نجوى بركات*
غادر الجنرال ميشال عون يوم أمس مهامَه رئيسا للجمهورية اللبنانية، بعد أن كان قد غادر القصر الرئاسي يوم الأحد بعد الظهر، يواكبه حشدٌ من المنتمين إلى التيّار الوطني احتفل بانتهاء ولايته بالتجمّع وإطلاق الزغاريد، قبل أن يلاقيه جيرانُه بالطبل والزمر احتفاء بعودته إلى ربوعهم، في منطقة الرابية، حيث تسلّم فيللا جديدة قيل إن ثمنها يبلغ ستة ملايين دولار، وإنها تقدمةٌ من حليفه، نائب رئيس مجلس النواب، الوزير إلياس بو صعب. واللبنانيون الذين تنفّسوا في أغلبيتهم الساحقة الصعداءَ إثر انتهاء ولايةٍ كارثية دامت ستّ سنوات وأنزلتهم إلى ما تحت الأرض، كانوا يتفرّجون على مواطنيهم المحتفلين، بعين الناظر إلى مشهدٍ عبثيّ بامتياز، إذ ما عساه يكون داعي الاحتفال بفشل حُكمٍ يعصى فشلُه على التوصيف، وبتفاهة خطابٍ قائمٍ على الوهم والتخييل، أضف إليه حال الاهتراء والتحلّل والخراب التي بَلَغتها البلاد. والحال، أن اللبنانيين لم يشعروا حيال الرجل العجوز الذي يلوك بالكاد كلماته، ويوحي بأنه على شفير التهاوي عند كل خطوة، بأي نوعٍ من الشفقة أو العطف، كتلك التي تنتاب الضحايا عند رؤية جلّاديهم في موقفٍ لا يُحسدون عليه، كما كان منظر القذافي مثلا وهو مضرّج في دمائه، أو صدّام حسين لحظة إعدامه.
قد لا تصحّ المقارنة هنا مع ميشال عون تماما، إلا أن الرجل لم ينطق كلمة اعتذار يوجّهها للّبنانيين عمّا عانوه خلال عهده، بل جعل يتكلّم عن “إنجازاته” وانتقاله “من الحجر إلى البشر”، مهاجما من اعتبرهم مسؤولين وتنبغي محاكمتهم، وهو ما درج عليه العونيون إجمالا، منزّهين أنفسهم عمّا يتّهمون به الآخرين، وفقط الآخرين. فلا مراجعة، ولا نقدا ذاتيا، ولا ذكر لضحايا انفجار دمّر العاصمة، أو لإفقار الشعب اللبناني، فليس لدى الجنرال من يحاسبه، أو يحاكمه، أو ينصحه على الأقل بوجوب اعتماد شيءٍ من الحياء وسط الأهوال التي بلغتها البلاد بعونه. على العكس من ذلك، وعدنا الجنرال أنه سيُكمل المسيرة، وأنه بات قادرا على نقل الجبال، الآن وقد تحرّر أخيرًا من أعباء الحكم (!)، غير عابئٍ بكل ما يعرفه عن ضيق اللبنانيين بعهده، وبخطابه، وتضرّعاتهم أن يتخلّصوا أخيرا منه.
وفي محاولةٍ لاحتساب ما له وما عليه، لن نجد للرئيس الثالث عشر الكثير ممّا يشفع له، هو الذي سبق أن عطّل الحكمَ في البلاد ليجري انتخابه، كما ينوي أن يفعل الآن ليأتي بوريثه الذي، إن أجمع اللبنانيون على شيء، فعلى مقته ورفضه، ثم انقلب وأقام تحالفاتٍ مع أعداء الأمس، فقط خدمة لمصالحه الخاصة، جالبًا أزلامَه وتابعيه إلى كل قطاعات الدولة ليُعمِلوا فيها نهبا وفسادا وصفقات مشبوهة أغنت جيوبهم بالمال العام. كل هذا فيما الخطاب طنّان، وهمي، يرفع شعار التغيير ومحاربة الفساد ويعمل بعكسهما.
نعم، ليس لدى الجنرال من يحاسبه، الآن، لكنّ التاريخ سيفعل لا محالة. وإن لم يكن ممكنا اعتباره المسؤول الوحيد عن كل الآفات التي أصابت البلاد، لكنّ اللبنانيين سوف يذكرونه صاحب أسوأ عهدٍ عرفته الجمهورية اللبنانية على الإطلاق، حيث أوكل أمرُ السلطة إلى من مارسوا الترهيب ولوّحوا باستخدام السلاح، طاول الإفلاسُ العام لبنان أفراداً ودولةً، دُمِّرت العاصمة في ثالث أكبر انفجار عرفه العالم، غرقت البلاد في العتمة، جاعت الناسُ وطالت طوابيرُ الخبز والذلّ، وكثرت زوارقُ الموت وأعداد الهاربين، فيما كان الجنرال وأزلامه يعدّدون ما حقّقوه من بطولات وإنجازات.
أمّا أيامه الأخيرة في الحكم، فقد أمضاها الجنرال يوزّع أوسمة الاستحقاق على من أدّى له الطاعة أو قام بخدمته، لا بخدمة البلاد، فهنيئاً لمن قبل أوسمته العظيمة، وهنيئاً للشعب اللبنانيّ خروجُه أخيراً من البلاط.
*نشرت في العربي الجديد في 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2022
Leave a Comment