من الطبيعي أن تنطلق الحركات المطلبية من أجل حماية الحقوق المكتسبة أو رفع المطالب المشروعة والسعي لتحقيقها. وفي حالة البلد الراهنة، فإن التحركات المحدودة التي يتكرر القيام بها أوالدعوة لها على أهميتها المبدئية، ما تزال قاصرة عند حدود الرمزية المطلبية، فالجهات الداعية أوالمنظمة لها، من قوى سياسية وهيئات ديمقراطية، لم تتجاوز في طروحاتها عناوين القضايا التي تستوجب التحرك حولها، والإكتفاء بإطلاق الدعوات لأصحاب الحقوق والمطالب للمشاركة فيها.
لم يخرج الأمر عن التوصيف العام للسياسات المعتمدة من قبل أهل السلطة واستعراض سلبياتها ونتائجها ومخاطرها وتحليل آليات ممارستها وأشكالها وأساليبها ووسائل القيام بها. أما المعالجة فإنها لا تزال محصورة في محاولات تقديم سياسات بديلة والسعي إلى صياغة الإقتراحات حول بعض القضايا المطلوب التصدي لها أو مواجهتها.
وعلى أهمية ذلك، وضرورة العمل على استكمال توليف البرنامج المطلبي وتطويره وتحويله مادة تحريض وسجال مع السلطة وقواها ووسيلة لفضح سياساتها، وتحويله برنامجاً بديلاً للإنقاذ المنشود. لكن المعضلة التي تواجه الداعيين للتحركات، ماذا عن أصحاب المصلحة المباشرة في الإنقاذ بصفتهم المتضررين مما هو قائم وقادم أيضاً. عدا أنهم الكتلة الاجتماعية المعنية بالتغيير والإصلاح وتعديل السياسات وهي الشعارات التي يتكرر تردادها في نصوص الدعوات وعلى ألسنة الناشطين منهم سواء عبر الدعوة للمشاركة أو لبناء الكتلة الاجتماعية. لكن تحقيق هذا الأمر لا يبدو قريب المنال، لأنه يعكس أحد أهم أوجه أزمة غياب الحركة المطلبية بقواها الإجتماعية.
ليس جديداً القول أن الحركات المطلبية، واستجابة الفئات المعنية بها للمشاركة، كما بناء الكتلة الاجتماعية، لا تنشأ وتتحول قوة فاعلة وقادرة، من خلال تكرار المناشدات والمطالبات. فالأمر يستدعي انتقال الجهات الداعية إلى مستويات من العمل ما تزال غائبة، تبدأ من محاولة الإجابة عن سؤال كيف يمكن إعادة بناء الموقع الأجتماعي لقوى التغيير، ليتدرج البحث نحو تحويل الشعارات والعناوين الكبرى إلى سياسات تفصيلية ومهام عمل يومي تشكل مدخلاً لاستعادة الصلة بالمتضررين من الوضع القائم، والذين تسحقهم الأزمات الاجتماعية في أماكن تواجدهم، واستكشاف حقوقهم المهدورة وإعادة تكوين قناعاتهم بجدوى التحرك دفاعاً عنها.
وأصحاب الحقوق هم الكتلة الاجتماعية، التي تضم حشداً من الفئات المتجاورة والمتداخلة، يختلط فيها المناطقي والقطاعي والمديني والريفي، كما تتعدد حقوقها ومطالبها، وتتنوع بين العام والمشترك والخاص والفئوي.
مما يعني أن تزخيم التحركات يتطلب تفريعها والدخول الى القضايا من أبوابها الفعلية وفي أماكنها، بدءاً من الحقوق اليومية والمطالب الصغرى والمباشرة. لا يقلل ذلك من أهمية الشعارات والأهداف العامة، إلا أنها تفقد فاعليتها، إذا لم تحملها قوى قادرة على تحقيق مكاسب ومراكمة إنجازات عبر مسار متدرج. وهذه القوة لا تولد وتنمو إلا عبر ممرات ضيقة وعسيرة، ووفقاً لخطوات صغيرة تعيد بناء الثقة المفقودة مع دعاة التغيير الذي غابوا طويلاً عن قاعدتهم الاجتماعية المفترضة، فخسروا ما كان لهم من رصيد في صفوفها، وهذا لا يستعاد بقرارات أو مراسيم حزبية.
أما الأطر الموروثة التي بنيت بالنضالات الطويلة وبأكلاف عالية، فإنها تستدعي كلاماً آخر
[author title=”المحرر النقابي” image=”http://”]المحرر النقابي[/author]