموظفين، فإنها لا تزال عاجزة عن كسر إرادتهم، بالرغم من التهويل بتراجع الإيرادات المالية للدولة، والحديث عن احتمال عجزها عن دفع الرواتب والاجور، والتهديد باتخاذ اجراءات ادارية وعقابية بحق الموظفين المتغيبين عن الدوام المحدد بيومين في الاسبوع. كما أنها لا تزال عاجزة عن اقفال مزاريب الهدر ومسارب الفساد والمحاصصة، والتي ترتب خسائر مالية قد تفوق قيمة الخسائر الناتجة عن اضراب الموظفين. والأهم في هذا الاطار أن التمييز بين الفئات الوظيفية يمثل مخالفة لمبدأ المساواة بين جميع الفئات، والذي تمثل بإعطاء زيادة للقضاة دون سواهم من العاملين في أجهزة وادارات الدولة. وقد اثارت هذه الخطوة غضب هؤلاء، ودفعتهم لتأييد الرابطة والتوحّد حول قرار الاضراب، ومطالبتهم الاستمرار به.
ثالثاًـ حول الوضع الاقتصادي والمالي: إن أحقية مطالب الموظفين لا تبرر تحميل المالية العامة خسائر اضافية في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يدفع ثمنه الموظفون وعموم اللبنانيين، كما أن “حرص” السلطة على منع تفلت التضخم جرّاء زيادة رواتب الموظفين، لا يوقف هذا الانهيار. إذ المطلوب منها اولاً وقبل اي اجراء آخر وقف مسار الهدر والفساد والتهريب، والشروع في مناقشة واقرار الاصلاحات الضرورية لإستعادة ثقة المواطنين بها اولاً فالمجتمع العربي ثم الدولي ثانياً.
لذلك فالمطلوب من الجميع وسط هذا الوضع الكوارثي إعادة النظر في مواقفهم، وتغليب مصلحة البلد على ما عداها، ففي مصلحة البلد تتأمن مصالح الجميع، بما فيهم مصلحة الموظفين.
Leave a Comment