اقتصاد سياسة مجتمع منشورات

الموازنة تضاعف الشلل والإنهيار الاجتماعي

وإلى ضبط العلاقة بين الجباية وانعكاساتها على الدورة الإنتاجية والاستهلاكية والاستثمارية. فقد هدفت الموازنة إلى زيادة الرسوم والضرائب، وإعفاء المتهربين من دفع المتوجب عليهم سواء للدولة أو للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لذا لم يكن غريباً أن يحدث ما حدث من أجل حصر الخسائر أو تقييد الاضرار.

المرجح أن يصل عدد جلسات مجلس الوزراء المخصصة لدراسة موازنة العام 2019 إلى أكثر من عشرين جلسة قبل أن يجري إقرارها من جانب الحكومة، وهو ما يعني أيضاً أن المجلس النيابي بدوره بحاجة إلى قرابة الشهر ونصف لمناقشتها وإقرارها، أي أن إنجاز الموازنة وبدء الصرف على أساسها سيتجاوز شهر تموز المقبل، وعليه، سيستمر الإنفاق على القاعدة الإثني عشرية معظم العام. وإذا تذكرنا أن العمل على إعداد موازنة العام 2020 يُفترض أن يبدأ في شهر حزيران، يمكننا أن نتصور مقدار “التقدم” الذي يتحقق في جانب ضبط المداخيل والإنفاق المالي للدولة اللبنانية ما يشكل مؤشراً مهماً في حسابات الدول والمراكز المالية الدولية والاقليمية المانحة والمقرضة، علماً أن الوزير جبران باسيل باهى ومن على محطة “السي إن إن” اميركا وفرنسا وغيرهما من الدول المتقدمة، وكيف عليها أن تتعلم من لبنان كيف تسيِّر بلداً من دون أن تكون له موازنة معروفة أين تبدأ وأين تنتهي. على أن المهم ليس إنجاز الموازنة، بل ما كانت قد تعهدت به الحكومة من الإنتهاء من قطع الحساب عن العام الفائت مع الموازنة. وهو أمر بالغ الأهمية ويشكك بالالتزام بما ورد في موازنة العام 2019 من حصر للمداخيل والنفقات. ولعل ما تكشفه مناقشات وأرقام لجنة المال والموازنة عن التوظيف بعد العام 2017 هو غيض من فيض الخلل الذي تعيشه دولة المحاصصات على صعيد استعمال الإدارات والمؤسسات العامة قبل موسم الانتخابات. على أي حال يبقى الأهم هو ما تضمنته الموازنة من بنود ضرائبية. علماً أنها لا تتضمن اصلاحاً أو إنقاذاً، ولا يُعول في ذلك على المجلس النيابي باعتبار أن معظم كتله موجودة في الحكومة.

ومنذ أن بدأت تتضح معالم ما تتضمنه الموازنة، بدا جلياً لأي معاين أنها ستقود بوعي أو من دون وعي إلى تعميق الشلل العام والتفاوت الاجتماعي بين مكونات المجتمع اللبناني الذي تعاني طبقته الوسطى من تآكل ما كان قد تحقق لأجورها من إعادة اعتبار لأوضاعها في السنوات السابقة. علماً أن الموازنات في كل الدول مناسبة متاحة لإعادة هندسة الوضع الاجتماعي بما يؤدي إلى التخفيف من الفوارق الطبقية وتصحيح الاختلالات بين الفئات والشرائح والمناطق والقطاعات. ولأن موازنتنا لا تتضمن أي من تلك الأوصاف تفتقد إلى الربط بين الإنفاق ونتائجه على الاقتصاد، وإلى ضبط العلاقة بين الجباية وانعكاساتها على الدورة الإنتاجية والاستهلاكية والاستثمارية. فقد هدفت الموازنة إلى زيادة الرسوم والضرائب، وإعفاء المتهربين من دفع المتوجب عليهم سواء للدولة أو للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لذا لم يكن غريباً أن يحدث ما حدث من أجل حصر الخسائر أو تقييد الاضرار.

ويتبين أن بنود مشروع موازنة 2019، تتضمن فرض رسم بقيمة 2% على الاستيراد على كل البضائع المستوردة ما عدا الأدوية، حتى العام  2022 وإقرا رسم ألف ليرة على كل نفس نرجيلة يقدم في المؤسسات السياحية، ورفع سن التقاعد في السلك العسكري للأفراد والرتباء، للضباط، ولضباط الاختصاص، من 18 إلى 23 عاماً، من 20 إلى 25 عاماً، ومن 15 إلى 18 عاماً على التوالي. ورفع سن التقاعد للموظفين بالقطاع العام من 20 إلى 25 عاماً. وخفض الإجازة السنوية للقطاع العام من 20 إلى 15 يوماً، واقتطاع 3% من الراتب والمعاش التقاعدي للعسكريين. وتحديد الحد الأقصى لتعويضات وملحقات الرواتب بـ 75% من مجموع الرواتب السنوية باستثناء الفنيين في الطيران المدني. وعدم تخطي الراتب الأساسي 20 ضعف الحد الأدنى للأجور، باستثناء العاملين في المصرف المركزي. ووقف التوظيف والتعاقد في المؤسسات والمرافق العامة لمدة 3 سنوات. وتجميد طلبات الإحالة إلى التقاعد لمدة ثلاث سنوات، وإقتطاع 25% من الحقوق التقاعدية. وتقسيط الديون المتوجبة من الدولة لصالح صندوق الضمان الاجتماعي. وفرض رسم يتراوح بين 3و10 آلاف ليرة على كل ليلة إشغال غرفة في الفنادق والشقق المفروشة، وتوسيع شمول الأفراد والشركات في خضوعها للضريبة على القيمة المضافة، بحيث تستوفى هذه الضريبة من كل من تتجاوز أعماله قيمة 50 مليون ليرة خلال أربعة فصول، بدلاً من 500 مليون ليرة، من مطلع العام 2020. و إخضاع المصدرين والمستوردين للضريبة ورفع ضريبة الدخل من 7% إلى 10% لمدة ثلاث سنوات، على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات الدائنة لدى المصارف وضمناً حسابات الإدخار وعائدات وإيردات حسابات الائتمان وفوائد شهادات الإيداع، وسندات الخزينة بالليرة اللبنانية. ورفع بدل كلفة جواز السفر. وعدم جواز الجمع بين المعاش التقاعدي وأي مبلغ مدفوع من المال العام. وفرض رسم سنوي مقداره 200 ألف ليرة على رخص السلاح الفردي، ومثلها على الزجاج الداكن الكامل و100 ألف ليرة على الجزئي. وتحديد سقف بدلات أتعاب القضاة للخدمات التي يقدمونها (استشارات وغيره) بثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور أقصاه. وزيادة رسوم إجازات العمل للفئة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، من مليون إلى 3 ملايين ليرة (حوالى ألفي دولار أميركي)، من مليون إلى مليوني ليرة، من 300 ألف إلى مليون ليرة، من 50 ألف إلى 300 ألف ليرة على التوالي. تستفيد الشركات من تخفيضات الغرامات وزيادات التأخير في اشتراكات الضمان الاجتماعي بنسبة 100% للسنوات السابقة عن العام 2000، و85% للسنوات اللاحقة، على أن تدفعها خلال 6 أشهر من نشر القانون… مع إمكانية التقسيط لمدة 5 سنوات بفائدة 5%، وترتفع إلى 12% في حال التأخر، وتخفض نسبة 85% الغرامات على رسوم البلدية ورسوم الميكانيك وأوامر التحصيل والضرائب والرسوم شرط دفعها خلال 6 أشهر. واستحداث ضريبة دخل على أرباح المهن الصناعية والتجارية وغير التجارية وعلى الرواتب والأجور بنسبة 25% على القسم الخاضع للضريبة الذي يزيد عن 225 مليون ليرة لبنانية (حوالى 150 ألف دولار أميركي). وشمول معاشات التقاعد بضريبة الدخل، وإبقاء الضريبة على شركات الأموال من دون أي تغيير عند 17%.  و… باختصار موازنة لن تحقق سوى المزيد من الشلل والركود الاقتصادي والإفقار العام.

[author title=”المحرر الاقتصادي” image=”http://”]المحرر الاقتصادي[/author]