اقتصاد

كل الطرق تقود اللبنانيين إلى “جهنم” الفاقة والجوع

انتهى إلى محاولة تجريع دخول اللبنانيين إلى “جهنم” على مراحل ، تبدأ من خفض نسبة الدعم إلى 70 بالمئة وتدريجاً قبل وقفه كاملاً ورفع سعر صرف الدولار لدى المصرف المركزي. الرئيس القوي ميشال عون في خطابه لمناسبة 75 عاماً على تأسيس الأمم المتحدة ،

بعد حديث الرئيس ميشال عون الشهير واعتذار الرئيس المكلف بات القول الشائع هو  “إن كل الطرق تقود اللبنانيين في هذا العهد الميمون إلى جهنم” حريقاً أو غريقاً. وجهنم هذه طريقها صراع المحاصصات السياسية المحتدم بقيادة الثنائي الشيعي، بينما البلاد في مهب عاصفة كبرى يعاد فيها رسم خرائط المنطقة بقرار من جرافة “العم سام” وبمشاركة ومباركة العديد من الأنظمة العربية على أن تحتفظ اسرائيل لنفسها بحق الوكيل الحصري الذي يتولى تسيير الأمور وتحشيد الجبهة في مواجهة إيران واختراقاتها للمنطقة والطامحة لإبقاء هيمنتها على عواصم عربية أربعة. لكن الوقائع الأكثر مأساوية هي التي تبرز على جبهة الوضعين الاقتصادي والاجتماعي والتي تطال أكثرية اللبنانيين في حاضرهم وما هو مقبل عليهم من أيام “جهنمية” آتية لا محالة ضمن الأداء الذي تمارسه السلطة بمعظم أطيافها، الذي لا تحيد عنه ما دامت مصالح محاصصاتها الطائفية في حرز حريز.

واللافت أن استقالة حكومة دياب التي لم تتقدم بالملف الاقتصادي والمالي ولو خطوة واحدة، وأخلت الساحة لسواها علّها أن تأتي وتبدأ من الصفر، قد عجزت عن إدارة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وراوحت الاجتماعات التمهيدية في مكانها طوال 18 اجتماعاً. فقد تبين وفق زعم رئيسها إنجاز 97% مما وعد به خلال مائة يوم، أن مشروع الإصلاح المالي الذي حملته تناوشته رماح الطبقة السياسية والمالية التي لا يمكن لها أن توافق على الحد الأدنى من الإصلاحات في المجالات المطلوبة بما يقي البلاد من السقوط. وعليه لم تنفع مناشدات المسؤولين الدوليين لهؤلاء في أن يساعدوا أنفسهم كي يساعدهم العالم والمنظمات الدولية. إذ تعتقد الطبقة السياسية الممسكة برقاب الناس أنها قادرة على الإستمرار في السياسة نفسها التي قادت إلى الكارثة، أي أن تستحصل على ديون جديدة تقوم بنهبها ومن ثم تحويلها إلى الخارج. وعندما تندلع النيران في البيت تستدين مجدداً، وهكذا دواليك. ولكن الوقائع الاقتصادية والأرقام عنيدة خصوصاً متى ارتبطت بانفجار المرفأ في 4 آب وحريقه اللاحق في العاشر من ايلول، وانفجار عين قانا ودلالات وضع لبنان في فرن التسخين الإقليمي الملتهب. كل البرامج المعروضة على صفحات مؤسسات وشركات الإستثمار ومشاريعها على صعيد المنطقة والتي تتحدث عن وراثة دور مرفأ بيروت ولبنان لصالح اسرائيل ومرفأي حيفا وأشدود وربطهما بخطوط سكك حديدية وطرقات سريعة مع دول الخليج العربي وخطوط نقل النفط والغاز من شرقي المتوسط إلى أوروبا وغيرها.. كلها لم تقنع الطبقة السياسية أن على لبنان أن يبحث له عن دور اقتصادي متجدد على صعيد المنطقة العربية، وهو ما يتطلب كخطوة أولى حياة سياسية وإدارة ومؤسسات وبنية قانونية مستقرة بما فيها قضاء مستقل عن الهيمنات الميليشياوية.. كل المطالب الإصلاحية التي رفعتها الإنتفاضة اللبنانية لم تمر على مسامع المسؤولين الذين تابعوا سيرتهم، وكأن شيئاً لم يكن، بينما البلاد تندفع سريعاً نحو المزيد من الخراب الاقتصادي والنقدي والمعيشي الذي يكاد يطيح بقدرات أكثر من ثلاثة أرباع المواطنين من السكان، فضلاً عن المقيمين من لاجئين فلسطينيين وسوريين وعمال أجانب.

و”جهنم ” التي وعدنا بها سيد العهد الرئيس القوي باتت واقعاً، والمواطنين يخوضون في لظى نارها المحرقة. ففي المعطيات أن المصرف المركزي بات عاجزاً عن الوعد الذي قطعه بالإستمرار في تمويل السلع المدعومة ( القمح،الأدوية والمحروقات) لمدة ثلاثة أشهر، وقد نضبت موجوداته من العملات الصعبة، ما يعني تحرير الأسعار وإخضاعها لحركة سعر صرف الدولار الاميركي الذي يتصاعد مع اعتذار مصطفى أديب وإنكفاء المبادرة الفرنسية، يؤدي هذا في ظل عدم الحصول على قروض واستثمارات خارجية إلى انفلات جنوني في الأسعار وسط تهاوي الليرة. ولهذا الأمر مضاعفاته على صعيد أسعار المواد الأساسية للعيش. فلا إمكانية للحفاظ على البقاء دون الخبز والدواء أو المحروقات. ولعل المفارقة البليغة هي استمرار تهريب المواد المدعومة إلى سوريا بعد أن بات السوق اللبناني مسؤولاً عن تموينها. ففي الأشهر الأخيرة وبعد فقدان البنزين والمازوت من المولدات والمحركات في مختلف المحافظات، تبين أن خط التهريب لم ينقطع يوماً واحداً، وأن العصابات التي تتولى توريده للداخل السوري تعمل بحماية أولي الأمر وقوى الأمر الواقع، وقس على ذلك.

سبق واشرنا أن وقف الدعم من شأنه أن يرفع الأسعارإلى  300% على الأقل وقد بات اليوم 400%  ظل غياب الرقابة وهيمنة الاحتكارات على التجارة الخارجية والداخلية، ولا يقلل من وقعها محاولات بعض الجهات تخفيف نتائج الصدمة على جمهورها “المقاوم” ، بينما تتولى هي نفسها تنظيم عمليات التهريب بالاتجاهين . واستمرار مثل هذا الوضع يعني تعريض موجودات الدولة ومداخيلها للاستنزاف. وهو ما سيضغط على أكثر من 60% من اللبنانيين و90% من المقيمين ( لاجئون فلسطينيون وسوريون وغيرهم )، ومعه سيعجزون عن تأمين أكثر من وجبة طعام واحدة يومياً . ولعل التذكير بما تحدث عنه تقرير الأسكوا الأخير عن فقر أصاب اللبنانيين بنسبة 55% وفقر مدقع بنسبة 28 % ليس سوى رأس جبل الجليد في ضوء استمرار تعطل مرفأ بيروت وخسارة العاصمة لدورها المحلي والاقليمي والبطالة المستشرية والركود وتوقف المؤسسات المختلفة عن العمل، والمآسي التي يعانيها اللبنانيون من وبائي الكورونا والنهب الذي تعرضوا له في مدخراتهم.

الاجتماع الأخير الذي عقد في القصر الجمهوري لتدارس الوضع المالي انتهى إلى محاولة تجريع دخول اللبنانيين إلى “جهنم” على مراحل ، تبدأ من خفض نسبة الدعم إلى 70 بالمئة وتدريجاً قبل وقفه كاملاً ورفع سعر صرف الدولار لدى المصرف المركزي. الرئيس القوي ميشال عون في خطابه لمناسبة 75 عاماً على تأسيس الأمم المتحدة ، دعا دول العالم إلى اعمار المناطق المنكوبة في محيط المرفأ بعد تقسيمها إلى مربعات، على أن تتولى كل واحدة مربعاً منها .. السؤال هو من يعمِّر كل لبنان فخامة الرئيس؟!.

[author title=”عماد زهير” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]