سياسة صحف وآراء

كلام مع حزب الله بلا حقد.. أو ضغينة

محسن زين الدين  

بعد عام ٢٠٠٠ عام استكمال تحرير الجنوب، قرر حزب الله المشاركة المباشرة في الحياة السياسية اللبنانية، ومعها قرر الانتساب إلى السلطة الحاكمة، عبر احتكاره للتمثيل النيابي، مع حركة امل. اقفل باب المشاركة للفئات والقوى السياسية الأخرى، والتي لها حضور حتى ما قبل صعود حزب الله، واعتبر مواربة ان هذه القوى دخيلة على المناطق ذات الاغلبية الشيعية، يجب عدم إتاحة المجال لها لتكون شريكة في تمثيل هذه الفئة الشعبية.  كما لم يكتف باحتكار التمثيل النيابي مع حركة امل، للطائفة الشيعية، بل عمدا معا لمصادرة حصة الطائفة في الحكومة .

على هذا ترجم الحزب فائض قوته بعد عام ٢٠٠٠ تمثيله نيابيا من ناحية ومقاعد وزارية من ناحية ثانية.  في الحقيقة لم يكن ذلك استجابة لمطلب شعبي، وأن كان ذلك ممكنا، لكن ذلك كان تلبية لحاجة لديه، وغاية يتوخاها وهي اضفاء صفة شرعية وحتى رسمية لفائض قوته، ممثلة بسلاحه .

ان ما تقدم لا يعفينا، ولا يجعلنا ننكر اطلاقا، حق حزب الله في العمل السياسي، وانتسابه إلى السلطة التي تدير شؤون البلاد، وهو انتساب لا يُحسد عليه اطلاقا، من قوى معارضة، ترى ان انتساب حزب الله إلى قوى السلطة إنما يعزز مواقعها فيها ويجعلها اكثر مناعة وعصيانا على التغيير.

رغم ما جاء اعلاه، نعتبر ان من حقه الانتساب إلى السلطة والتمثل في مواقعها الوزارية وحتى على مستوى وظائفها، لكن ما يؤخذ على حزب الله، ليس حقه في المشاركة في المواقع والوظائف، وذلك حسب ما يسمى النظام الطائفي القائم، إنما محاولته فرض هيمنته ومشاركته في اختيار بعض من ممثلي الطوائف الأخرى.

لم يكن هذا وحسب، إنما اعتماده وسيلة فائض قوته ضمنا، اي امتلاكه لقوة مدججة ومعززة بسلاح منظور وغير منظور، مكنه من ان يمارس هذا التحكم اللطيف والناعم احيانا والحازم حد السيطرة احيانا أخرى، على مجمل الحياة السياسية اللبنانية،  وليس ادل على ذلك عدم قبوله مشاركة اي من قوى وناشطي المجتع المدني المنتمين للطائفة الشيعية، في ان يتمثلوا بالحد الادنى، رغم علمه انهم يمثلون نسبة لا يستهان بها من جمهور الطائفة نفسها، وعلما كذلك ان هؤلاء لم يجحدوا ولم ينكروا جهده الكبير في الوصول إلى  تحرير الجنوب ولا يزالون يعترفون بذلك.

ورغم ذلك، لم يتحمل ولا ولن يتحمل الحزب ان يكون له شريكا ثالثا مهما ضؤل حجمه في تمثيل الطائفة الشيعية. وهذا ما يناقض ادبياته المعلنة، في انه مع اعتماد أوسع تمثيل نيابي لكل الحيثيات السياسية والاجتماعية والشعبية، كما وانه لم يتجه حتى الآن في الدفع لاعتماد الكفاءات لمواقع الوظائف الأولى وما دونها، وهي كثيرة ضمن الطائفة وخارجها، إنما يبدو أن المحاصصة دقت بابه ففتحه لها على مصراعيه، حيث لم يدعم تبوأ اي موقع وزاري لأي من خارج المنتسبين اليه، أو ذوي الصلة الوثيقة به.

لم يكتف الحزب بأرجحية تحكمه بادارة البلاد في مفاصل واستحقاقات اساسية في الداخل، بل عمد إلى زج البلاد في اتون الأحداث الجارية في بلدان شقيقة جارة وبعيدة، وكان لتدخله في أحداث سوريا الأثر الحاد في انقسام اللبنانيين حول هذا التدخل، وقد تنامت اتساعا رقعة المعارضين لتدخله هذا، حتى انها ضمت بعضا من حلفائه، وقد أعلنت هذه المعارضة، ان لبنان لا يستطيع تحمل نتائج وتبعات هذا التدخل، مسترجعين شعار النأي بالنفس عن كل أحداث وحوادث البلدان الشقيقة، ورغم هذا الاعتراض الواسع والعريض لتدخله، لم يعر الحزب اي اهتمام لهذه الاعتراضات، مكملا فرض واقع يريده، منتجا حالة مأزومة في علاقته بالداخل من ناحية، وازمة علاقات خارجية بين لبنان والبلاد العربية من ناحية أخرى.

ونحن إذ نشير إلى اتساع الاعتراض على تدخل حزب الله في الأحداث التي تجري في الجوار وابعد من الجوار وعلاقاته بالخارج وما ينعكس ذلك سلبا على لبنان من آثار ونتائج سلبية، فإنه يحضرنا ما حصل في الماضي القريب، عندما انحدر بعض الاحزاب اللبنانية للاستقواء على البعض الاخر، إلى علاقات خارجية كان لها فاجع النتائج السلبية على لبنان كله، ندلل على ذلك ، علاقة حزب الكتائب والقوات اللبنانية بكيان العدو الاسرائيلي تحت وهم إنقاذ المسيحيين وإنهاء الوجود الفلسطيني من ناحية أخرى، وكان هذا واحدا من الأسباب الرئيسية للاجتياح الاسرائيلي عام 1982 للبنان واحتلال العاصمة بيروت، وما نتج عنه من مآس الى جانب غلبة فريق من اللبنانيين على فريق اخر، مما اجج النفور حتى العداء بينهم.

ويبدو ان حزب الله الذي يعيب على من ذكرنا علاقاتهم السابقة بالخارج ولا يزال يعتبرهم اتباعا. للخارج وسياساته، يقع في نفس الخطأ لا بل خطيئة العلاقة بالخارج التي يعترض عليها معارضوه. إذ أن العلاقة غير الندية بالخارج سابقا والآن ولاحقا، لا يمكن أن تعني الا اسستباعا  وعدم استقلال .

اننا إذ لا ننكر اطلاقا ذلك الجهد الكبير والتضحيات الكبرى  لحزب الله في استكمال تحرير الجنوب  عام ٢٠٠٠ التي يقر جميع اللبنانيين بما فيهم معارضوه بجهده وتضحياته واجبار العدو الاسرائيلي على الانسحاب من الجنوب دون قيد او شرط، ويقدرون عاليا له هذا الإنجاز الوطني، يعترفون أيضا ان حزب الله طرف لبناني ذو تمثيل وازن جدا في طائفته، التي هي مكون اساسي في تكوين التركيبة اللبنانية، لكن إلى جانب هذا التقدير والاعتراف له وبه، هناك اعتراض على لجوئه ضمنا لقوته الفائضة “سلاحه المتعدد عددا وعدة”، هذا الاعتراض عليه من هذه الناحية يتسع ليشمل مزيجا من أطراف لبنانية وازنة من بينها بعض من حلفائه ومؤيدي مقاومته أيضا، ولها تمثيلها السياسي الوازن أيضا ومن مكونات لبنان الرئيسية .

وعليه يصبح لزاما على حزب الله ان يتوقف أمام هذا الاعتراض الوازن، وأن يخطو خطوة ان لم يكن نحو التوافق على اي لبنان نريد، لكنه على الاقل لردم الهوة بينه وبين معارضيه فيقبل بوضع القضايا المختلف عليها على الطاولة لنقاشها، وفي مقدمها، قضية سلاحه، المكون لفائض قوته على كل الأطراف في الداخل. حيث يحب ان يكون الهدف من طاولة النقاش هذه، ان كل مكونات لبنان الكيان والدولة والشعب متساوين، ولا غلبة لأي منهم على الآخر، ولا يستقوي اي منهم على اخر بأية وسيلة من وسائل الاستقواء، عدة او عددا.

ولنكن اكثر صراحة، عندما طرح موضوع سلاح  حزب الله على طاولة، والتي استولدت على عجل، واستبعدت عنها قوى شعبية معارضة، من مدنية وعلمانية وحتى أهلية، في موقع المعارضة لأغلب الجالسين على كراسي طاولة الحوار المزعومة، فإن طرح موضع الاستراتيجية الدفاعية من قبل حزب الله على “المتحاورين” لم يكن الا مخرجا لعدم نقاش مصير السلاح، بحيث تبقى معادلة حزب الله الذهبية “الشعب والجيش والمقاومة” ، قائمة إلى ما شاء “حزب الله”. كما وانها تعززت بالقول ان الجيش، بما يملك من إمكانيات، عدة وعددا، لا يستطيع مواجهة العدو الاسرائيلي وردعه، وهو بالتالي بحاجة إلى مؤازرة مقاومة حزب الله، لمواجهة تعديات واعتداءات العدو الاسرائيلي، علما ان الجيش عمل وفي مرات عديدة على ردع العدو عن القيام باعمال عدوانية على الحدود، برا وجوا، وحادثة بلدة العديسة دليل على ذلك. ان منطق حزب الله يقلب المعادلة الدفاعية الوطنية، والتي تقول ان قوام وأساس الدفاع عن الأوطان موكولة لجيوشها، تؤازرها مقاومة شعبية، وليس العكس.

مجددا، لتكن الصراحة دوما، ميزة في طرح الأمور، كما نراها ودون، اية مواربة، وبلا اي حقد او ضغينة، ان القضية التي تشكل اساس الاختلاف حد الخلاف بين اللبنانيين، والتي يعتبرها معارضو حزب الله، قضية خلاف واختلاف، أيضا تصل حد التشكيك بامكانية العيش المشترك بين اللبنانيين، هي قضية فائض قوة حزب الله، يعتبر المعارضون، وهم كما قلنا كثر ومن فئات عديدة، من بينها بعض من حلفاء حزب الله، وبعض من أصدقائه ومن مؤيدي مقاومته للعدو الاسرائيلي، يعتبرون ان فائض القوة هذا المتمثل بسلاحه، إنما هو الذي يمكنه من التحكم في مفاصل اساسية في إدارة البلاد، وفي فرض خياراته التي يريد عند كل استحقاق  رئيسي وأساسي.

ينفي حزب الله ما تقدم قوله، معلنا على الدوام، انه مع التوافق والوفاق، مع الوحدة الوطنية والعيش المشترك دون ضغط او اكراه او غلبة اي فئة على اخرى، مع الدولة العادلة والقوية، مع المساواة بين الجميع. لكن حزب الله ينسى او يتناسى، انه الطرف الاقوى بين جميع أطراف العيش المشترك الذي يدعوهم إلى العيش معه والتعايش مع فائض قوته “ولو لفترة مقبلة قدّرها هو ببعض من السنوات”.

اذا كان ذلك ما يدعو له حزب الله، وما  يعتبر انه حريص عليه، إذن لماذا تزداد أصوات المعارضين والمعترضين، على أدائه العام وشراكته “المنفردة ” في ادا رة المحطات المفصلية للبلاد .

نعيد القول انه اذا كان مع الوحدة الوطنية، والتوافق الوطني، مع العيش المشترك، ومع المساواة بين كل المواطنين، ومع عدم الغلبة لأي كان على اخر، فما الذي يمكن أن يقوم به لطمأنة كل المعارضين والمعترضين.

ان يقبل بفكرة الدولة القائمة رغم اعتراضنا على من يديرها بالشراكة في بعض الأحيان، أن يقبل بأنها صاحبة القرار والقول الفصل في مراحل السلم والمهادنة واوقات الحرب والمواجهة، في الردع والصد، وأن سلاحها وكل سلاح اخر يجب أن يكون من عدتها وعتادها وبأمرة جيشها وقواها العسكرية، لأن كل سلاح اخر وكل عتاد وعدة  تأخذ شكل القوة العسكرية، ما هي إلا محاولة لفرض امر واقع يُغلّب طرفا على كل الأطراف الأخرى، مجتمعة ومنفردة، وهو ما يهدد العيش المشترك والسلم الاهلي، ويدفع بالبعض إلى الاتكاء على أحضان خارجية ربما، كما يتكئ حزب الله في تنامي قوته وعدته على قوة خارجية، وهي مسألة لا يخفيها.

إن أياً من الأطراف الداخلية، شرائح وفئات وطوائف وقوى سياسية بما فيها مدنية واهلية وعلمانية، لا تعترض ابدا على عمل الحزب السياسي والشعبي، وهي لم تعترض على انتسابه وشراكته للمنظومة التي تدير البلاد، لكن اعتراض هذه الفئات مجتمعة وفرادى على استقوائه بفائض قوته المسلحة في فرض خياراته على الجميع  .

المعارضون لسياسات حزب الله الداخلية والخارجية كثر وقد يشكلون اكثرية شعبية، ومن مختلف الشرائح والفئات والطوائف، وهي قد تقبل بالاحتكام إلى استفتاء شعبي عام، حول سلاح حزب الله ومصيره، هل يقبل حزب الله بالذهاب إلى استفتاء شعبي عام حول سلاحه، فيقول اللبنانيون من كل الفئات، نعم أو لا لسلاح  حزب الله واي سلاح اخر خارج مؤسسات الدولة العسكرية.

Leave a Comment