زاهي البقاعي
بيروت 25 أيار 2023 ـ بيروت الحرية
أحيت الأمم المتحدة وللمرة الأولى منذ عام 1948، ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني بفعالية رسمية، في قاعة الجمعية العامة للهيئة الدولية في نيويورك في 15 أيار / مايو 2023، حيث ألقى رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس كلمة قدم فيها السردية الفلسطينية المضادة للسردية الاسرائيلية بما انطوت عليه من مزاعم، عما حدث قبل 75 عاماً، وما تعرض له الشعب الفلسطيني في حينه من ظلم تاريخي على يد الحركة الصهيونية، وهو الظلم المتواصل منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم على يد دولة الاحتلال. وكانت لجنة تابعة للامم المتحدة معنية قد أوصت بموجب قرار أصدرته في 30 تشرين الثاني المنصرم بتنظيم النشاط بمشاركة بعثة المراقبة الدائمة لفلسطين في الأمم المتحدة، ولجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، بمساعدة شعبة حقوق الفلسطينيين في إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام. وحصل القرار في حينه على 90 صوتاً مقابل 30 معارضاً، فيما امتنعت 47 دولة عن التصويت على المبادرة.
ورأس الحدث السفير شيخ نيانغ، رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، حيث ألقي خلاله كلمة، إضافة إلى كلمات من وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، والمفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) فيليب لازاريني، وممثلي المجموعات الإقليمية والمجتمع المدني. وأقيم إلى جانب ذلك الحدث التذكاري الخاص حفلة فنية وموسيقية في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويهدف هذا الحدث إلى استعادة تجربة نكبة الشعب الفلسطيني، من خلال صور ومقاطع فيديو وشهادات، وحفلين موسيقيين. الأول للفنانة الفلسطينية سناء موسى، والآخر لنسيم الأطرش، عازف التشيلو والملحن الذي رشح لجائزة جرامي، برفقة أوركسترا نيويورك العربية. وتمت دعوة جميع أعضاء الأمم المتحدة ومراقبيها لحضورهما، إضافة إلى المنظمات الحكومية الدولية ومنظمات المجتمع المدني وكذلك الجمهور.
وقال مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، إن بعثة فلسطين واللجنة المعنية، وكل الأصدقاء وشعبة فلسطين في سكرتاريا الأمم المتحدة، اختارت تفاصيل هذه الفعالية بجلستيها الصباحية والمسائية. ووصف السفير منصور، اعتماد الجمعية العامة، التي تمثل برلمان العالم، قرار إحياء فعالية بذكرى النكبة لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة، بأنه يمثل نجاحا للدبلوماسية الفلسطينية كونه الاعتراف رسميا بنكبة الشعب الفلسطيني، مع ما سيتبعه من جهد في البناء على القرار وتطويره وانتزاع تشريعات لاحقة.
إذن بينما كانت الأمم المتحدة من مقرها تحتفل بالذكرى الـ 75 للنكبة، لم تكن قد مضت أكثر من ساعات قليلة على وقف اطلاق النار في قطاع غزة التي انتهت بعد أن منح العدوان الإسرائيلي على غزة، جرعة سياسية وشعبية لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وحزب الليكود. ما يتطلب التوقف عند حدثي معركة غزة من جهة والفعالية الدولية من جهة ثانية.
المؤكد أن حركة الجهاد الاسلامية خاضت المعركة منفردة للمرة الثانية ومن دون شعارات سياسية. فقد كان الأساس الذي أعلنته يتحدد بتسليم جثمان أحد قيادييها المناضل عدنان منصور الذي قضى نتيجة اضراب عن الطعام استمر 86 يوماً. والمعروف أن اسرائيل لا تسلم جثامين شهداء الشعب الفلسطيني إلى منظماتهم أو ذويهم. المهم أن حركة الجهاد أطلقت رشقاً من الصواريخ باتجاه مستوطنات غلاف غزة التي ردت عليها اسرائيل بقصف مدفعي، ثم أتبعته بسلسلة من الهجمات الجوية المخططة والمدروسة أدت خلال الايام الخمسة من المواجهة إلى استشهاد 33 فلسطينياً من بينهم 6 من كبار القادة العسكريين للحركة. هذا عدا عشرات المؤسسات والمنازل المدمرة والمتضررة، وشل الحياة العامة في القطاع ومخيماته. المهم أن وقف اطلاق النار الذي تم بموجب اتفاق رعته مصر كاد ينحصر بتوقف القصف على المواطنين و”الافراد”، ما يعني أن اسرائيل رفضت وقف مسلسل اغتيال قياديي حركة الجهاد. أي أن المواجهة لم تثر المطالب الفلسطينية العامة المعروفة التي تتعلق بالقدس والمسجد الاقصى والاستيطان في الضفة واطلاق سراح أسرى في السجون، و إنهاء الحصار البري والبحري والجوي الذي يتعرض له القطاع، والسماح للفلسطينيين في الانتقال منه إلى الضفة وبالعكس وبتدفق البضائع، ما جعل عدداً من المراقبين يصفون تلك الحرب بأنها ما دون السياسة من جانب الجهاد، بينما كانت جملة أهداف سياسية اسرائيلية تتحقق سواء على صعيد الحركة ( تصفية القيادات) أو على صعيد حركة حماس التي جرى تحييدها تحت وطأة التهديد بمصير مشابه، كما انسحب الوضع أيضاً على حزب الله في لبنان. حيث ظهر أن وحدة الساحات ليست سوى حملة اعلانية. لكن الأهم بالنسبة لنتنياهو أن تلك الحرب تعني الفرصة الملائمة لتحقيق رزمة من الأهداف الاسرائيلية السياسية الداخلية والخارجية على حد سواء. ولعل الأبرز فيها كما ظهر تمرير مسيرة الاعلام في القدس من جانب الجماعات الدينية المتطرفة، خلاف ما كان يحدث في السنوات السابقة. وكذلك متابعة حملات تصفية المناضلين الناشطين في مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية، ناهيك بمتابعة حملات الاستيطان، وإنكفاء معارضة يمين الوسط عن متابعة الضغط على حكومة نتنياهو وبن غفير وسموترتش حول “الاصلاح القضائي” وغيره.
خطاب عباس في الأمم المتحدة
بينما كان عباس يلقي كلمته كانت المدن الاوروبية والاميركية تشهد تظاهرات شعبية تعلن حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة. ما جعل من المناسبة تظاهرة سياسية اعلامية لصالح القضية وأهلها الصامدين. أما حضور عباس وكلمته فقد اعتبرت بمثابة نصر دبلوماسي، حيث تركزت على المفاصل التالية:
ـ إن المناسبة هي رد الاعتبار للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة وإزالة آثار هذه النكبة.
ـ العمل على إنجاز الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في تقرير المصير واستقلال دولته، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها.
ـ إن الرواية الفلسطينية، المتعلقة بالنكبة والقضية الفلسطينية عموماً، بدأت تشق طريقها إلى وعي الشعوب والدول التي أخذت تكتشف زيف الرواية الإسرائيلية.
ـ إن النكبة، لم تبدأ في العام 1948، ولم تنته معه، فإسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، تواصل احتلالها وعدوانها على الشعب الفلسطيني، وترفض قرارات الشرعية الدولية، فضلاً عن فرض نظام فصل عنصري “أبرتهايد” على الفلسطينيين.
ـ لقد اتخذت هذه المنظمة الدولية عبر السنين مئات القرارات التي تُقِر بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في وطنه، (ألف قرار تقريباً)، ولكن دولاً بعينها في هذه المنظمة عطّلت تنفيذها قصداً.
ـ إننا نطالبكم اليوم رسمياً، ووفقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بإلزام إسرائيل باحترام القرارات، أو تعليق عضويتها في الأمم المتحدة.
ـ إن دولاً كبرى تعرفونها تماماً ترفض مساءلة إسرائيل على عدوانها واحتلالها للأرض الفلسطينية وبناء المستعمرات عليها، وتدمير حل الدولتين، وخرق الوضع التاريخي القانوني في الحرم القدسي الشريف.
ـ إن بريطانيا والولايات المتحدة على وجه التحديد تتحملان مسؤولية سياسية وأخلاقية مباشرة عن نكبة الشعب الفلسطيني، فهما اللتان شاركتا في جعل شعبنا ضحية عندما قررتا إقامة وزرع كيان آخر في وطننا التاريخي، وذلك لأهداف استعمارية خاصة بهما.
ـ إن الدول الاستعمارية التي تتحمل مسؤولية تاريخية عن النكبة يجب أن تتحمل مسؤولية تاريخية بالمقابل في إنصاف الشعب الفلسطيني وإنهاء معاناته.
ـ إن أولى المزاعم الصهيونية الملفقة، والأكثر شيوعاً، هي أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب ويتوجب إعطاؤها لشعب بلا أرض. والحقيقة أننا عشنا فيها آلاف السنين، منذ أن عمرها أجدادنا العرب الكنعانيون قبل أكثر من خمسة آلاف عام.
ـ زعموا أيضاً أن الفلسطينيين تركوا بلادهم عام 1948 طواعيةً. وحقيقة الأمر أن إسرائيل، ارتكبت أكثر من خمسين مذبحة، ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ودمرت أكثر من خمسمائة وثلاثين قرية فلسطينية، وشردت 957 ألف لاجئ، وهو ما يشكل أكثر من نصف الشعب الفلسطيني في حينه.
ـ إسرائيل تنتهك أيضاً حرمة المسجد الاقصى وحق العبادة فيه والمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية في فلسطين، ولم تسلم مقابرهما من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه الإرهابيين.
ـ تدعي إسرائيل أن حروبها ضد الفلسطينيين والعرب كانت حروباً دفاعية. فكيف يكون ارتكاب المذابح وتدمير القرى حرباً دفاعية، وكيف تكون حرب إسرائيل عام 1956 واحتلال سيناء وقطاع غزة حرباً دفاعية. و حرب 1967 حرباً دفاعية ؟ وهل الحروب الدفاعية تعني الاحتفاظ بالأراضي التي يجري احتلالها وضمها للدولة الغازية، وماذا عن القرارات الدولية التي لا تجيز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة؟
ـ إن أهم شرط لتحقيق السلام والأمن في منطقتنا يكمن في الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واستقلال دولته الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، بالقدس الشرقية عاصمة لها، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194، وإطلاق الأسرى من السجون الإسرائيلية، ولا يمكن أن يتحقق السلام والأمن بغير ذلك.
ـ إن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية، التي يقودها نتنياهو وغلاة التطرف والاستيطان، ونموذجه ما جرى في قرية حوارة من قتل وحرق للبيوت والممتلكات، يثير الرعب ويعيد إلى الأذهان صورة حية لما جرى في النكبة عام 1948.
وأكد ختاماً عدم جواز قبول وسكوت المجتمع الدولي على افتراءات ومزاعم إسرائيل الكاذبة، واستمرار افلاتها من المساءلة والعقاب، وأن تبقى دولة فوق القانون في هذا المجتمع الدولي والنظام العالمي، ولذلك فإن أول خطوة يتوجب على الحكومة الإسرائيلية القيام بها هي أن تُقر هي وشركاؤها بالمسؤولية عن هذه النكبة، والاعتذار وطلب الصفح وجبر الضرر، وتنفيذ كل قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة.. فمن حق الشعب الفلسطيني أن يعيش حراً كريماً في وطن حر كريم، و من حقه عليكم أن تساعدوه على تحقيق حريته واستقلاله وعضويته الكاملة في الأمم المتحدة، ومن حقه عليكم تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وتوفير الحماية الدولية له.
وأطمئن الجميع بأننا سنحافظ على وحدتنا الوطنية بكل السبل ومهما كانت التحديات، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والالتزام بالشرعية الدولية وحيا ختاماً الشعب الفلسطيني في فلسطين ومخيمات اللجوء والشتات وفي المقدمة منه أهالي القدس والشهداء والجرحى والأسرى .
يبقى التحدي الماثل للعيان أمام منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية كافة هو دمج النضال السياسي والدبلوماسي والشعبي بأشكاله كافة في نسق متكامل، بدلاً من ردود الفعل المتسرعة التي لا تقود إلا إلى مزيد من الخسائر ودون مكاسب فعلية على صعيد التقدم بالقضية خطوات للامام ومحاصرة الاحتلال وسياساته.
Leave a Comment