كتب عماد زهير
يبدو مبلغ الـ 250 ليرة الذي زيد على سعر ربطة الخبز زهيداً بالمقارنة مع ما يلمسه المواطنون من ارتفاعات على أسعار وأثمان مستهلكاتهم اليومية التي يشترونها، سواء صُنفت على أنها مواد غذائية لأسرهم أو حاجات يومية ضرورية لحياتهم. بالطبع جاء قرار رفع سعر الربطة بعد نفاذ الكمية التي تبرع بها العراق ومنظمة الأعذية العالمية بعد كارثة مرفأ بيروت. لكن النظر إلى الموضوع في العمق يكشف أن المبلغ الصغير هذا ما هو الا رأس جبل الجديد مما ينتظره المواطنون والمقيمون.
والواقع أن المطاحن والأفران عمدت إلى فرض هذه الزيادة التي أقرتها وزارة الصناعة لاحقاً، كونها تفتح الطريق أمام المزيد من الزيادات على أسعار الرغيف، وبما يحافظ على أرباحهما. فمنذ أشهر تلح الأفران والمطاحن على رفع أسعار منتجاتهما، متذرعة تارة بارتفاع سعر الدولار في سوق الصرف، أو سعر طن المازوت، وطوراً بارتفاع الكلفة من صيانة الآت وأثمان أكياس وخميرة وغيرها. والأهم أن مستوردات لبنان من القمح التي تحظى بدعم مقداره 85% من مصرف لبنان، مرشحة لمزيد من الزيادات، بعد ارتفاع أسعار طن القمح في السوق العالمي في غضون شهرين فقط بحوالي 40% زيادة على أسعاره السابقة . ولما كان الاستيراد يتم بالدولار الاميركي الذي يرتفع سعره في السوق اللبناني باستمرار، حتى لامس الـ 9 آلاف ليرة لبنانية هذه الأيام، فمن المرجح تسجيل زيادات إضافية تبعاً لما هو عليه في السوق السوداء، ما دام انتاج الخبز وأسعاره سيتبع ما هو عليه سعر القمح في الأسواق العالمية والتي تتجه صعوداً. وبناءً عليه بات من المتوقع قريباً أن يسجل سعر ربطة الخبز زيادة قريبة مقدارها 250 ليرة إضافية، ليصبح ثمن الربطة الواحدة 2500 ليرة. ولا يغيب عن البال هنا أن ربطة الخبز كانت قد سجلت ارتفاعات سابقة من خلال تخفيض وزن العجين وتقليل عدد الأرغفة. على أن الموضوع برمته مفتوح على أمرين أولهما: زيادة سعر الطن الواحد من دقيق القمح المعدّ لإنتاج الخبز اللبناني، إلى مبلغ 864 ألف ليرة كحد أقصى. وسعر طن دقيق القمح فئة زيرو إلى مبلغ مليون ومئة ألف ليرة كحد أقصى. أما سعر طن دقيق القمح “أكسترا” فقد وصل إلى مبلغ مليون ومئة وخمسين ألف ليرة ولكل من هذه الفئات منتجاتها التي سترتفع بموجبها أسعارها بطبيعة الحال (خبز افرنجي ومناقيش وكعك وما شابه).
وثانيهما يجب ربطه بما تشهده أسعار وأوضاع باقي السلع المدعومة من قبل مصرف لبنان في السوق الفعلي، أي في الأفران التي تهدد بين فترة وأخرى بالاقفال وتجويع المواطنين. وكذلك الصيدليات ومحطات المحروقات ومحال التوزيع. فالأدوية المدعومة من المصرف باتت في معظمها شبه مفقودة، ويحتاج المريض للحصول على علبة دواء واحدة أن يجول على عشرات الصيدليات كي يجد طلبه منها، هذا اذا وجده. وعمد بعض الصيادلة الانتهازيين إلى بيع بعض أدوية كورونا مثلاً بالحبة التي تصل إلى مائة دولار، علماً أن العبوة الكاملة لا يتجاوز سعرها عدة دولارات. أما مرد هذه الندرة فهو تأخر تحويلات المصرف المركزي من جهة، وعمليات التهريب من جهة ثانية نحو تركيا وسوريا، واعتماد المستوردين على تخزين ما بحوزتهم في المستودعات انتظاراً للتخلي عن الدعم، وبالتالي تحقيق أرباح إضافية بملايين الدولارات من أموال المودعين والمكلفين اللبنانيين من جهة ثالثة. ولا تختلف المحروقات عن السلع السابقة المدعومة. إذ يشهد المواطنون انقطاعاً متكرراً في توافر المادة في العديد من المناطق اللبنانية. ويحدث ذلك تبعاً للكميات المطلوبة إلى سوريا ومدى توفر فائض في لاسوق اللبناني من عدمه. يضاف إليها ارتفاعات أسبوعية في سعر صفيحة البنزين في المحطات، حتى فاقت الزيادات المسجلة تباعاً الأربعة الآف ليرة لبنانية في غضون فترة قصيرة. في الوقت نفسه وصل سعر قارورة الغاز المنزلي هي الأخرى إلى حوالي 25 ألف ليرة للمستهلك بعد أن كان سعرها يتراوح بين 17 و22 ألف ليرة فقط. أما المازوت فقد بات شبه محتكر للتهريب. وقد سجلت هواتف المواطنين وعدسات الأجهزة الاعلامية أشرطة لعشرات صهاريج التهريب من معبري العبودية في عكار والقصير في البقاع الشمالي نحو سوريا. وهي تتحرك كقوافل يومية. كما قُدمت إخبارات للنيابات العامة والأجهزة، ولا من يتحرك من أجهزة الدولة القضائية والأمنية. والواضح من النقاش في قضية رفع الدعم أو محاولة ترشيده التي جرت في اللجنة الوزارية التي عقدت اجتماعات متتالية في القصر الحكومي أن هناك يداً خفية – معلومة تلقي بوزنها لعدم المس بالكميات المدعومة المستوردة التي يحول جزء يسير منها للاستهلاك المحلي، فيما القسم الأكبر يتجه ببركة الرٌعاة السياسيين من أصحاب المحاصصة نحو الحدود السائبة، سواء من المعابر الشرعية أو غير الشرعية. لذلك يفتقد كثير من المواطنين في المناطق الجبلية المازوت من المحطات للتدفئة وسط طقس عاصف وبرد شديد.
ومن الواضح أن هناك حلفاً غير مقدس بين المهربين وحُماتهم وكبار التجار الذين تصلهم السلع المدعومة فيعرضون قسماً ضئيلاً منها على رفوف الصيدليات ومحال السوبر ماركت بينما يتبخر القسم الأكبر. وتتواصل حال التفلت قائمة على قدم وساق، ولا نية للدولة بسبب اهتراء أجهزتها بفعل شبكات الفساد التي تنخرها، والعاجزة عن ضبط عملية الدعم على نحو فعلي من خلال اعتماد البطاقة التموينية، وحصر الإفادة بالمحتاجين من ذوي الدخول المتدنية والفقراء، لذا من المتوقع مواصلة المصرف المركزي دعم السلع نظرياً والتجار والمهربين عملياً حتى نفاذ ما لديه من أموال المودعين والاحتياطي المتراجع على نحو يومي، عندها تتضاعف حدة الكارثة الاجتماعية والمعيشية على مستويي تحرير سعر صرف الدولار واستحالة مواصلة دعم السلع، خصوصاً وسط جموح كارثة انتشار وباء كورونا وما يرافقها من اجراءات اقفال عامة في البلاد، ما يعني أن المبالغ التي رصدتها الدولة لمساعدة الفئات المعوزة، ستذهب إلى جيوب المنتفعين الذين يجعلون من كل كارثة فرصة يقنصون فيها المزيد من الأرباح.
Leave a Comment