كتب غسان صليبي
جريدة النهار 17/12/2020
لا يستطيع الاتحاد العمالي العام ان يكمل بخطابه وتركيبته واساليب تحركه، بعد انتفاضة ١٧ تشرين التي لم يشارك فيها. منذ سنة ١٩٩٥ وهو يحمل ازمته ويجرجرها خلفه غير آبه بعجزه عن الدفاع عن مصالح العمال. أزمته في صلب تكوينه: منظمة غير تمثيلية، غير ديموقراطية، تقودها اتحادات تابعة لاحزاب السلطة. هذا عدا مشكلة البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يتحرك في إطارها.
اليوم، لم يعد الاتحاد العمالي في أزمة. اصبح امام حائط مسدود بناه بنفسه، بسبب عدم مشاركته في انتفاضة ١٧ تشرين. هو يقف خلف الحائط، والناس يتحركون والحائط من ورائهم.
لا قدرة للاتحاد العمالي العام على البقاء على قيد الحياة من دون ان يتسلق الحائط الذي بناه، حتى يتسنى له النظر الى مسار الواقع. في ٩ كانون الاول تسلق الاتحاد الحائط واعلن رئيسه الاضراب في ١٦ من الشهر نفسه. ومما جاء في تصريحه: “تنشغل حكومة تصريف الاعمال بالتوجه لاتخاذ خطوات غير شرعية هي من صلاحيات حكومة اصيلة مطلوب تشكيلها فورا. لقد طفح الكيل ولم يعد هناك من متنفس للفقراء وذوي الدخل المحدود وبالتالي لم يعد السكوت جائزا وبات الوقت فعلا كحد السيف إن لم تقتله قتلك. لذلك نعلن رفضنا المطلق لرفع الدعم تحت اي مسمى، وتمسكنا بتأليف حكومة فاعلة فورا قادرة على البدء بالمعالجات، والاضراب هو مقدمة لاوسع موجة إضرابات وإعتصامات وتظاهرات الى حين وضع حد نهائي وحاسم لهذه السياسات المدمرة والقاتلة لاوسع فئات المجتمع.”
قبل يوم من الاضراب، سقط الاتحاد من اعلى الحائط، وعقد مؤتمرا صحافيا في اسفله، اعلن فيه تعليق الاضراب. بعد ان كان قد قال منذ حوالى الاسبوع ان حكومة تصريف الاعمال تنشغل باتخاذ قرارات غير شرعية، صرح رئيسه: “بعد اعلان الاضراب يبدو ان هناك من شعر بالمسؤولية والخطر من انفلات الامور حيث تمت سلسلة مشاورات مع رئيس الحكومة (المستقيل) وعدد من الوزراء المعنيين للبحث تحديدا في موضوع رفع الدعم عن المواد الاساسية وقد طُرحت مجموعة حلول”. وعدّد امورا اتُفق عليها كلامياً.
وبعد ان كان الاتحاد قد قال ايضا ان “الوقت كحد السيف ان لم تقتله قتلك”، وان موجة اضرابات وتظاهرات قادمة، ها هو يترك الوقت يقتله، فينهي مؤتمره الصحافي بالقول: “نعلن عن تعليق الاضراب ومتابعة ملاحقة جميع القضايا مع المراجع المختصة من وزراء معنيين وكتل نيابية ومسؤولين واتخاذ القرارات المناسبة في حينه”.
لا حاجة للشرح ان متابعة الاتحاد العام لتحركه كانت تقتضي الاصطدام بالسلطة، وهذا ما ليس قادرا عليه، لا بقواعده الضعيفة والمتلاشية، ولا بقياداته التابع معظمها لاحزاب السلطة. اما لماذا قرر الاقدام على هذه المخاطرة رغم معرفته بنتيجتها، فبعضهم يروي ان رئيسه اتخذ القرار منفردا، والبعض الآخر يرجّح ان الدفع واللجم اتيا من قوى السلطة، في سياق مماحكاتها السياسية.
في إعتقادي ان السبب الاساسي، الذي اصبح بنيويا، هو انه بعد الانهيار التام في البلد وما تطرحه مجموعات الانتفاضة من مشاريع تغييرية تطال تركيبة السلطة نفسها، لم يعد في امكان الاتحاد ان يطرح ما هو دون مواجهة السلطة من جهة، ولا هو قادر من جهة ثانية على مواجهة هذه الاخيرة، فتراه يتسلق الحائط بين وقت وآخر، ليسقط بعدها محطَّما، محتاجا الى عناية فائقة سياسية.
اللافت ان زيارته الاولى للمسؤولين، وبعد يوم فقط من تعليق الاضراب، كانت لرئيس الجمهورية. قد تكون للزيارة دلالتها من حيث العلاقة بتعليق الاضراب، حيث ان الاتحاد هو عمليا بقيادة فريق معارض للرئيس، اي حركة “امل”، وفريق داعم له، اي “حزب الله”. وكأن الزيارة هي نوع من إعادة الصلحة، بعد ان كان الاضراب يطالب بتأليف حكومة فورا، وهي مطالبة موجهة لمعرقلي تأليف الحكومة، ورئيس الجمهورية واحد من ابرزهم.
لذلك ربما خاطب رئيس الاتحاد رئيس الجمهورية بما يوحي بتجديد الثقة به، معتبرا ان زيارة الاتحاد هي “مناسبة لنقل معاناة الشعب اللبناني” اليه. فإذا بعون يرد له التحية بما يشبه الصفعة، وكمن يقول للاتحاد انه لا يمثل الشعب. “انا اشعر بكل هذه المعاناة واعرفها مباشرة من قبل الشعب”، أجابه عون، وكعادته بكل ثقة.
لا اعتقد أن هناك حاجة بالنسبة إلى القارئ لأذكر ما جاء على لسان الطرفين حول معاناة الشعب.
Leave a Comment