سياسة

رحيل نتنياهو عن الحكم لكن سياساته باقية في “تلميذه النجيب”!

كتب محرر الشؤون الاسرائيلية

نالت الحكومة الاسرائيلية الجديدة بزعامة نفتالي بينيت ثقة الكنيست بفارق صوت واحد فقط، وبذلك كُتبت خاتمة فترة حكم نتنياهو التي بدأت منذ العام 2009 وحتى العام 2021 ، تخللها في السنوات الأخيرة أربعة انتخابات عامة، لم تنجح في إنقاذ رأسه أو المجيء بأكثرية حاسمة. وكان 60 عضواً من أعضاء الكنيست قد منحوا الثقة للحكومة الجديدة، في ما أبدى 59 عضواً رفضهم، وامتنع نائب واحد عن التصويت. وتألفت الحكومة الحالية من 27 وزيراً، وقد وصفها البعض بأنها تاريخية كونها نتجت عن ائتلاف دخلت في تكوينه كتلة عربية اسلاموية من عرب الـ 1948. وقد  ضمت للمرة الأولى في تاريخ الحكومات الاسرائيلية وزيراً عربياً هو السياسي العربي عيساوي فريج الذي يشغل منصب وزير التعاون الإقليمي. وينتمي فريج (57 عاما) لحزب “ميرتس” اليساري الذي دعم سابقا منح مواطني إسرائيل العرب حقوقا متساوية. والواضح من الثقة الهزيلة أن حكومة من هذا النوع معرضة للسقوط في حال خروج واهتزاز موقف واحدة من الكتل الصغرى، وليس الكبرى من القوى المكونة لها. وهو أمر كثيراً ما يحدث نتيجة الانشقاقات والصراعات على الزعامة بين القوى من جهة، وطابع تفتت القوى السياسية المكونة للكنيست والحكومة من جهة ثانية.

ومع أن هذه الحكومة وُصفت بأنها “حكومة التغيير” ، الا أنه يمكن الجزم أن هذا التغيير يقتصر على إزاحة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن سُدة الحكم، ومجيء تلميذه “النجيب ” بينيت مكانه. أما المشروع الذي يحمله الأخير فلا يختلف في شيء تقريباً عما أرساه الأول من سياسات داخلية واقليمية. الفارق الوحيد أن نتنياهو كان متطابقاً مع فترة تولي الرئيس ترامب حزبه الجمهوري في مواقفهما حيال مسألة الصراع في المنطقة. في ما الأرجح أن يكون بينيت على استعداد ولو كلامي على الأقل، لوضع رجل في “بور” المشاريع الاميركية للمنطقة، والثانية في “الفلاحة” اليمينية الصهيونية. أما على صعيد الاستيطان والمستوطنات والتعاطي مع الأراضي المحتلة في الضفة الغربية ومع قطاع غزة ورفض حل الدولتين ومصير القدس فلا وجود لأي تباين بين الرجلين. كما لا فوارق تذكر بينهما على صعيد التعاطي مع الوضع في سوريا ومواصلة مطاردة النفوذ الايراني فيها. ويبقى الأهم هو رفض وصول ايران لامتلاك القنبلة النووية ومهما كلف الأمر، باعتباره يمثل الخطر الأكبر على اسرائيل. وهو ذات التوصيف الذي طالما استعمله نتنياهو في تصريحاته، وشغل الجزء الأكبر من حركته وعلاقاته السياسية الاقليمية والدولية. بالطبع مثل هذا الموقف ينسحب على لبنان كونه في نظر المؤسسة السياسية والأمنية والعسكرية الاسرائيلية مجرد امتداد للنفوذ الايراني، ومصدر تهديد لها، بالنظر لما يمتلكه حزب الله من منصات الصواريخ الذكية والدقيقة وغير الذكية. أما الدور الاسرائيلي في منطقة الخليج فينطلق من إنجاز عملية التطبيع مع كل من الامارات والبحرين وفتح العلاقات على مصراعيها معهما، والعمل باصرار على تعطيل الجهد النووي الايراني من خلال التفجيرات والعمليات الأمنية بما فيها الاغتيالات، وتقليم الأظافر البحرية للحرس الثوري الايراني. وهو الجهد الذي تجاوز منطقة الخليج وبحر العرب نحو شرقي المتوسط كما هو معلوم. أي أن حكومة بينيت تعمل انطلاقاً من الانجازات والاختراقات التي حققها نتنياهو والمراكمة عليها. وهي الاستراتيجية التي أمكن للجيش وأجهزة الأمن الاسرائيلية بلورة  خطتها تحت عنوان هو ” الحرب بين الحروب “. والتي وإن كانت لا تصل إلى اعلان الحروب الشاملة، الا أنها تخوض حرب مصالحها الاستراتيجيات وسط ساحات حروب مستعرة على أي حال.  

وبالعودة إلى الداخل نرى أن فاتحة سياسة حكومة بينيت كانت قراراً سياسياً مزدوجاً ، أولهما السماح بمسيرة الاعلام في القدس القديمة بدعوة من منظمات دينية متطرفة، والتي شارك فيها خمسة الآف مستوطن بحراسة 2500 من رجال الشرطة، وتخللها رفع شعارات عنصرية تدعو لموت العرب وطرد الباقين منهم، وممارسة العنف ضد المتظاهرين الفلسطينيين المحتجين، أدت إلى اعتقال وجرح العشرات منهم في القدس القديمة ورام الله وغيرهما. وكان السماح هذا للجماعات المتطرفة بتنظيم المسيرة مؤشراً رئيسياً على ارتفاع منسوب اليمينية المتطرفة والتوجهات الاستيطانية في الحكومة الجديدة، باعتبار أن نتنياهو كان قد اضطر لارجاء السماح لها في حومة انتفاضة أيار / مايو التي انطلقت من حي الشيخ جرّاح والمسجد الأقصى في القدس القديمة، والتي سرعان ما امتدت لتشمل عرب الـ 1948، وتوسع لهيبها لتتحول إلى هجوم جوي – بري بربري على قطاع غزة، أودى بحياة المئات وجرح الألوف وتدمير واسع طال الأحياء السكنية والمؤسسات التعليمية والعمرانية والمرافق العامة. أما الثاني فتمثل في عودة غارات الطيران الحربي الاسرائيلي على غزة وخان يونس رداً على البالونات الحارقة التي واكبت تظاهرة الجماعات الصهيونية المتطرفة في القدس. ومع أن تلك الغارات لا تقارن مع ما سبق وتعرض له القطاع، الا أن ما رافقها من استعدادات تؤشر أيضاً إلى الحسم في اللجوء إلى الخيار العسكري، ما يهدد بالعودة مجدداً إلى القتال بعد الجهود المصرية القطرية الاميركية التي رتبت وقفاً لاطلاق النار يبدو على درجة عالية من الهشاشة. وما يعزز توجه حكومة بينيت هذا أن معظم فريقه الأمني، هم أصلاً من الفريق الأمني لنتنياهو، ومن الداعمين الدائمين لسياسة الحديد والنار، ورفض الانصياع للقرارات الأممية والمواثيق الدولية والاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. 

ومع أن  المراسم الاحتفالية غابت عن عملية التسلم والتسليم في مكتب رئيس الحكومة، التي اقتصرت على حديث بين نتنياهو وبينيت تناول القضايا الأمنية والمواد السرية والاطلاع على شؤون الدولة، لكن مجرد الاطاحة بنتنياهو أثار موجة احتفالية بين الاسرائيليين الذين ضاقوا ذرعاً به بعد 12 سنة من ممارسة الحكم، مطالبين بمحاكمته وسجنه في قضايا الفساد التي كان يأمل في الافلات منها من خلال تشريعات ونصوص قانونية تحميه وتمنع محاكمته كمسؤول سياسي أعلى في دولة اسرائيل.

لكن الفلسطينيين وهم يدركون حدود التغيير الشكلي الذي طرأ على المشهد يستعدون للطور الراهن من الحكم الاسرائيلي، بعد أن تبين منذ خطاب بينيت الأول في الكنيست ثباته على سياسة تعزيز الزحف الاستيطاني في كل المناطق الفلسطينية وخصوصا في المنطقة “ج” داخل الضفة.  وبناءً على هذه المقدمات من المتوقع ألا تعتمد الحكومة الجديدة أي من المقاربات المختلفة للقضايا الإشكالية التي يعاني منها الكيان، ولاسيما على صعيد الصراع الذي تشهده أرض قفلسطين ، خصوصاً بعد انتفاضة مايو / أيار وما حملته من دلالات ليس على صعيد المناطق المحتلة عام 1967 وغزة فقط، بل نحو المناطق المحتلة عام 1948 التي شاركت بكثافة وبحضور وازن في الانتفاضة. وهو ما لا يمكن أن يهدئ من اندفاعه إدعاءات اسلاموية ويسارية حول منح الثقة والتوزير والمطالبة بالحقوق المدنية المتساوية داخل الخط الأخضر، طالما أن المشروع العنصري الصهيوني نفسه، يتابع اعتماد ذات النهج الذي قاد للثورات ولانتفاضات والاصرار على الحقوق وللانفجار الأخير وسيقود حتماً لانفجارات لاحقة.

Leave a Comment