“الحرية والاستقلال صنوان، صيانتهما أشق من الظفر بهما، هما أمانة الشهداء في أعناقنا، كي نورث أبناءنا وطناً سليماً قوياً محترماً.” هكذا خاطب الرئيس شكري القوتلي الشعب السوري رابطاً بين الحرية والاستقلال.
وقد خاطبت القيادات السورية التاريخية وهي تناضل في سبيل الاستقلال والحرية الاجنبي بالقول “كفَّ يديك عن بلادنا، إن شعبنا هو الأقدر على إدارة شؤونها وصون مقدراتها.” لقد كان التلازم قائماً ودائماً بين التحرر من الاستعمار، وبين تحرير الإنسان لإنهاء حالة إدمان قمعه وإدامة تهميشه. كذا يخبرنا التاريخ السياسي للقيادات السورية، سواء تلك التي ناضلت من أجل الحصول على الاستقلال، أم تلك التي تولت المسؤولية بعد ذلك، اذ كان الهم دائماً هو الحفاظ على الحرية مقرونة بالاستقلال”، والا فكيف للناس أن تمارس حقها في التعبيرعن مواقفها وعما يجيش في نفوسها” حسب رأي خالد العظم الذي طلب اخراج الذين اعترضوا موكبه من السجون لأنهم رموه بالبيض الفاسد و البندورة، فالرد على ما قاموا به وما ارتكبوه برأيه ليس القمع وإنما الديمقراطية والمزيد من الديمقراطية. في حين نرى اليوم هذا التوغل الوحشي وهذا الاصرار على القمع والقهر والتهميش والتدمير. فشعار الحكم “إما أنا أو أحرق البلد”، جعل صوت السلاح هو الصوت الوحيد المسموع مع كل ما يخلفه من دمار وقتل. يضاف إليه ما حلّ بالجيش الوطني من تشرذم و فساد وطائفية. إن استسهال استعمال السلاح دفاعاً عن كرسي الحكم أشاع الإنقسامات والاستقطابات والدعوة لتدمير الآخر، بدل القبول بالأمر الطبيعي والفعلي القائم على التنوع بكل غناه. إن اخضاع مستقبل سوريا للأطماع والتجاذبات الاقليمية والدولية انتهك المقدسات الوطنية ارضاً وقيماً ومؤسسات. وعليه، كان الرد البارد من قبل النظام وأهله على خطوة ضم الجولان، واعتباره جزءاً من ارض اسرائيل بقرار من الرئيس الاميركي الذي أعطى “ما لا يملك لمن لا يستحق.” سببه ما وصلت اليه حالة البلاد من تشرذم وتقاتل.
إن هم السلطة ليس الوطن، بل ما يعزز تسلطها وفسادها وامتيازاتها وقد استجرت من أجل المحافظة على كرسي الحكم كل أنواع الفساد والتدخلات الخارجية.
إن واقع بؤس حياة السوريين مزرية حتى لأولئك الذين يعيشون تحت كنف النظام وفي عاصمته، ويكفي أن نعرف أن واقع الليرة السورية اليوم يساوي اقل من 10% من قيمتها مقابل الدولار، ومما كانت عليه قبل العام 2011. يضاف إلى ذلك شبكة الفساد المعششة في الجهاز الإداري للحكومة، والارتفاع الهائل لأسعار المواد الاستهلاكية، عدا النقص الحاد في المحروقات وفي مصادر الطاقة من كهرباء ومازوت وبنزين وغاز، يضاف، المعاناة من إعادة هيكلة السكان كما في دمشق وفي ادلب وغيرها، أما اؤلئك الذين ابتلعهم البحر والذين يعيشون في مخيمات بلاد الجوار فحدّث ولا حرج عما يعانونه من انواع الفقر والحرمان والفاقة.
وحدة التراب السوري علامة تساؤل. وما زالت مناطق الشمال غربي الفرات وشرقيه خارجة عن سلطة المركز، وادلب إكتظت بأعداد المهجرين الذين يشكلون هماً انسانياً وسياسياً وديموغرافياً. وما زالت خطة روسيا الهادفة الى إحاطة ادلب بمنطقة منزوعة السلاح دون تطبيق. لكن الأهم في المسعى الروسي هو التوافقات التي عقدتها مع اسرائيل وأباحت بموجبها للأخيرة القيام بأعمال القصف من جنوب سوريا إلى شمالها في منطقة حلب. أضف أن ما رُسم لمنبج لم يتم تطبيقه بعد، ولم تنتظم الدوريات التركية الامريكية المشتركة، جراء تعثر المفاوضات حول المنطقة الآمنة شمال سوريا بين الطرفين. رغم ادعاء أنقرة انها تمتلك الإمكانيات لنقل تجربتها غرب الفرات إلى شرقه. وزير الدفاع التركي ومن الولايات المتحدة الاميركية يصرح أن غاية تركيا هي تجريد مسلحي الوحدات الكردية من أسلحتهم وإبعادهم عن حدودها ما بين ثلاثين إلى أربعين كيلومتراً. والمبعوث الاميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري يقول إن بلاده تعمل مع تركيا على إعلان منطقة آمنة خالية من الوحدات الكردية شمالي سوريا لتبديد مخاوف أنقرة الأمنية. وفي السويداء المحافظة الجنوبية ذات الغالبية الدرزية فلتان أمني وانتشار فوضوي للسلاح تغذيه خلافات مع النظام بسبب رفض الأهالي الخدمة العسكرية خارج المحافظة، وتكاثر عمليات الخطف مقابل فدية؛ وشيوع الفقر والعوز وانعدام الأمن.
الصراع الاقليمي السعودي الايراني والتركي السعودي والرعاية الروسية للحروب على أرض سوريا تتجلى في مواقف متعارضة متناقضة، أهمها التواصل الروسي السعودي عبر المبعوث الخاص للرئيس بوتين الكسندر لافرنتسييف، والذي حمل من الرياض مواقف أهمها الإصرار على وحدة الأراضي السورية، وإدانة ما يفعله الأتراك في الشمال تحقيقاً لأطماعهم، مؤكداً أن السعوديين مهتمون بتحقيق تسوية دائمة على أساس قرار مجلس الأمن 2245، وهم مستعدون لتقديم الدعم المادي لإعادة إعمار سوريا. كما أيّدت التوجه الروسي لطرد المجموعات المسلحة من ادلب. لكن اللافت أن الولايات المتحدة الاميركية فرملت الإندفاعة السعودية، إذ نقل بومبيو وزير خارجيتها في جولته الأخيرة إليها موقفاً واضحاً يرفض التعامل مع دمشق، كما نقل الموقف نفسه للقيادة المصرية، وضغط على لبنان لفرملة اندفاعه نحو سوريا. فواشنطن متمسكة “بحجب كل شيء عن سوريا ما دام حلفها مع ايران قائماً.” ظريف وزير خارجية ايران يعمل على خط تحسين العلاقة السورية التركية وعودة العلاقات إلى سابق عهدها وفتح صفحة جديدة.
فإيران تريد القيام بدور الوسيط، و تركيا تريد التفاهم مع دمشق في شان كيفية التعاطي مع ملف وحدات حماية الشعب الكردي. وما بين مصالح السعودية وايران وتركيا واسرائيل ومطامع روسيا والولايات المتحدة الاميركية تضيع مصالح الشعب السوري الذي يزيد من مأساته حدة الهجوم الاسرائيلي المتصاعد والدائم والفاضح دون أدنى رادع، وهو ما يتم برعاية وتشجيع امريكي معلن بلسان ترامب وبتوقيعه.
[author title=”محمد حسن” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]