صحف وآراء مجتمع

كي تبقى انتفاضة ١٧ تشريع مدخلاً للتغيير

محسن زين الدين

منذ انتفاضة ١٧ تشرين، وطرفي المواجهة  قوى السلطة وقوى الانتفاضة، يعيش ازمته.

قوى السلطة تواجه ازمة الانقسام على نفسها، وتتجلى ازمتها في فشلها في الاتفاق او التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، حيث لا قدرة لاي من فريقي السلطة المتنافسين على اقتناص فرصة الانتخابات الرئاسية، للحصول على موقع يفوق قوة موقع الفريق الاخر، ولو بالشكل اذا ما اخذنا بعين النظر صلاحيات الرئيس العتيد، حسب ما نصت عليه وثيقة اتفاق الطائف. والتي باتت اشبه بالصلاحيات الفخرية، والتي تعتمد على العرقلة اكثر منها اعتمادا على التقرير. واذ نرى ان جلسات انتخاب الرئيس التي تعدت العشرة جلسات ماضية في تسجيل ارقام تتعدى عشرة اخرى ، بانتظار اتفاق اقليمي دولي قوامه، اميركي سعودي من ناحية وايراني من ناحية اخرى، لتسهيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية ، يبلغ كل من هذين الطرفين، اتباعه في الداخل اللبناني، ان الامر قد حسم وتم الاتفاق على ان تنتخبوا، ذلك المحظوظ لموقع رئاسة الجمهورية .

قد يطول الكلام عن موبقات قوى السلطة، عن ادارتها السيئة للبلاد، عن فسادها، وسمسراتها، عن صفقاتها المريبة، عن هدرها للمال العام، وعن تهريبها للاموال وتهربها من دفع الضرائب، عن تآمرها مع ما يسمى قوى المال في سرقة اموال المودعين، باختصار لم يتركوا من موبقات السوء واحدة لم يرتكبوها بحق الوطن والمواطن .

على أنه منذ انتفاضة ١٧ تشرين، والتحركات الشعبية تتوالى بين مد وجزر، غضبا واعتراضا من وعلى أداء السلطة وادارتها للبلاد وشؤون المواطنين، في كل مجالات الحياة دون استثناء.

ولنكن اكثر صراحة، لم تستطع الانتفاضة ولا بناتها اواخواتها من حركات وتحركات على  الأرض، وفي الشوارع وأمام المؤسسات العامة، وأمام المصارف، وحتى أمام منازل بعض المسؤولين وحصار البعض الاخر، إلى حد التعرض لبعضهم وطرد البعض الاخر من إماكن عامة، وحتى اللجوء إلى بعض الشغب العنيف احيانا، مع كل هذا لم تستطع قوى الانتفاضة في المدن والضواحي والاطراف، ان تحقق تقدما ملموسا، أو ان تفرض تصحيحا في سلوك الممسكين  بزمام السلطة، لجهة تغيير إيجابي في إدارتها لشؤون البلاد والناس .

لكنه رغم ما تقدم، حول عدم تحقيق تقدم في هز جدار قوى السلطة، أو فتح ثغرة او كوة فيه للولوج الى تغيير ما في ادائها لادارة شؤون البلاد والمواطنين.

رغم ذلك نستطيع القول، ان الانتفاضة كما اضاءت على قضايا ومطالب وحقوق الشعب اللبناني، كذلك استطاعت ان تفرض وتثبت مجموعة من الخطوات الامور والمواقف وحتى الكلام، كانت محرمة فيما مضى تحذيرا وقمعاً وارهابا من قبل السلطة مجتمعة وقواها منفردة.

وهذه الامور تعتبر انجازات للانتفاضة ولو بالشكل. ومنها:

اولاً، فرضت الانتفاضة على قوى السلطة، اشكالاً من الاحتجاجات، من التجمع، الى الحشد، الى اقامة الندوات في الساحات، الى الاعتصامات والتظاهرات في المناطق، والتظاهرات العامة، دون الحاجة الى اذن من السلطة او اي من مؤسساتها، وهذا ما نسميه شعبيا، ووطنياً، حرية التعبير، فرضتها الانتفاضة بقوة الحشود الشعبية المركزية او المناطقية، حرية التعبير هذه مستمرة حتى اللحظة.

ثانياً، استطاعت الانتفاضة ان تجمع كل شرائح الشعب اللبناني حول مطالبته بحقه في الحرية والمساواة والعيش الكريم، وهنا نستطيع القول، ان الانتفاضة بما رفعته من شعارات ومطالب تمس حياة المواطنين جميعاً، استطاعت ان تستقطب جزءاً كبيرا من جمهور قوى السلطة، واحزابها، وبالتحديد تلك الاحزاب الطائفية، حيث ان جمهور “الطوائف”  ينظر الى الانتفاضة بعين التعاطف حتى حد المشاركة في تجمعاتها، كما ان الانتفاضة، استطاعت ان “تجر” بعض الاحزاب التقليدية الطائفية لميدانها وساحاتها، واكثر من ذلك، تبنت هذا الاحزاب الطائفية، الشعار الذي رفعته الانتفاضة، ” كان يعني كلن ”

ثالثاً، استطاعت الانتفاضة ان تساهم في خلق وايجاد ما يمكن ان نسميه المعارضة “الرسمية ” لقوى السلطة الرسمية، بمعنى ظهور اعتراض معارض من داخل السلطة للسلطة نفسها، وهذه المعارضة، كانت فيما سبق تشارك السلطة نهجاً بالشكل والمضمون، وعليه لا يغيب عن بالنا ان هؤلاء المعارضون الجدد، دفعهم للالتحاق بالانتفاضة ومحاولة تريسها، اختلافهم وخلافهم مع بقية اقرانهم من قوى السلطة، كما انه ايضاً لا يغيب عن بالنا وذاكرتنا، ما لهؤلاء من ماضٍ، غير وطني ان لم نقل غير مشرف.

رابعاً، استطاعت الانتفاضة ان تعيد حقيقة الصراع القائم بينها وبين قوى السلطة، الى تكتلين لكل مصالحه، تكتل شرائح الشعب اللبناني المعبر عن مصلحته في الحرية والمساواة والعدالة والعيش الكريم، وتكتل قوى السلطة “كلن” المتمسك بمصالحه الخاصة وبسوء ادارته وفساده ومحاصصته وتقاسمه لثروات الوطن ومالية الدولة، والاكثر من ذلك المهيمن على كل مفاصل الدولة تحاصصاً.

ظهر جلياً هذا الانقسام، وكل انحاز الى الجهة التي تمثله، المواطنون الى الانتفاضة بما تمثل من فئات شعبية ووسطى، وانحياز اهل السلطة وازلامها والمنتفعين منها، الى تكتل الفساد الاكثر سوءاً، منذ وجود الكيان حتى اللحظة ايضا.

خامساً، استطاعت الانتفاضة، ان تحرر جسم القضاء، الى حد كبير من قيود الارتهان لسياسة قوى السلطة، وهذا تجلى بشكل خاص عند القضاة الشباب، والذين ينظرون الى وظيفتهم كقضاة، باعتبارها، ملاذ المظلومين من ناحية، وباعتبارهم قضاة يصدرون احكامهم باسم الشعب اللبناني، الذي رأوه، وشاهدوا بام العين انتفاضته على الظلم، والفساد وسرقة ماله العام ونهب مدخراته.

وما الازمة التي ظهرت اخيراً والمستندة الى قضية التحقيق في انفجار المرفأ الكارثة، وما اودى بضحايا بشر ودمار حجر، في القضاء، وبين جهتين منه، في اعلى الهرم القضائي، الا دليل على ان الانتفاضة، دمغت ببصمتها، محاولة التغيير في مجرى القضاء، لصالح القضاء نفسه من ناحية، و تحكيماً عادلاً لصالح الناس من ناحية ثانية.

سادساً، فرضت الانتفاضة على قوى السلطة، نوعاً من المواجهة، لم تعهده قوى السلطة هذه سابقاً، حيث انه بات القمع والملاحقات وكم الافواه وحجز الحريات وتعسف التوقيفات، اقل انكشافاً، من ما قبل الانتفاضة، واكثر سرعة في البت بها، وحتى اقفال ملفاتها وترك “المتهمين، او المدعى عليهم” بسبب التجمعات والاعتراضات، وذلك تداركاً من قوى السلطة نفسها، من ان تتوسع الاعتراضات وتكبر، مما يمكن ان يؤدي الى مواجهات لا تحمد عقباها عليهم .

سابعاً، في مواجهتها للسلطة وقواها، اعلنت الانتفاضة انها تواجه، السلطة بقواها السياسية وجناحيها النقدي المالي، المتمثل في المصرف المركزي وجمعية المصارف، ذلك ان السلطة السياسية هي رأس الهرم في التشريع “مجلس النواب” وفي التنفيذ “مجلس الوزراء” وان المصرف المركزي رأس السلطة النقدية، تؤازره جمعية المصارف، وهنا لا بد من الاشارة بوضوح نأمل ان يكون بسيطاً، ان الرابط بين طرفي السلطة السياسية والمالية، هو قانون النقد والتسليف، وهو الذي يحدد العلاقة بين الطرفين، وباشراف وزارة المالية، وعلى هذا ترضخ السلطة المالية، في نهاية المطاف للسلطة السياسية، رغم استقلاليته، بموجب القانون المذكور، هذا يعني ان السلطة المالية ترضخ في النهاية، لقرار السلطة السياسية، اذا اصرت هذه على ما تريده، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى ان قانون النقد والتسليف، مر عليه اكثر من نصف قرن، ولم ينظر فيه من قبل السلطة السياسية، لجهة تعديله وتجديده، حتى يواكب تطورات الدول المتقدمة، في ادارتها لشؤونها النقدية والمالية .

ورغم ان الانتفاضة، اعلنت مواجهتها للسلطتين السياسية والمالية معاً، الا انها انحازت، وباشكال من الاعتراض والمواجهة، شابها بعض اعمال العنف، ضد السلطة المالية، وهو ما اثلج صدر السلطة السياسية، حيث رأت “انحراف” الانتفاضة عن مواجهتها وتصعيد المواجهة مع ربيبتها السلطة المالية، وهو بالمناسبة لن يؤدي الى حل فعلي في المدى المنظور، لمشكلة مدخرات المودعين في المصارف. وفي هذا المجال ايضاً، نقول ان السلطة السياسية، استقالت من مهامها في الشأن المالي، حيث انها لم تتخذ الاجراءات التشريعية، او المراسيم الحكومية، التي ترعى وتضبط العلاقة بين السلطة المالي وجمعية المصارف من ناحية ومجموع المودعين “على اختلاف انواعهم ، افراد او شركات وغيرهم” وذلك كما قامت به السلطات السياسية في بلدان مجاورة مرت بازمات مالية، من مثل اليونان، وقبرص وغيرها، اذ استطاعت ان تتجاوز ازماتها بسبب ضبطها ورعايتها للعلاقة بين مجموع المودعين والمصارف المركزية والخاصة، وهذا ما استنكفت عنه السلطة السياسية في لبنان، بل تجاهلته، وتركت كعادتها، مواطنين يواجهون مواطنين اخرين، بغض النظر عن مستوى الطبقات.

ثامناً، انتجت الانتفاضة، بعضاً من قوى تغييرية حقيقية، لديها رؤية واضحة، دون ان تدغدغها احلام السلطة، أو مسؤوليات أو مواقع رسمية، لا بل بادرت الى الانخراط في تحركات الانتفاضة ومواكبتها، ومحاولات التواصل مع جهاتها، وحركاتها، تحاول ولا تزال الوصول الى تشبيك بين كافة قوى الانتفاضة المؤثرة، لصياغة برنامج الحد الادنى لتحركاتهم، وايجاد الاطر المشتركة التي تسمح بالتواصل السريع والمنتج على مستوى المواجهة العامة او المناطقية، بما يسمح للانتقال من طور البيانات والكلام، الى الفعل بفعل رؤية واضحة للبرنامج والتحركات، وبعض هذه الاطراف كان سباقاً، في اعادة النظر بخطه ورؤاه السياسية، حمل اكثر من تعديل، الى حد التجديد .

تاسعاً، خاضت بعض قوى الانتفاضة، الانتخابات النيابية التي جرت عام ٢٠٢٢. ونجح فعل الانتفاضة، وتأثيرها العام، وما طرحته من شعارات ومطالب، في ايصال عدد من وجوهها، الى المجلس النيابي، بلغ عددهم 13 نائباً، هم ما يسمى “نواب التغيير” لكن لا بد من الملاحظة استطرادا هنا، ان النجاح في ايصال هذا العدد من نواب التغيير، قد حصل بفعل ما قلنا، تأثير الانتفاضة، ومن ناحية ثانية، بفعل استنكاف احد اطراف قوى السلطة عن خوض الانتخابات النيابية، وعنينا بهذا الطرف، تيار المستقبل، حيث انه بخطوة الاستنكاف هذه، توزع جمهوره الذي يؤيد الكثير من مطالب الانتفاضة، في الاقتراع الى جهات عدة، من بينها، الاقتراع لنواب التغيير، ان نجاح بعض الوجوه في الوصول الى المجلس النيابي، اعطى دفعاً معنوياً، لكل من احتوتهم ساحات الانتفاضة، بان امكان اجراء تغيير في تركيبة السلطة وادائها، هو امر ممكن وليس مستحيلاً .

وكي تبقى انتفاضة ١٧ تشرين مدخلاً للتغيير، لا بأس ان نبدي ملاحظات على مسار الانتفاضة، بعد ان عددنا تقييما،  ايجابيات فعل الانتفاضة.

اولاً، ان الانتفاضة ما بعد الزخم، تراوح مكانها، لا بل تتراجع مواجهة وحركة، كما وان قواها ووجوهها، لا تزال في حالة من التفكك، والانفراد ان على الصعيد العام او على صعيد المناطق، وقد اظهرت فترة الانتخابات النيابية، ذلك بوضوح، حيث قد فاق عدد المرشحين، “المنتمين” الى الانتفاضة، عدد مرشحي، قوى السلطة، ولم يكن هناك من رابط يربط بين مرشحي التغيير، ان على صعيد الرؤيا، او على صعيد التعاون، اذ كان الهم كل مرشحي التغيير، الوصول وفقط الوصول الى المجلس النيابي، وهذا ايضاً ما دلت عليه وجود اكثر من لائحة لمرشحي التغيير في محافظة واحدة.

ثانياً، ارست “قوى الانتفاضة” شعاراً خاطئاً، رفعته، ان لا للعمل الحزبي وكأن العمل والنضال الحزبي من السوء بمكان يجب الابتعاد عنه والتنصل منه، وهو قد يكون ردة فعل على عمل الاحزاب التقليدية والمرتبطة بقوى السلطة، لكنا ندرك جميعا، ان التغيير المطلوب، هو تغيير سياسي لنظام لبنان القائم، فكيف يمكن لحركات غير سياسية ان تخوض غمار التغيير السياسي، في الوقت الذي كان ولا يزال، المناداة بعمل سياسي شعبي من نمط جديد تنظيماً، وبرنامجاً، وبمضمون مجتمعي، تمثيلاً لاغلب شرائح المجتمع اللبناني.

ثالثاً، طغت، المطالب الفئوية “وهي محقة” على المطالب العام، وبالتالي، انسحبت الانتفاضة، بقواها الى العمل الفئوي والمناطقي، واخلت ساحات التجمع العام والمطلب الرئيس، نحو حركة عامة فاعلة من اجل التغيير السياسي العام .

ان الانتقال من التحرك العام الى تحركات متفرقة وبمطالب فئوية، هو ما سمح لقوى السلطة ان تواجه هذه التحركات، كل على حدة، وان تستجيب لبعضها بالحد الادنى من المطالب من ناحية، ومن ناحية اخرى تواجه بعضها، بقمع لطيف لا يشوبه عنف شديد.

رابعاً، استطاعت قوى السلطة، ان تنقل المواجهة معها، من مواجهة عامة بدأت في ١٧ تشرين، الى مواجهة بين تحركات فئوية محدودة، ضد فئات لا حول لها ولا قوة، المودعون ضد المصارف وموظفيها بينما يجب ان تكون ضد السياسة المالية العامة ممثلة بالحكومة ووزارة المال، اهالي ضحايا المرفأ، ضد الجسم القضائي بينما يجب ان تكون ضد الحكومة ووزارة العدل، المستأجرون القدامى ضد المالكين القدامى بينما يجب ان تكون ضد مجلس النواب باقرار قانون عادل بحق الطرفين، المعلمون ضد الاهالي والطلاب بينما يجب ان يكون ضد الحكومة ووزارة التربية، المواطنون ضد اصحاب المولدات، بينما يجب ان تكون ضد الحكومة ووزارة الطاقة، وقس على ذلك، وهذا ما لم تتنبه له قوى الانتفاضة، بل غرق الجزء الاكبر منها في مواجهات لا طائل منها .

خامساً، بات نواب “التغيير” داخل المجلس النيابي، لكنهم انسحبوا طوعاً، من ساحة الانتفاضة والتحركات الشعبية، ولم يعد في اولويات اهتمامهم، العودة الى نبض الانتفاضة، كما وانهم لا يفكرون، في اعادة انعاش الحراك الشعبي. ليشكل ظهيراً لهم، يتكئون عليه عند طرح قضايا الناس في مجلس النواب.

وقد بدا ارتباكهم وتلكؤهم واضحاً، في مناسبتين، كانتا، فرصتين لاسترجاع نبض الانتفاضة الشعبية، بزخم، وقيادتها، وصوغ برنامج الحد الادنى، لحراكها وتحركاتها.

هذا الى جانب ان نواب التغيير، لم يستطيعوا هم انفسهم ان يتوافقوا على برنامج عمل لهم في مجلس النواب، كما لم يستطيعوا ان يشكلوا كتلة نيابية، كانت ستكون كتلة وازنة وفاعلة.

على ان المناسبتين الفرصتين اللتين لم يستفد منهما نواب التغيير، تتمثلان،  في قضية الترسيم التي اتمتها ووقعت اتفاقها السلطة، جل ما قام به نواب التغيير، الدعوة الى وقفة في الناقورة  ضد اتفاق الترسيم، لكننا نعتقد انه كان عليهم ان يدعو الى تظاهرة عامة مركزية تنطلق من كل المناطق الى ساحات الانتفاضة تعبيرا عن الرفض لاتفاق الترسيم، وباعتقادنا ان دعوة من هذا النوع كان يمكن ان يتجاوب معها جمهور الانتفاضة، وان يلبي دعوة التظاهر اعتراضاً وغضباً، وبذلك يكونوا قد ساهموا في اعادة النبض للانتفاضة، وعودة الحركة الشعبية المعارضة الى الحياة السياسية، لكنهم اكتفوا ببيان يتيم ووقفة هزيلة ، ضاعت بينهما فرصة اعادة النشاط والحركة لانتفاضة وجمهورها.

والمناسبة الثانية، قضية انتخاب رئيس للجمهورية، والتي لا تزال تجرجر حتى اللحظة، بفضل معرقليها، لفرض مرشح من لون واحد  حيث ان جل ما قام به نواب التغيير، هو بيان يتيم، تحدث عن مواصفات الرئيس كيفية انتخابه، لكنهم لم يعلنوا حتى الان مرشحاً لهم، وهذا لانهم لم يتوافقوا على مرشح. رغم بيانهم المذكور، ورغم ان بعضاً منهم، استدرك، وارتأى ان يعتصم في مجلس النواب حتى يتم انتخاب رئيس للجمهورية، لكن هذا الاعتصام، كمن يلحس المبرد، فلا مرشح لهم من ناحية، ولا هم تكتل متماسك من ناحية اخرى، وخروج البعض منهم من المجموع، كل ذلك ادى الى تخبطهم من ناحية، والى ضعف حركتهم وقلة وزنهم من ناحية ثانية.

رغم كل هذا، نود القول ان نواب التغيير، قد دخلوا مغارة المجلس النيابي، دون تجربة سياسية سابقة، اذ جلهم ذوو انتماء لما يسمى هيئات مجتمع مدني، أو عمل رعوي شبه خيري، وتنقصهم الخبرة السياسية من ناحية، في مواجهه قوى سياسية لها باع طويل في السياسة، تتخاصم فيما بينها على المحاصصة، لكنها تتوافق وتتكتل في مواجهة رياح التغيير، وما حصل من محاولات احتواء للانتفاضة من جهات عدة، واعتداءات وقمع لجمهور الانتفاضة من جهات اخرى، لهو دليل على ان قوى السلطة جميعاً تقف صفاً متراصاً في مواجهة حركة التغيير ..

وكي تبقى انتفاضة ١٧ تشرين مدخلاً للتغيير، نستطيع القول ان ذلك ممكن،لان المعارضة الشعبية التي انكفأت كحراك عام، بات لها موقعين، موقع رسمي بما يمثله نواب التغيير، من حاجة الان لرفع صوت الانتفاضة داخل مجلس النواب، وموقع شعبي في الشارع يمكن ان يستعيد نبضه مجدداً، اذا ما تكامل دور الموقعين، واستند واحدهما للاخر، فالحركة الشعبية، من المفترض انعقد بات لها صوت شرعي داخل مجلس النواب، عليه ان يكون واضحاً وعالياً في طرح مطالب الانتفاضة والدفاع عنها، وبالمقابل بات لنواب التغيير، صوت شعبي عال وظهير قوي لنواب التغيير في مواجهتهم لقوى السلطة في مجلس النواب والحكومة ايضاً.

ان استناد كل من الانتفاضة، “ونوابها” لبعضهما لا بد وان يشكل خطوة متقدمة لمسيرة التغيير التي يتطلع اليها الناس كل الناس. وهذا يكتمل ايضا، في ان تبادر قوى وحركات وتجمعات الانتفاضة ونواب التغيير، الى لقاء حوار ديمقراطي ذلك مفتوح، حتى يصل الى صوغ برنامج الحد الادنى  فيما بينهم جميعاً، واضح وجريء، تتوخاه المعارضة الشعبية والرسمية طريقاً للتغيير.

ان بعض قوى الانتفاضة، بادر ويبادر الى التواصل مع القوى الاخرى، بهدف التشبيك فيما بينها، لتأسيس معارضة شعبية متماسكة.

فهل نرى في القادم من الايام هذا اللقاء .

بيروت 27 شباط 2023

Leave a Comment