اقتصاد

إعادة تشغيل مصفاتي الزهراني وطرابلس مطلب إصلاحي ملح قبل إستخراج النفط

محمد قدوح

تأخر الوقت كثيراً كي يسأل اللبنانيون لماذا لم تبحث السلطة عن حل لإزمة المحروقات المستمرة منذ ثلاث سنوات، والتي تحولت سريعاً الى فوضى عارمة في ظل غياب رقابة الاجهزة المعنية بهذا القطاع، إن لجهة توفر المواد وتسعيرها، أو لجهة النوعية والتلاعب بالعدادات في محطات المحروقات، وذلك بالرغم من إرتدادات هذه الازمة السلبية على حياة اللبنانيين، وعمل الادارات العامة ومختلف أجهزة الدولة والقطاع الخاص، وأيضاً على الاقتصاد والسوق المالية بحثاً عن “الدولار” لدفع قيمة المستوردات النفطية، والتي قدرت في العام 2021 بحوالي 3.8مليار دولار، أي ما يوازي نسبة 27% من القيمة الاجمالية للواردات اللبنانية.

لا شك في أن هذه الأزمة مستمرة برغبة المنظومة الحاكمة وإرادتها قبل الترسيم وبعده، فهي شريك مع كارتيل النفط، ولا يبدو حتى الآن أنها بصدد البحث عن حل لها، رغم أنه متوافر وقابل للتنفيذ، من دون أن تدفع الدولة أي مبلغ مالي، وهو يتمثل بإعادة تشغيل مصفاتي طرابلس والزهراني، وخط العراق ـ طرابلس، فيما لو توافرت الظروف السياسية المسهلة لإعادة ضخ النفط العراقي.

لقد سبق وأن أفشلت هذه المنظومة محاولتين لتشغيل مصفاة الزهراني، الاولى جرت في العام 2006، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم مع شركة النفط القطرية لإعادة تشغيل المصفاة بقدرة تكرير تبلغ 150ألف برميل يومياً. أما الثانية فقد حصلت بعيد تشكيل الحكومة الحالية، حيث تقدمت شركة “بلاك سيرفيس” الروسية بعرض لإعادة تشغيل المصفاة بقدرة تكرير تؤمن حاجة السوق المحلية المقدرة بـ 140ألف برميل وتصدير 100 الف برميل إلى الخارج.

لمحة عن المصفاتين

يعود إنشاء مصفاتي طرابلس والزهراني إلى حوالي 80 عاماً، أنشأتهما دولتا العراق والمملكة العربية السعودية لتصدير النفط عبر البحر المتوسط انطلاقاً من مصبين:

ـ الاول في طرابلس عبر خط انابيب I.P.E الوارد من كركوك ـ العراق، وبدأ العمل في المصفاة عام 1940 بقدرة تكرير تبلغ 21000 برميل يومياً وتملك المصفاة 23 خزاناً، وتوقف الضخ نهائياً عام 1984 بقرار من الجانب السوري، وانتقلت ادارة المصفاة إلى الدولة اللبنانية في العام 1973.

ـ الثاني في الزهراني عبر خط انابيب التابلاين الواردة من المملكة العربية السعودية، حيث بدأ العمل في المصفاة بقدرة تكرير تبلغ 17500 برميل يومياً وأنشأت الشركة فيها 24 خزاناً، لكن توقف ضخ البترول السعودي عبر  خط انابيب التابلاين عام 1976 بعد إحتلال اسرائيل لهضبة الجولان السورية، حيث يمر هذا الانبوب، وقد توقف العمل نهائياً بالخط عام 1989.

بعد توقف ضخ النفط عبر الانابيب جرى استجرار النفط بالبحر عبر ناقلات النفط، استعملت خزانات المصفاتين لتخزين المشتقات النفطية المستوردة من قبل الدولة حتى العام 1992، حيث تخلت حينها الدولة عن الاستيراد لصالح كارتيل النفط وشركائه داخل السلطة.

وإستناداً الى الدراسات التي أجرتها جامعة الكسليك في التسعينيات وكل من شركة النفط القطرية وشركة النفط الروسية، تقدر كلفة إعادة تشغيل هاتين المصفاتين بما كلفته بين 3و4 مليار دولار، كما قدرت المدة الزمنية للتنفيذ بما يتراوح بين 18 و24 شهراً، وبقدرة تكرير تصل إلى 300 الف برميل يومياً.

ويذكر في هذا الاطار أن العديد من الشركات العالمية مهتمة بالاستثمار في هاتين المصفاتين، وهي مستعدة لدفع كامل كلفة إعادة التشغيل والتطوير.

عوائد تشغيل المصفاتين

يمكن أن يحصل لبنان على عوائد كثيرة من إعادة تشغيل مصفاتي الزهراني وطرابلس أهمها:

1ـ تخفيف الضغط على الليرة اللبنانية في السوق المالية بما يعادل نسبة الثلث، حيث تنخفض كمية الدولار التي يتم شراؤها من السوق بما يقدر بحوالي 4 مليار دولار سنوياً.

2ـ تأمين دخل مالي ثابت للدولة من الشركات المشغلة كبدل استثمار، وهو دخل بالعملة الصعبة.

3ـ تأمين فرص عمل لأكثر من 5000 شخص من  الفنيين والتقنيين، وانعاش المناطق المحيطة بالمصفاتين.

4ـ الحصول على المشتقات النفطية بأسعار تكاد تقارب سعر الكلفة، وتأمين الاستقرار في هذا السوق، وبما ينعكس ايجاباً على حياة المواطنين والاقتصاد، بما يؤدي إلى تراجع اسعار جميع السلع المستوردة والمنتجة محلياً بما فيه مواد الاستهلاك الحياتية اليومية.

5ـ تخفيف عجز الميزان التجاري، بما يوازي قيمة المستوردات النفطية، وبدل الاستثمار الذي تحصل عليه الدولة اللبنانية.

6ـ وهو الأهم، يعتبر إعادة تشغيل المصفاتين كجزء اساسي من التحضيرات اللازمة لاستخراج النفط والغاز، الذي من المفترض أنه بات قريب الامكان، وبات تحقيقه مسألة وقت ليس إلاّ.

ويبقى السؤال المطروح هو: هل تستدرك المنظومة الحاكمة وتعمل من اجل اعادة تشغيل مصفاتي الزهراني وطرابلس، وتكتفي بما حققته مع شركائها من ارباح على حساب حياة اللبنانيين؟

بالطبع، لا يمكن الوثوق بهذه المنظومة السياسية وشراكاتها مع محتكري عملية الاستيراد والتوزيع، لذلك فالمطلوب من قوى المعارضة ومعها نواب قوى التغيير العمل معاً لدفع السلطة للإستدراك وممارسة الضغط السياسي والشعبي في الشارع من أجل تنفيذ هذا الحل.

Leave a Comment