سياسة صحف وآراء

هل يستحق الدور الصيني هذا الضجيج؟

ساطع نور الدين*

الفرق كبير جدا بين الترحيب بالاتفاق السعودي الايراني باعتباره مؤشراً على مصالحة ثنائية جديدة، تستبعد المواجهة المستمرة، بين البلدين في اليمن وبقية الدول العربية التي زعم الايرانيون السيطرة عليها يوماً.. وبين تصنيف الاتفاق كنقطة تحول استراتيجية في موازين القوى الاقليمية وفي معادلات التنافس الاميركي الصيني المثير وفي مكونات النظام العالمي الجديد..أو توصيفه كبصقة في وجه اسرائيل، التي يجوز طبعا البصق في وجهها ليل نهار، وبلا مناسبة محددة.

حتى في البعد الثنائي، تحتاج قراءة الاتفاق السعودي الايراني الى الكثير من التروي، بل التحفظ، المبني على مراجعة الاتفاقات المشابهة التي جرى توقيعها سابقا بين البلدين بتشجيع اميركي، وعلى مستويات قيادية رفيعة في كل من الرياض وطهران، وبمباركة مذهبية كادت في حينه تعلن تجاوز التسوية التي انتهت اليها معركة صِفّين التاريخية الشهيرة.

صحيح ان حضور الصين العلني هذه المرة يثير اهتماماً خاصاً ، لكنها ليست المرة الاولى التي تشارك فيها بيكين بمثل هذه المهمات الدبلوماسية في الشرق الاوسط، وتحديداً في العراق وسوريا، والتي كانت تؤكد من خلالها إلتزام الصين الحياد إزاء الفتنة المذهبية الكامنة بين ورثة صِفّين، لكنها لا تنفي أبدا انحيازها الى طرف محدد، عراقي وسوري لا لبس فيه..

تركيز الاضواء على الدور الصيني، وكأنه فتحٌ في النظام العالمي، مفهوم طبعا، نظراً لجاذبية كل ما يرد هذه الايام من بلاد المليار و300مليون إنسان. لكن التدقيق بذلك الدور ومحصلته ينم عن أداء دبلوماسي صيني متواضع، إن لم يكن مخيباً: الدولة العظمى التي يُتوقع، وبلا أي أدلة، أن تقود العالم وحدها في النصف الثاني من القرن الحالي، استخدمت وزنها السياسي من خلال مسؤول ثانوي في وزارة الخارجية الصينية، فنجحت في الجمع بين مسؤولين أمنيين صغيرين من الرياض وطهران، ليس لهما أي نفوذ أو تأثير أو توجيه في صنع القرار الايراني او السعودي، وحصلت على توقيع كل منهما على بيان عام هو أقرب ما يكون الى إعلان او إمتحان نوايا مبدئية، حول احترام السيادة وعدم التدخل، والاتفاق على تنظيم لقاء على مستوى وزراء الخارجية، وعلى اعادة فتح السفارات خلال شهرين.

ومن دون إنتهاك لشروط الجدية الضرورية في هذه الحالة، يمكن الذهاب بالنكتة الى حد القول ان الصين، بهذا الاتفاق، تمكنت كما يبدو من ضمان أمن وسلامة موسم الحج المقبل، ليس إلا. وهي لذلك سارعت الى اعلان الاتفاق بين موظفي البلدين، من دون أن تنتظر لقاء الوزيرين فيصل بن فرحان وحسين عبد اللهيان، او حتى الرئيس الايراني وولي العهد السعودي، ومن دون ان تتحقق على الاقل مما إذا كان الاتفاق سيؤدي الى إرساء السلام الهش في اليمن، من خلال سحب السلاح من صنعاء، وازالة الحواجز على طريق تعز، وفتح المطارات والمرافىء، والحوارات السياسية اليمنية المعطلة منذ ثماني سنوات.

حتى الآن تعاملت الرياض وطهران بحذر شديد مع الاتفاق الثنائي الذي لم يعد يستحق حتى الآن الكثير من الصفات التاريخية والاستراتيجية التي ألقيت عليه في بقية العواصم العربية والاجنبية، والتي كانت تستند الى تمنيات أو الى تخوفات، غير واقعية أبداً..كما تعاملت الرياض  وطهران بحذر أشد مع الدور الصيني تحديداً، الذي لم يكن لا في الشكل ولا في المضمون، بمستوى المبادرة الصينية الاخيرة لوقف الحرب الاوكرانية، التي لم تخف النوايا ولا الانحيازات الحقيقية للصين..والتي لم تصمد سوى بضعة أيام، خرجت بعدها من قنوات الدبلوماسية الدولية.

كل ما سبق، لا يعني أبداً التحفظ على ذلك التفاهم السعودي الايراني، الذي ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أهم ما فيه حتى الآن هو أنه بصقة في وجه إسرائيل فعلا، وصفعة لا شك فيها على وجه أميركا. وهما خطوتان مباركتان بكل الظروف والاحوال..حتى ولو تعثر التفاهم الثنائي، بعد موسم الحج المقبل!

*نشرت في المدن الالكترونية يوم الإثنين في 13 /3 /  2023.

Leave a Comment