بادر معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، إلى تذكير المجتمع اللبناني بتقرير التدقيق الجنائي الذي أعدّته شركة “الفاريز أند مارسال” حول سياسات وعمليات مصرف لبنان وبياناته المالية بين عامي 2015 و2020.
فقد دعا المعهد إلى ندوة يوم أمس الثلثاء حول ورقة شاملة عن هذا التقرير أعدّها الاقتصادي البارز توفيق كسبار، أعادت قراءة التقرير وسلّطت الضوء على أهمّ محاوره وخلاصاته.
نذرت الحكومات اللبنانية نفسها أحيانا لمنح “مساعدات مالية” لشركات ذات سمعة دولية دون أن يستفيد لبنان من خدمات هذه الشركات لقاء الأموال التي تقاضتها من دولة لبنانية متعثّرة وذات موارد ضعيفة. قبل خمس سنوات أعدّت شركة ماكينزي بطلب من الحكومة اللبنانية دراسة قطاعية شاملة عن الاقتصاد اللبناني بهدف وضع مشروع اقتصادي شامل لخمس سنوات يعيد النظر في تركيبة القطاعات الاقتصادية ويرفع معدّy not borse benetton sito ufficiale and camicie donna terre de marins scarpe ovye custom ohio state jersey jordan 5 gore-tex zapatillas nike ofertas geox black friday deuce vaughn jersey borsa y not penn state men’s football jersey marella outlet marella outlet tata scarpe ل النموّ الاقتصادي وسقف الناتج المحلي الإجمالي. وشمل تقرير ماكينزي دراسة معمّقة لستة قطاعات نصحت بتطويرها لأنها تقدّم قيمة مضافة لاقتصاد لبنان.
حظيت دراسة ماكينزي بمتابعة واهتمام شخصيات قريبة من الرئيس ميشال عون، ومخلصة لعهده، بصورة خاصة السيدة ميراي الهاشم والوزير السابق رائد خوري. إلا أن الأوساط المهيمنة على سياسات العهد وقتها لم تكترث لهذا المشروع المهمّ ورمت تقرير ماكينزي في “الجارور”، مع أن الدولة سدّدت أتعاب الشركة حتى آخر قرش. وحسب ما نشرته “النهار” أمس فإن رئيس لجنة الاقتصاد الوطني النيابية يتّجه إلى إعادة إحياء المشروع، وهو أمر أكثر من صعب.
الأمر نفسه يحصل مع تقرير “ألفاريز ومارسال” الذي شرّح سياسات وأرقام مصرف لبنان وسلّط الضوء على الطبيعة الجنائية لبعض عمليات المصرف. تدقيق الحسابات، على حد قول كسبار، هو عرضٌ للحقائق المالية وفقا لقواعد المحاسبة المتعارف عليها، أما التدقيق الجنائي فهو يعاين السجلات المالية للعثور على أي نشاط مالي غير قانوني يمكن استخدامه كدليل في المحكمة.
تماما مثلما حصل لتقرير ماكينزي، سدّدت الدولة أتعاب الشركة التي وضعته، ولكنه رمي في الأدراج، ولم يتحرّك القضاء للتعمّق في نتائج التقرير ومحاسبة المسؤولين عما بيّنه من أفعال جرمية. القضاء الجزائي في لبنان، خصوصا المرتبط بالسياسيين، بات عضوا ميتا في جسد إنسان ميت.
على سبيل العلم فقط، زادت المبالغ المهدورة التي تكبّدتها الدولة لشركتي ماكينزي وألفاريس أكثر من خمسة ملايين دولار.
تقرير “ألفاريس ومارسال” ليس مكتملا، بل تنقصه معطيات أساسية لأن مصرف لبنان في المرحلة الماضية حجب عن الشركة معلومات مهمّة بقصد إخفاء الحقائق، مستندا إلى حجج قانونية لا وجود لها. رغم ذلك فقد أظهر التقرير جملة من الوقائع التي تستدعي تحرّكا سريعا وفعّالا لأنها تظهر حجم الخسائر الجسيمة التي منيت بها، نتيجة القرارات الخاطئة، المالية العامّة والمؤسّسات الرسمية وغير الرسمية والنقابات والشركات ناهيك عن مئات الألوف من المودعين في المصارف.
على ما فيه من نواقص، أبرز التقرير التصرّفات الجرمية التي تستوجب الحساب، مثل دفع عمولات وأموال غير مبرّرة ومنح قروض مشبوهة لبعض المصارف بفوائد هزيلة وصفقات عقارية مريبة. والأفدح من ذلك هو تزوير الميزانيات والبيانات المالية في مؤسّسة تشكل الشفافية والصدقية أساس عملها لأن المتعاملين في الأسواق الداخلية والخارجية يبنون قراراتهم وخياراتهم على المؤشّرات والأرقام الصادرة عن المصرف المركزي.
على سبيل المثال لا الحصر، صرّح مصرف لبنان عن تحقيق أرباح طفيفة سنتي 2019 و2020 فيما أظهر تقرير التدقيق الجنائي أن خسائر المصرف المركزي بلغت 50 مليار دولار تقريبا في السنة الأولى وأكثر من 64 مليارا سنة 2020. وفيما أعلن مصرف لبنان أن أمواله الخاصة تقارب المليار دولار سنتي 2019 و2020، بيّن تقرير التدقيق الجنائي أن الأموال الخاصّة أظهرت عجزا بمبلغ 39 مليار دولار سنة 2019 و51 مليار سنة 2020.
كانت ندوة معهد عصام فارس مهمّة ومفيدة، لكنها تثير الخوف من أن يكون تقرير التدقيق الجنائي قد دخل التاريخ كمادّة للأبحاث الأكاديمية فقط، بدل أن يكون منطلقا للمحاسبة القضائية والسياسية، بهدف الحؤول دون انزلاق المؤسّسات في المستقبل إلى هذا النمط من الانحرافات المدمّرة للمجتمع.
*نشرت في جريدة النهار بتاريخ 01 -05-2024
Leave a Comment