كتب غسان صليبي*
استعادت الانتفاضة شيئا من حيويتها في الايام الماضية من خلال تحرك بعض مجموعاتها في مسيرة من وزراة الداخلية الى المجلس النيابي تطالب بحكومة انتقالية مستقلة.
مضى على رفع هذا المطلب أكثر من سنة وتحديدا منذ استقالة حكومة الحريري. وبعد العجز عن تحقيقه، راحت الانتفاضة تتشتت، بعضها يركز على المصارف ومصرف لبنان، والبعض الآخر يكرر شعار “كلن يعني كلن”، فيما بدأت مجموعات تطالب بنزع سلاح حزب الله.
العودة الى طرح مطلب الحكومة الانتقالية المستقلة يفترض تغييراً ما في مقاربة الانتفاضة وفي أدواتها النضالية، يحوّل العجز السابق إلى قدرة على تحقيق المطلب.
ما نراه للأسف، هو المزيد من الشيء نفسه.
فتأليف حكومة انتقالية ومستقلة يفترض الضغط اولاً على رئيس الجمهورية لتكليف شخصية مستقلة، والضغط لاحقاً على الشخص المكلّف المستقل، لتأليف حكومة من شخصيات مستقلة.
فهل المسيرة من وزارة الداخلية إلى المجلس النيابي تفي بالغرض؟ بالطبع لا، بل هي تخلق فُصاماً في الوعي الشعبي بين ما تطالب به الانتفاضة وما تفعله على الارض، ويصبح التحرك مجرد فشة خلق تزيد من الإحباط لاحقاً وتلجم عملية التراكم النضالية.
ويتفاقم الفصام عندما تقرأ لافتة تطالب ب””حكومة انتقالية فوراً” لتعود وتقرأ أخرى إلى جانبها كُتب عليها “نحو حكومة انتقالية”. تختلف كثيراً المقاربة ووسائل الضغط،
إذا كنا نطالب بإستجابة فورية للمطلب، أو اذا كنا نتحرك نحو” تحقيق هذا المطلب.
مصالحة الهدف مع الوسيلة المستخدمة لتحقيقه، تفترض بداية تنظيم مسيرتين، واحدة إلى بيت الوسط لإجبار الحريري على الإعتذار عن التشكيل، وأخرى إلى بعبدا لإجبار عون على تكليف شخصية مستقلة لتأليف الحكومة، على أن تنتهي المسيرتان إلى إعتصام مفتوح أمام القصرين، للإستمرار بالضغط.
وإذا كانت مجموعات الانتفاضة تخشى تدخل القوى الامنية أو حزب الله لمنع الضغط على الرئيسين، كما كان يحصل في السابق، مباشرة أو من خلال التهديد، عليها أن تكون مستعدة
في حال حصول ذلك، لرفع شعارات ضد هذين الطرفين، والا على هذه المجموعات أن تتحمل مسؤولية تعبئة الشارع، وفي الوقت نفسه التقاعس أمام مواجهة التحديات.
مشكلة الفُصام في الشخصية بحسب علم النفس، هو أن المريض “غير واقعي”، وفي الوقت نفسه هو لا يعرف أنه “غير واقعي”.
فهل وصلت بعض مجموعات الانتفاضة إلى هذه المرحلة، أم أنها تعرف أنها غير واقعية ولا تتجرأ على المواجهة، مستعيضة عن ذلك بالدوران في حلقة مفرغة، حفاظاً على صورتها ولو على حساب شعبها المقهور، الذي لم يعد يحتمل التجارب الفاشلة.
*عن جريدة النهار في 14 / 3 / 2021
Leave a Comment