كتب محمد فران
هنيئا لنا قياداتنا القوية. فمن غير الماروني القوي يستطيع أن يترك البلد سنتين ونصف السنة بلا رئيس تحت شعار انا أو لا أحد؟ ومن غير الماروني القوي يرهن تشكيل الحكومة برضى الصهر، ويضع مشروع التعيينات القضائية بالدرج، ويترك البلد بلا حكومة إلا إذا كانت على مزاجه، ويفسر الدستور على هواه؟ من غير الماروني القوي بإمكانه أن يدعم ترشيح الرئيس القوي، ورغم كل الدمار الحاصل يصر على أن خياره كان صائبا ولا يظهر أي ندم على قراره.
فمن غير السني القوي بإمكانه أن يبعد صقوره، ويهمش طائفته ويقر نظام انتخابي لصالح خصومه ويضعف حلفاءه؟ من غير السني القوي بإمكانه أن ينتزع من بقية الطوائف لقب الطائفة الأكثر حرمانا وقهرا، في الوقت الذي تتمتع فيه قلة حوله بخيرات الدولة وحصة الطائفة في المحاصصة.
فمن غير الشيعي القوي قادر على التفوق على بقية الطوائف في حشو الموظفين في دوائر الدولة من دون حاجة ؟ من غير الشيعي القوي يستطيع أن يرفض “الهيركات”، الذي يطال كبار المودعين بجزء من مكاسبهم من الفوائد الهائلة التي جنوها، لصالح خزانة الدولة، ويسمح ب”هيركات” يطال الفئات المتوسطة والدنيا من المودعين بنسب خيالية لصالح المصارف وليس لصالح الدولة؟ من غير الشيعي القوي بإمكانه أن يسمح للمصارف بسرقة أموال طائفته وبقية الطوائف من البنوك ويسمح لجماعاته بسرقة مشاعات القرى دون أن يحرك ساكنا.
من غير الشيعي القوي يستطيع أن يشرع الحدود ويهرب المحروقات والدواء والمواد الغذائية المدعومة إلى الخارج ويترك اللبنانيين أسرى الفقر والجوع والمرض دون أن يرف له جفن؟ من غير الشيعي القوي يفرض على الحكومة اللبنانية حروبها وسلمها وعلاقاتها الخارجية؟
هنيئا لنا قياداتنا القوية التي تحرمنا من كل شيء إلا من المرض والجوع وهدر الكرامات. إن وضعنا الحالي يدفعنا للتفكير اذا كان علينا أن نحتفل أم نلطم صدورنا في (ذكرى) الاستقلال؟ وأن نتظاهر مطالبين بالاحتلال الفرنسي مع تقديم الاعتذار له نيابة عن قادة الاستقلال. التدخل الخارجي بات مطلباً لأغلبية اللبنانيين ولم يعد عمالة. العمالة هي القبول بالواقع الراهن. ولكن أخطر ما وصلنا اليه يتجلى بكثرة المقارنات التي بت اسمعها حول أيهما اشد سوءاً واقع لبنان راهناً أم أيام الاحتلال الإسرائيلي للبنان.؟!!!!
صدقوني هذه ليست مبالغة، وقد اضطررت إلى خوض نقاشات مع أناس وطنيين لتذكيرهم بجرائم الاحتلال والإطاحة بكرامتنا الوطنية المهدورة وتعديات ميليشياته. بالنسبة لي لم يعد مهما اذا اقنعتهم أم لا، فمجرد المقارنة هي هزيمة لي ولجميع من يتمسكون بالمبادئ والافكار الوطنية والقومية التي تربينا عليها. هذا الواقع خطير، وخطير جداً. فبقدر انتشار هذه المقارنات والمناخات المحبطة في مجتمعاتنا، ستزداد الانحرافات الوطنية ،معززة بحبوب الكبتاغون لتخرج أعداداً متزايدة من العملاء الخطيرين على مجتمعاتنا.
من لا يستوعب تأثير واقعنا المنهار على وحدة مجتمعاتنا وحصاناتنا مكتفيا بقدرته على تأمين الخواص من جماعته، قد يتفاجأ بحجم الانهيار المجتمعي الحاصل ونتائجه المدمرة على الجميع.
Leave a Comment