سياسة مجتمع منشورات

عودة نتنياهو والمخاطر المتصاعدة على القضية الفلسطينية

وبذلك يكون نتنياهو قد حقق ما لم يحققه أسلافه على صعيد تكريس يهودية الدولة وضم ما تريده من أراض لها سواء أكانت فلسطينية أو سورية أو لبنانية. ويراهن نتنياهو على تطوير الاعتراف بوقائع الاحتلال من الصعيد الاميركي إلى المستوى العالمي،

نجح بنيامين نتنياهو في العودة إلى الحكم في اسرائيل عبر حكومته الجديدة اليمينية المتطرفة ، وهو أمر كان في حكم المرجح قبل أن تكشف صناديق الاقتراع عما في داخلها. حدث ذلك بفعل جرعات الدعم التي تلقاها من جانب الولايات المتحدة الاميركية وروسيا، بالاستناد إلى خواء الموقف العربي وعجزه عن مواجهة الخطة الاميركية الزاحفة على فلسطين والجولان والحدود البحرية ومرتفعات كفرشوبا وشبعا في لبنان، والتي تتعدى مخاطرها هذه المناطق لتطال كلاً من مصر والاردن والمملكة العربية السعودية. 

والواقع أن ما حصل عليه نتنياهو من هدايا غطى على الفضائح التي طغت على حكمه في غضون الأشهر السابقة على الانتخابات، وهي هدايا قدمها ترامب عبر الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة اسرائيل ونقل السفارة الاميركية إليها ودمج قنصلية القدس بها، والتغطية على قانون قومية الدولة اليهودية، وقطع المساعدات الاميركية عن وكالة الاونروا ومنظمة التحرير والمجتمع المدني الفلسطيني في الاراضي المحتلة، وأخيراً لا آخراً الاعتراف بأن الجولان السوري جزء من الكيان الاسرائيلي. يجب أن يُنظر إلى هذا كله في ضوء صفقة القرن التي يتم الترويج الاميركي لها. والتي تنظر إلى القضية الفلسطينية بوصفها أزمة اقتصادية ومعيشية تحل بأموال عربية في كل من الضفة والقطاع .

على الصعيد الروسي حصل نتنياهو على هديتين من بوتين، الاولى منهما تمثلت في إعادة الدبابة الاسرائيلية ، والثانية عبر تسليم جثة جندي اسرائيلي كان قد فُقد مع رفيقيه في معركة السلطان يعقوب عام 1982. هذا دون أن ننسى أن بوتين سمح لاسرائيل برفع وتيرة هجومها على الوجود الايراني وحلفائه في عمق الاراضي السورية حتى منطقة حلب شمالاً. إذن ساهم العاملان الاميركي والروسي، وكل لأسبابه الخاصة، في إعادة تعويم نتنياهو الذي كان موقعه الداخلي مهدد بعد التحقيقات التي أجريت معه ومع زوجته بتهم تلقي الرشاوى والفساد في الدعاوى المرفوعة عليه.

وبدا من التصريحات التي أطلقها نتنياهو قبل ظهور نتائج صناديق الاقتراع أن تركيزه إلى جانب تشريع عدم المس بشخصه وموقعه السياسي، هو شرعنة الاستيطان والمستوطنات في مناطق الضفة الغربية ، فقد وعد بالاحتفاظ بالمستوطنات الكبرى والصغرى، المسماة عشوائية، وعدم إخراج أي مستوطن من مكانه والسعي للاعتراف بذلك اميركياً. وقد أبلغ كلاً من ترامب وكوشنير وغرينبلات وفريدمان بتوجهه هذا حيال صفقة القرن. وعليه تقاطع مع السياسة الاميركية ودفع بها خطوات إلى الأمام عبر التركيز مستقبلاً على الضفة الغربية. وبذلك يكون نتنياهو قد حقق ما لم يحققه أسلافه على صعيد تكريس يهودية الدولة وضم ما تريده من أراض لها سواء أكانت فلسطينية أو سورية أو لبنانية. ويراهن نتنياهو على تطوير الاعتراف بوقائع الاحتلال من الصعيد الاميركي إلى المستوى العالمي، وهو ما يفسر مبادراته في تعزيز موقع اسرائيل مع الدول الافريقية والاميركو لاتينية ومساعيه لنقل سفارات بلاد هذه الدول إلى القدس.

القاعدة التي استند إليها نتنياهو داخلية في المقام الأول، وتتمثل في انزياح الرأي العام الاسرائيلي إلى اليمين، وهو ما بدا واضحاً في مزاج الناخب الاسرائيلي الذي كان عليه أن يختار بين الممثلين المتطرفين والأكثر تطرفاً، ما قاد إلى انحسار ما يسمى بالوسط واليسار. خصوصاً وأن هذا الناخب عاش في ظل استقرار أمني نقل فيه الجيش الاسرائيلي المعركة إلى الاقليم سواء أتمثل بالفضاء السوري، أو توسع لاحقاً احتمالاً إلى كل من لبنان وايران. بمعنى أن ما تحقق لاسرائيل على المستويين السياسي والأمني دفع بالناخب الاسرائيلي للاقتراع لصالح الليكود، ما سمح لنتنياهو بإعادة تشكيل حكومته الخامسة. وذلك بحصول معسكره على أغلبية واضحة، وزيادة مقاعد حزب الليكود في البرلمان إلى 65 مقعدًا من أصل 120، في حين حصل الليكود منفردًا على 36 مقعدًا مقابل 30 مقعدًا في الانتخابات السابقة بفعل استعادته أصواتاً من أحزاب يمينية متطرفة بفعل الدعاية المكثفة لليكود التي منعت من التوجه إلى حزب “أبيض أزرق” ما حال دون نجاح  بيني غانتس بتشكيل الحكومة الذي حصد 35 مقعدًا، لكن هذا الإنجاز لم يمكّنه من الوصول إلى الحكم، و لم يمنع معسكر الليكود من الانفراد بالسلطة.

وحصل حزب “كلنا”، بقيادة موشيه كحلون، في هذه الانتخابات على أربعة مقاعد، مقابل عشرة في الانتخابات السابقة، و حزب إسرائيل بيتنا، بقيادة أفيغدور ليبرمان، على خمسة مقاعد، مقابل ستة سابقًا. وحصل اتحاد أحزاب اليمين الفاشي على خمسة مقاعد، وحصل حزب شاس الديني الحريدي الشرقي على ثمانية مقاعد، مقابل سبعة سابقًا، وحافظ حزب يهدوت هتوراه الديني الحريدي الغربي على قوته؛ بسبعة مقاعد. وفشل حزب اليمين الجديد، بقيادة نفتالي بنيت، وحزب زهوت بقيادة موشيه فيجلين، وحزب تسومت بقيادة أورن حازن، في اجتياز عتبة الحسم.

كان الخاسران الأكبران هما حزب العمل وحلفائه الذين حصلوا على 6 مقاعد فقط من أصل 24 والأحزاب العربية التي تراجعت من 13 مقعدا بفعل انشطارها إلى 10 مقاعد، وهوإنقسام تتحمل مسؤوليته كالعادة قوى التيار الاسلامي.

الآن يقف الفلسطينيون أمام هذه الوقائع التي أرستها الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة، والتي يضاعف من مخاطرها الاحتضان الدولي الاميركي والروسي لسياسة نتنياهو مع المنحى اليميني للاسرائيليين. وهي مخاطر لا يملك الفلسطينيون سوى خيار الصمود إزاء مجرياتها الزاحفة والتي تهدد وجودهم. من هنا تتمثل أهمية العمل بشتى السبل والوسائل من أجل استعادة وحدتهم الوطنية، طالما أن ما ينتظر الضفة ليس سوى الضم الزاحف، وقطاع غزة هو الحصار بشتى أشكاله. يقف الفلسطينيون بمفردهم دون أن يعني ذلك أن حظوظ كسرهذه الموجة العاتية معدومة، بل على العكس، فالفرص متاحة إذا ما تأمنت الشروط الداخلية والعربية والدولية، وهي موجودة وبحاجة إلى ديناميات فعلية فلسطينية أولاً، باعتبار أن التناقضات العربية والدولية أمام “صفقة القرن” تجعل نفاذها أمراً متعذراً إن لم نقل مستحيلاً.

[author title=”عماد زهير” image=”http://”]كاتب لبناني[/author]