تنجز الانتخابات الطالبية في عدد من الجامعات الخاصة على وقع خلافات واصطفافات سياسية وطائفية. في حين بقيت الانتخابات في الجامعة اللبنانية معلقة بقرار من اداراتها وبتواطؤ بين القوى المهيمنة على كلياتها وفروعها، وفقاً للتقسيم الطائفي الذي كرس واقعاً ألغى التنوع ومنع الطلاب من ممارسة حقهم الديموقراطي في الانتخاب وانشاء مجالس طالبية تمارس مهماتها في خدمة الطلاب والجامعة.
غياب الديموقراطية
بدت الحماوة التي شهدتها الانتخابات الطالبية في عدد من الجامعات، وكأنها من خارج الموضوع الأصلي، أي الممارسة الديموقراطية في عملية انتخابية يصل من خلالها ممثلون للطلاب إلى الهيئات والحكومات الطالبية، على رغم أن قوانين الجامعات الخاصة لا تعطي المجالس صلاحيات بلا إشراف الإدارات، خصوصاً وأن أعضاء مجالس الأمناء يعينون بلا انتخاب كما رؤساءها تماماً، وان كان يوجد فيها تقاليد ديموقراطية متفاوتة، لذا اقتصرت على صراع حاد بين الطرفين المسيحيين، “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، امتداداً للقطيعة بينهما ولمحاولة السيطرة على التمثيل المسيحي، وعودة كل منهما إلى موقعه في الاصطفاف السياسي في البلد، فيما بدت الهدنة قائمة بين أطراف الطوائف الاسلامية، لا سيما بين “حزب الله” وتيار المستقبل، إذ أن كل طرف اشتغل على جمع مناصريه لتحديد حصته في الهيئات الطالبية وفقاً لتمثيله المذهبي، وإن كانت هناك لوائح متنافسة انما يطغى عليها الاصطفاف السياسي والطائفي بما يتجاوز مصالح الطلاب. أما المفارقة التي تجعل الانتخابات بلا معنى أنه في كل مرة، يتبادل الطرفان المسيحيان مثلاً الاتهامات ويعلن كل منهما الفوز ويهديه إلى قيادته، قبل التوجه الى القاعدة الشبابية والطالبية التي تشكل الاساس والتي يبنى عليها اذا كانت البرامج واضحة من دون شعارات كبرى وحسابات لا علاقة مباشرة للطلاب بها.
لم نشهد في المعركة الانتخابية في الجامعات الخاصة هذه السنة، وبينها الجامعة الأميركية وسيدة اللويزة واللبنانية الأميركية، والجامعة اليسوعية، معارك ومواجهات مباشرة بين ما كان يسمى 8 و 14 أذار شبيهة بالتموضع الذي كان سائداً بين مشروعين في البلد، على رغم الاصطفافات السياسية والطائفية التي تشكل امتداداً للانقسام في البلد. فظهر أن للأطراف في الساحة الاسلامية حسابات مختلفة، وهي تجتنب المواجهات المباشرة وتترك للطرفين المسيحيين إدارة المعركة الطالبية، فيما كانت المواجهات حامية في انتخابات جامعة القديس يوسف، وهي الجامعة التي يعتبرها كل طرف معقله التاريخي ويصادران فيها دور الطلاب. وأظهرت نتائج انتخابات اليسوعية هذه السنة مفاجآت، اذ استطاع تحالف التيار العوني وحزب الله من الفوز بالكليات الكبرى، لكن على قاعدة اصطفاف سياسي وانقسام لا مصلحة فيه للجسم الطالبي. وبدت المفارقة أن الجسم الطالبي عامة لا يكترث كثيراً لما يسمى التمثيل القائم، إذ لا تاثير مباشر للمجالس والحكومات الطالبية على سير الأمور الأكاديمية، وأنه لا يكترث لمصالح الطلاب ولا يعبر عن هويتهم، طالما أن التعبئة والعصبيات هي التي تحكم سير الأمور وتمنع تحديد هوية ديموقراطية للتمثيل، لذا يظهر ملتبساً وقاصراً عن بناء جسم طالبي متماسك يستطيع أن يؤثر في قطاعات مختلفة في البلد.
تخوض الأطراف الطائفية في الجامعات مواجهة تستخدم فيها الطلاب أدوات، في غياب قوى ديموقراطية قادرة على الفعل والاستقطاب، ياستثناءات يتقدم فيها المستقلون من دون برامج واضحة، ما يعني أن الانتخابات تجري في غياب المشاريع الشبابية والنقاش بين الطلاب الذي يمنحهم عادة دوراً رئيسياً يؤسس لانخراطهم في القضايا الاجتماعية والمدنية في البلد. وإذا كانت الانتخابات الطالبية تكتسب أهميتها كتقليد ديموقراطي في الجامعات، تبقى، في المقابل، بلا معنى ما لم تكن خطوة انتقالية لتأسيس وعي شبابي عام يعيد الاعتبار الى الدور الطالبي المؤثر في القضايا العامة، والمساهمة في النهوض الديموقراطي وحمل هموم الشباب من الجامعة إلى الفضاء العام، وتشكيل نواة قادرة على التواصل، وليس تسجيل انتصار ضيق هنا أو هناك.
الصراع الطائفي ومصادرة صوت الطالب
يلاحظ في الجامعات التي أنجزت انتخاباتها الطالبية أنها اعتمدت في معظمها النظام النسبي، وبعضها مع الصوت الواحد، وعبر الانترنت أو نظام الكتروني خاص بالجامعة، ورغم ذلك بدا التصویت الطالبي بخلفیة سیاسیة طائفیة بالدرجة الأولى، قبل النظر إلى الاستحقاق من مرجعیته الطالبیة كتقلید دیموقراطي. لذا كان الاستحقاق الديموقراطي كما في السنوات السابقة يضيق بالاصطفاف والعصبيات فتتحول معه الحركة الطالبیة أداة للقوى السیاسیة واستطراداً الطائفیة، وھذا سببه تراجع قیمة الانتخابات ووزن الطلاب وقدرتھم على الفعل. ففي الجامعات الخاصة تتنطح أطراف سیاسیة لإعلان الفوز من دون أي اشارة إلى الطلاب ودورھم في التغییر. كما أن هذه القوى تتحدث بإسم الطلاب بعد الانتخابات، فلا نجد دوراً أو كلمة للمجالس بعدها.
واقع حال القوى المتصارعة في الجامعات، والتي يدل عليها البعض أنها من 8 و14 اذار تحمل توجهات مختلفة ومتباينة، وكل منها، يسعى الى مردود لخياراته في البنية الداخلية، أي توظيف الجامعات وانتخابات الطلاب في مشاريع الصراع الداخلي. لذا معركتها بين الطلاب، ليست لاستنهاضهم، بل للتجاوز إلى تسجيل نقاط، حيث تتحول الجامعات حلبة صراع لا يعترف أي طرف فيها بالنتائج حتى لو كانت مثبتة للطرف الآخر. ويبقى طلاب الفريقين على اصطفافاتهم السابقة. وهذا يعني أن القوى لا تترك مجالاً لنقاش طالبي أكاديمي حقيقي، وكأنها تخوض معركة لإثبات الحضور واستثماره في مكان آخر، وإجراء استفتاء التأييد لها بعيداً عن مصلحة الطلاب للقضايا التي تعنيها خارجها.
في الحصيلة، ليست الانتخابات الطالبية اليوم بقوانينها المختلفة سوى تغطية لمصالح سياسية وطائفية ومشاريع استثمار خارج الجامعات، وإن كان من حق الطلاب ممارسة خيارهم الديموقراطي بالاقتراع وإيصال ممثليهم الى المجالس والهيئات الطالبية. لكن هذا الواقع يفترض العمل على إعادة الانتخابات في الجامعات إلى وظيفتها الأصلية، أي أن تكون عامل استنهاض للطلاب لمقاربة قضاياهم الجامعية والدراسية، والمشاركة الفاعلة في قضايا المجتمع، ووقف استخدامهم أداة للقوى التي تتنافس على السيطرة على حساب مصالحهم ومستقبلهم.
[author title=”سالم حيدر” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]