اقتصاد مجتمع

ندوة منظمة العمل حول “حق السكن وحقوق المستأجرين”: رفض التلويح بالتشريد نتيجة تهرّب السلطة من تحمّل مسؤولياتها

أقامت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني مساء أمس الاربعاء الموافق فيه 25 كانون الثاني 2023 ندوة حوارية في مركزها حول “حق السكن وحقوق المستأجرين”، تحدثت فيها المحامية مايا جعارة ـ المستشارة القانونية للجنة الأهلية للمستأجرين، والباحثة مايا سبع أعين ـ عن مرصد السكن ـ ستوديو أشغال. وقدمها وأدارها عضو المكتب التنفيذي للمنظمة حسين الموسى وحضرها حشد من المهتمين والمستأجرين. أشار الموسى بداية إلى اللحظة السياسية الاخطر التي يجتازها البلد، وسط الفراغ الرئاسي المستدام، وشلل مؤسسات الدولة و قطاعات الخدمات، وانهيار  اقتصادي ومالي ونقدي واجتماعي شامل. ولذلك ليس مفاجئاً أن يحتدم السجال حول حق السكن وحقوق المستأجرين. وأكد إن ملف الايجارات وحق السكن قضية مزمنة لم تجد حلاً لها منذ الاستقلال. فالحكومات المتعاقبة دأبت على الهروب من مسؤولياتها، والاكتفاء بتلزيم السكن للقطاع الخاص، واصدار القوانين المؤقتة التي تنظم العلاقة المتوترة بشكل دائم بين المالك والمستأجر.

وعرض لمسيرة القانون الحالي ووصفه بأنه كان مخالفاً للدستور، ولا يضمن حق السكن وينتهك حقوق المستأجرين. لذلك جوبه بالاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات ما دفع عدداً من النواب للطعن به امام المجلس الدستوري، الذي اصدر قراره بتعطيل العمل به ورده إلى المجلس النيابي ومطالباً بإعادة النظر بعدد من مواده. لكن المجلس النيابي عدّله جزئياً وأعاد  نشره مع نهاية شباط 2017. ما استدعى تجديد الطعن به من قبل رئيس الجمهورية ميشال سليمان ومن قبل عشرة  نواب.

ورغم نفاذ القانون إلا أنه بقي موضع سجال قانوني وقضائي ونقابي واداري حول تاريخ بدء العمل به. وقد صدرت العديد من الاحكام القضائية حول ذلك. لكن الدولة ومؤسساتها لم تلتزم بانشاء صندوق الدعم للمالكين ولم تفعّل اللجان القضائية التي شكلتها. ولذلك استمرت المنازعات بين المالكين والمستأجرين دون انقطاع. وتفاقمت الأزمات وتعددت المشاكل والخلافات وسط تصاعد الضغوط والتهديدات ضد المستأجرين وعائلاتهم وتكاثرت مطالبات المالكين باحتساب البدلات بالدولار الاميركي.

ووصف أوضاع قدامى الملاكين بأنهم في اسوأ الاحوال ويستحقون الانصاف، لكننا نعرف ايضاً أن قدامى المستأجرين هم  الفئة الاكثر هشاشة وتعرضاً للظلم في المجتمع، خاصة العاطلين عن العمل والمتقاعدين وكبار السن وذوي الحاجات الخاصة، وهؤلاء لم يتمكنوا من زيادة مداخليهم، ولا تتوفر لديهم أية بدائل للسكن في ظل غياب خطة إسكانية  باتت من الاحلام.  وهم المعرضون للابتزاز بعقود بالدولار والتهديد بالتشريد، نظراً لعدم وجود أية ضمانات لهم بحق السكن المستدام، وغياب الحماية القانونية لهم مما يتعرضون له.

وختم قائلاً: كنا ولم نزل من دُعاة إقرار قانون للإيجار عادل يضمن حقوق المستأجرين في السكن ويحميهم من التهجير، وفي الوقت عينه يؤمن حقوق المالكين القدامى منهم خصوصاً.

وأعطى الكلمة للمحامية مايا جعارة التي استهلت حديثها بالتوقف عند عودة الحديث عن قانون الايجارات مترافقاً هذه المرة مع الانهيار الشامل، ما يعني عجزالمستأجرين عن تغيير أماكن سكنهم، لا سيما وأن تعليق المهل علق دفع بدلات الايجارات لفترة دون أن يعالج المتراكم منها. ويواكب ذلك المزيد من المشكلات التي تتمثل بطلب “فرش” دولار للبدلات قديمة وجديدة، علما أن معظم الناس تتقاضى أجورها بالليرة اللبنانية. وربطت بين الضائقة السكنية وتفجير المرفأ في العام 2020 وما خلّف وراءه من خسارة مواطنين مستأجرين مأجورهم نتيجة التدمير. وقد سبق وتبع ذلك توقف القضاة واضراب موظفي القطاع العام والمحامين وغيرهم مسبوقاً بوباء كورونا، وما رافقه من اقفال للبلد وشلل، ما قاد إلى تراكم مضاعف لعلاقات المستأجرين بالملاكين ولمعضلة السكن التي لا ترد في اهتمامات السلطة عبر خطة اسكانية التي تنتقل من حكومة إلى أخرى دون أن تتقدم خطوة واحدة.

وحملت جعارة المسؤولية الكبرى للمجلس النيابي الذي يتوجب عليه أن يجد الحلول القانونية للايجارات عموما سواء السكن القديم أو غير السكن (محال تجارية ومصانع ومؤسسات حرفية) أو العقود الحرة المحكومة بقانون صادر في العام 1998. هذا مع العلم أن المجلس الدستوري عند رده قانون الايجارات أكد على ضرورة أخذ الظروف الاجتماعية  القائمة بعين الاعتبار. وهي ظروف أكثر سوءاً ومأساوية اليوم عما كانت عليه قبلاً عندما نظر المجلس للقانون. وتوصلت جعارة إلى أن السكن ليس سلعة كمالية، بل حق لكل انسان وتقع مسؤولية تأمينه على عاتق السلطات الرسمية. وعرضت لإشكالية موعد بدء سريان القانون في العام 2014 أو 2017، التي يحاول البعض استخدامها للتهويل والضغط على المستأجرين وابتزازهم. وتجاهل ما صدر من احكام قضائية تؤكد أن تاريخ نفاذ القانون الحالي هو تاريخ نشره مطلع العام 2017.  علماً أن  بدء العمل به لم يترافق معه  انشاء صندوق مساعدة المالكين، أو تشكيل اللجان المختصة وقيامها بتقدير قيمة المأجور. ثم إن الإشكالية الأهم راهنا هو عجز الدولة عن تحمل مسؤوليتها ودعم الايجارات القديمة من خلال تمويل الصندوق، ثم كيف يمكن أن تحتسب النسبة المئوية لحصة المأجورمن الدخل بالعلاقة بين قيمته والحد الأدنى للأجور، وبالتالي من خلال النسبة المئوية المقبولة لتحقيق الأمن الاجتماعي وعنوانه الأبرز حق السكن. هذا عدا ما يثيره الانهيار الحالي في قيمة العملة الوطنية من اشكاليات جديدة حول تحديد بدلات الايجار واحتساب الزيادات بالعلاقة مع مداخيل المستأجرين وفي ظل غياب اللجان القضائية كمرجعية للبت بها. ومن يحمي المستأجرين في هذه الحالة.

الباحثة  مايا سبع اعين وصفت حق السكن بأنه من الحقوق التي تنص عليها المواثيق الدولية ولبنان دولة موقعة عليها من بين حوالي مائتي دولة. ولكن دون أن يقترن ذلك بسياسة محددة من جانب السلطات تكفل للمواطنين حق الحصول عليه. والفعلي أن موضوع السكن برمته ما يزال قائماً على عاتق المبادرات الفردية، وهو أمر ليس بجديد إذ إنه معتمد منذ أواسط الستينيات وحتى اليوم. وضمن هذا السياق من إعفاء الدولة لنفسها من مسؤولياتها حصرت تدخلها بالقروض الإسكانية دون اعتماد خطط ومشاريع يستطيع من خلالها الشباب خصوصاً الحصول على مساكن تحقق لهم الاستقرار الاجتماعي والعائلي. أكثر من ذلك منذ التسعينيات تخلت الدولة عن واجبها في ضبط  قيمة بدلات الايجارات وتركت الأمر للتفاوض بين المالك والمستأجر، ما قاد إلى حصول فوضى حادة في السوق تداخل فيه مع الجشع قانون العرض والطلب، ما ضاعف معاناة المستأجر وأدى إلى حال من القلق الدائم، الناجم عن التهديد المستمر الذي يتعرض له بإخلاء المأجور، إن لم كل عام فكل ثلاثة أعوام. أدى  هذا الامر إلى أزمات اجتماعية إذ كيف يمكن أن أنشيء علاقات مع محيطي السكني مادمت معرضاً لإبداله بعد هذه المدة القصيرة. وعرضت السبع أعين للارقام التي توصل إلهيا مرصد السكن، وتبين له من خلالها أن 50% من سكان بيروت هم من المستأجرين، وهذه النسبة هي التي نملك قيود أيجاراتها، أما غير المسجلين أو مستأجرين بشكل غير رسمي ودون عقود فلا نعرف بالضبط عددهم . وتوقفت عند الحالات التي تقصد المرصد لاستشارته في المشكلات السكنية التي تتعرض لها، ملاحظة ارتفاع نسب من يتعرضون لطلبات إخلاء وحالات تهديد وضغوط خارج الاطار القانوني. ثم هناك الذين يشكون من ارتفاع بدلات إيجاراتهم بالعلاقة مع دخولهم المنخفضة. وقالت إن آخر ما أثبتناه أنه منذ بداية العام هناك نسبة تتجاوز الـ 15 % تعرضت لإنذارات أو مطالبات أن يدفعوا البدلات بالدولار الاميركي.

بعد المداخلتين عرض عدد من الحضور مشكلاتهم وما يعانون من جراء الإلتباس الناجم عن الوضع القانوني، ومسائل من نوع البدلات المستحقة ورفض قبضها من جانب المالكين، ومصير العقود التي وضعت بالليرة، بينما هناك طلب أن تتحول إلى الدولار الاميركي، وقضية استرداد المأجور للضرورة العائلية أو الهدم، والبدل الذي يجب أن يحصل عليه المستأجر . وشددت العديد من المداخلات على أن قضية السكن وحقوق المستأجرين ترتقي إلى مستوى القضايا الوطنية العامة، ما يستوجب من اللجنة الأهلية تفعيل دورها وتطوير أدائها من أجل تكريس الحقوق الانسانية للمستأجرين وإنصاف المؤجرين القدامى.

Leave a Comment