سياسة منشورات

بقاء البلد أهم من حكامه الاقوياء عليه

ويتصرفون كدمى متحركة حول من أتى بهم من الزعامات الطائفية. أما الخبرة في ممارسة التسلط وإذلال اللبنانيين والاعتداء على حقوقهم، أو الكفاءة في الإعتداء على الدولة وتفكيكها، أو تهميشها واختزالها  إلى دويلات فئوية أو طائفية،

كان مروعاً لبعض اللبنانيين وصادماً لهم، وهم يشاهدون على احدى الشاشات الاعلامية، مشهداً من الحرب الاهلية المقيمة ومسلسلاتها التي تنتجها الطبقة السياسية الحاكمة، مشهد كان أبطاله من جيل الشباب الجامعي يشكل عينة من الأفواج الحزبية الميليشياوية الجديدة، التي تُخرجها مدارس وجامعات احزاب السلطة التي تمتلكها أو تهيمن عليها وتديرها. هذا الجيل الذي يُعد للحروب الطائفية العبثية القادمة، من خلال تدريبه على استخدام أهم مكوِّنات ترسانتها الفكرية والثقافية، التي يُزوّد بها ويتعلمها عبر استحضار شتى ملفات حقوق الطوائف المقدسة ومشاريع الهيمنة والسيطرة التي تبرر وجودها. لم يكن المشهد تمثيلاً مصطنعاً بقدر ما كان واقعاً حياً. ولعل غياب الأسلحة التي تسيل الدماء، لم يمنع حضور أخطرها كي يكون له بعد درامي حقيقي. فسلاحا التخوين والولاء للخارج احتلا المسرح، واستعملا بكفاءة  عالية من المشاركين، الذين تفوقوا بجدارة في امتحان سرعة الاشتباك، ونالوا إعجاب المشرفين على المسرح، مندوبا الطبقة السياسية من ممثلي الأمة وأحزابها الحاكمة اللذين تباريا في استثارة القضايا لإختبار الحضور من مختلف الأطراف، والتأكد من قدرتهم على استحضار الماضي  ومدى إقامته في حاضر عقولهم، وكم هي محصنة بوجه أحلام المستقبل وتحدياته، كي لا تتعطل الأدوار المجيدة التي تنتظرهم بعد أن أُعدوا لها من قبل أحزابهم  التي تحكم البلد.

كما تابع اللبنانيون على امتداد أسابيع وبالتفصيل الممل، فصول التحضير والانعقاد للقمة العربية للتنمية الاقتصادية في بيروت، حيث تبارى أهل الحكم والطبقة السياسية، على تقديم فصل حي من ممارستهم للتسلط على البلد ومؤسساته، وكيفية إدارة شؤونه وقضاياه لغايات لا صلة لها به، ولا تستهدف سوى تأكيد الولاء للخارج الذي لا يراه أكثرهم أهم من البلد فحسب، بل مصدر قوة تحفظ الوجود وتعزز الموقع وتكرس الدور. وبالتالي فإن الصراع على أدوار الوكالة المحلية للخارج أمر يستحق الإنخراط فيه. وهنا أيضاً، لم يكن في الأمر تمثيل بقدر ما كان فصل في  كتاب الواقع المرعب.   

وما جرت الإشارة إليه، ضاعف منسوب الخوف والقلق لدى اللبنانيين، وهم يعانون من مضاعفات جلجلة تشكيل الحكومة التي مضى عليها تسعة أشهر. وإذا كان القلق مرده، ما يعلنه المعنيون بشؤون الحكم، من تحذيرات حول مخاطر الإنهيار، الذي بدأت طلائعه تهدد مصادر عيش الأكثرية، ويثير الهموم لديهم من القادم في ميدان الاقتصاد والنقد. فإن الخوف تتصاعد درجاته مع اشتداد وهج النيران التي يتجدد اندلاعها في الجوار والمحيط، وارتفاع مستوى الخطر من امتدادها إلى داخل البلد. فيما أطراف الداخل تسارع الخطى لإعادة تنظيم الصفوف وتحشيد القوى، وإطلاق التهديدات والبدء بتنفيذ المناورات التجريبية استعداداً لما هو قادم، والذي يرى كل طرف أن نتائجه مقررة لوجوده ودوره. أما البلد وأهله  ومستقبلم فهو شأنهم، ولا صلة له بمن يحكمهم ويقرر عنهم.

 لم يسبق أن بلغ انحطاط الطبقة السياسية الحاكمة والممسكة بزمام السلطة هذا المستوى، الذي تجاوز كل الحدود والخطوط وطال شتى الميادين. حكام ومسؤولون يتقنون تنفيذ سياسات حافة الهاوية، ولا يترددون لحظة في الإنتقال من التهديد بالعنف إلى اللجوء إليه عندما يإتي الإرشاد الخارجي، كما للخضوع للتسويات عندما يحين أوانها. طبقة تتولي المسؤولية بجدارة لقيادة البلد نحو المجهول، زعامات وقادة يعرفون جيداً أن ما يدعونه من انتصارات ليس سوى أوهام. لم يعرف الحكم ومؤسسات الدولة من قبل وفي أصعب الظروف، هذا المستوى من الاستخفاف بعقول اللبنانيين، وهذا الكم من النواب والوزراء فاقدي الأهلية، الذين يتباهون باجترار المواقف بشكل ببغائي، ويتصرفون كدمى متحركة حول من أتى بهم من الزعامات الطائفية. أما الخبرة في ممارسة التسلط وإذلال اللبنانيين والاعتداء على حقوقهم، أوالكفاءة في الإعتداء على الدولة وتفكيكها، أو تهميشها واختزالها  إلى دويلات فئوية أو طائفية، فحدث ولا حرج، يرذلون الطائفية وهم أردأ نماذجها وأكثرها عهراً. لا أحد باستطاعته أن يشكك في خبرات وقدرات من يصنفون أنفسهم أقوياء في الاستقواء على البلد.

 أما تشكيل الحكومة، وتكرار الوعود بشأنها والتغطي بنزاع على وزير من هنا أو وزارة من هناك، فهو للتضليل والتعمية على مابات معروفاً ومعلناً على السنتهم جميعاً، سواء أكان  للهيمنة على الحكم والامعان في ممارسة الفساد، أو لربط البلد بمحاور الخارج المحتربة.

وعليه، وإذا كان أركان الحكم وقواه، أقوياء في التلاعب بالبلد ودفعه نحو المجهول، فإنهم أقوياء على البلد بقوة الخارج. وإذا كان هذا واقع الحال الراهن، فإن انقاذ البلد يستحق الكفاح من أجله، لأن بقاءه أهم من بقاء حكامه وهو هدف لا يقع في باب المستحيلات.

[author title=”كتب المحرر السياسي” image=”http://”]كتب المحرر السياسي[/author]