مجتمع

مدينتي ولعبة الموت 

محمد الشياح

تتشابه الحياة في مدينتي مع لعبة “جي تي أي” التي هي إختصار باللغة الإنجليزية لعنوان السرقة الكبرى. لمن لا يعرف اللعبة هي بالمبدأ لعبة قتل وسرقة. اللاعب فيها يكون السارق والقاتل في آن. وكلما حصد قتلى أكثر، ولم تعتقله الشرطة يحصل على المزيد من الجوائز. كنا نلعبها عندما كنا صغاراً في السن، ولم أعلم أننا سنعيش في اللعبة نفسها عندما كبرنا.

يُقتل أناسٌ في مديتني بسبب أحقية المرور أو لخلاف شخصي أو لأي سبب تافه. ومهما كان السبب، لا يمكن أن يوازي ازهاق روح إنسان آخر. لكن  قواعد اللعبة تقضي بأن يقوم القاتل بقتل الشخص، ثم يذهب وتأتي الشرطة متأخرة، طبعا بعد نشر وتوزيع نقاط أمنية في المحيط على سبيل الاحتياط.  يعلم القاتل أين هي فيتجنبها، ويتلافى المرور عبرها وهو ذاهب ليستريح، فهو يعرف قوانين اللعبة. كما يعرفها أهل المدينة باعتبارهم يشاهدون فيلماً ما فتىء يتكرر امامهم ولم تتعب الشاشة من عرضه.

في مدينتي، ولأننا بشر ولسنا خوارزميات، أصبحنا نعرف تفاصيل اللعبة أكثر. دعوني أسرد لكم تفاصيلها، أولها هو أنّ هذا القاتل ينتمي ظاهراً لعشيرة، ولكن باطنها أنه ينتمي لعصابة. قد تكون عصابة سرقة، وربما مخدرات، أو تجارة بالسلاح. لا يهم، ولكنها عصابة داخل العشيرة نفسها، وكونها عصابة إجرامية، ولهذا النوع من الجرائم مردود مالي كبير. لذلك اصبح لهذه العصابة صعيد إقتصادي متعدد الوظائف، سنسميه إقتصاد المافيات، المستفيدون منه  كثر وهم قاعدته الاجتماعية. ثانيها أنّ عشيرة ذلك القاتل تابعة سياسياً لإحدى التنظيمات الطائفية الكبرى، التي تحتل موقعاً مرموقاً في هرم السلطة والنظام. وطبعا مثل هذا الأمر ليس غريبا، لأن العصابة وأفراد العصابة وراسها هم بحاجة إلى غطاء سياسي. ولولا ذلك الغطاء سيواجهون صعوبة بالغة تحت ضوء الملاحقات الأمنية التي يمكن تعطّل عملهم.

أما وأننا وضعنا الآن حقائق تلك الحالة أو اللعبة، فمن بعد عملية القتل ماذا يحصل؟ اولاً يستمد القاتل غطاءه من اقرب أهله وهم عشيرته. لأن أفراد العصابة هم من أبناء العشيرة. وهذه بدورها تستدعي الغطاء السياسي الذي يمارس التعمية والتحوير واللعب على الكلام في البيانات، ليقول لنا أنهم يفعلون ما في وسعهم لعلاج المشكلة، وان القتل حالة استثنائية في البلدة فلا حاجة للاستنفار، ولا للمطالبة بالأمن. لأن الأمن يفعل ما بوسعه ليس أكثر، ولا يمكننا مواجهة العشيرة، لأنها أقوى منا ومن الدولة، ولربما حتى من الأمم المتحدة. بهكذا كلام سخيف يواجه أهالي المدينة المحتجون من قبل مرجعياتها المنتخبين. ثم تتوالى البيانات من البلديات واصحاب الشأن، تمهيداً للذهاب إلى سياسة تبويس اللحى والذقون، لتغطية التهديدات المبطنة لأهل المقتول، وبعدها تتسلط الضغوط على اصحاب الدم لإسقاط الحق. بعد ذلك يمارس القاضي دوره ويحكم القاتل بأقل مدة ممكنة. إلا أن حكم القاضي يفترض أن تتكرم العشيرة وتسلم القاتل، وإلا لا محكمة ولا قاضٍ ولا حكم، لأن الدولة لا حول لها ولا قوة.  ولأن الدولة مع العصابات والمافيات أماً حنوناً،  فهي معنية باثبات قوتها مع المعترضين والمطالبين بوجودها.

وفي كل مرة تتكرر العملية، وتعلق في الأذهان أن العشيرة والعصابات أقوى، وأن الضحايا لا حول لهم ولا قوة، مصيرهم الموت في هذه اللعبة. فينشأ أطفال هذه المدينة على سردية إتبع عشيرتك، والحق عصابتك، وإقتل من لا يعجبك. هنا البقاء للأقوى. إحمل سلاحك، فالسلاح زينة الرجال، وعندما تقع في مشكل لا تتردد، ففي آخر المطاف لديك غطاء سياسي يتمثل بحزب الطائفة، وغطاء إجتماعي يتمثل بالعشيرة، وغطاء إقتصادي أيضاً، فأنت تابع لأهم العصابات. هكذا يعيش شبابنا وسط لعبة قاتلة، عليهم أن يلعبوها كي يبتغوا حماية العشيرة أو يلتجئوا للاحزاب وينضووا تحت رايتها.

مصيرنا لعبة ومصير كل لعبة ان تنتهي، وأظن أنكم عرفتم وتعرفون باقي التفاصيل.

إنها مدينتي، مدينة الشمس بعلبك.

Leave a Comment