صحف وآراء مجتمع

حرب غزة: القطاع الصحي والمدنيين الفلسطينيين في عين العاصفة

د. وهيب سلامة

صور ـ 14 كانون الاول 2023 ـ بيروت الحرية

تكاد حرب غزة تدخل كتاب غينيس في فرادتها .إن كان لجهة كم الاجرام الممارس من قبل الدولة الصهيونية، او لتعدد المجازر التي ترتكبها قواتها، والتي وصلت الى مستويات الابادة الجماعية، وجرائم الحرب الموصوفة، والتي طالت السكان المدنيين، والبنية التحتية الحضرية، بما فيه القتل العمد للكوادر الطبية والمؤسسات الصحية والاستشفائية، وعمال الاسعاف والدفاع المدني، وكذلك الصحفيين والمؤسسات الاعلامية، مع التدمير الممنهج للمنازل والابنية السكنية، والادارات والشركات والمؤسسات العامة والخاصة والبنية التحتية من طرقات، ومجارير وامدادات المياه والكهرباء والمحروقات.

كذلك تتفرد هذه الحرب بالاعداد الضخمة والكم الهائل من المجازر الجماعية، واعمال القتل التي تستهدف الاطفال والنساء  والمدنيين الاخرين. حيث فاقت اعداد الشهداء من النساء والاطفال ال٨٠٪؜ من الـ ١٨٠٠٠ الف شهيد الذين سقطوا حتى كتابة هذه السطور، عدا الالاف من الشهداء والمفقودين تحت ركام الابنية المنهارة.!!

والميزة الاخرى لهذه الحرب كمية المقذوفات التي القيت على القطاع الصغير والتي لا تزيد مساحته عن 350 كلم٢ . يضاف الى هذا ميزة أخرى معبرة هي المشاركة الاميركية الفاضحة في الحرب الاسرائيلية لاقتلاع الشعب الفلسطيني، و اعلنت بوضوح الدعم المادي والعسكري والسياسي والمالي، عبر تحريك وارسال الاساطيل وحاملات الطائرات ـ اثنتين هي الاحدث والاكبر الى مياه المتوسط، وارسال الخبراء العسكريين والمتخصصين. والاهم الزيارة السريعة والمبكرة لرأس الدولة الاقوى في العالم  والتبني المباشر والعلني للسردية الصهيونية للحرب!؟

هذا الدور الاميركي والذي ترجم برفض قاطع لوقف اطلاق النار، وبوضع الفيتو داخل مجلس الامن لثلاث مرات متتالية، واخرها الاحتماع الذي عقد بطلب مباشر من الامين العام للامم المحدة وبتفعيل منه للمادة 99 من الميثاق العائد لها كوسيلة لوقف المجازر والحرب التي تهدد الامن والسلام العالمي. وهو الموقف الاميركي الوقح والذي يتعامى عن رؤية مشاهد الاجرام المرتكب بحق الشعب الفلسطيني وصور الشهداء من الاطفال التي هزت ضمائر شعوب العالم  قاطبة التي نزلت الى شوارع العواصم والمدن العالمية غاضبة ومنددة بالعدوان ومتضامنة مع شعب فلسطين.

كذلك فإن السابقة العالمية والمميزة لهذه الحرب هي الارتكابات والفظائع التي مورست بحق المستشفيات والمؤسسات الصحية والعاملين بها من اطباء وممرضين وموظفين اضافة الى المرضى والمصابين، حيث تحولت المستشفيات الى اهداف مباشرة ومحاور قتال تحت حجج واهية وسرديات واتهامات من قبل المحتلين المهاجمين، والتي ادت الى ممارسات القتل العمد والتدمير والتفتيش والاقفال لجميع المستشفيات العاملة في شمال القطاع اولاً لتستكمل نفس الممارسات بحق مستشفيات جنوبي القطاع وشعبة المهددين بالدمار والاقتلاع كأسلوب فاشي وعقاب جماعي لترهيب السكان ودفعهم الى الهروب والرحيل عن بيوتهم وارزاقهم. هذة الممارسات المشينة والمدانة قانونياً وانسانياً بحق هذة المؤسسات الاستشفائية تستهدف التأسيس لاعراف وممارسات تنال من القوانين الدولية والانسانية والقوانين الخاصة بالحروب التي تمنح الاطباء والعاملين الصحيين والمسعفين والمستشفيات الحماية والامان، وتمنع التعرض للمدنيين والمؤسسات المدنية والحيوية وتبعدهم عن التعرض ومناطقهم للاستهداف المباشر. اذ ان الاطباء يلتزمون قسم ابقراط -الذي يلزمهم تقديم واجب المساعدة والعلاج لاي انسان مريض او محتاج بغض النظر عن دينه وجنسيته وانتمائه العرقي ولون بشرته او عقيدته، ولا تفرق بين العدو والصديق.

لقد تحولت المستشفيات في قطاع غزة جنوباً ووسطاً وشمالا الى اهداف حربية مباشرة لنيران الاحتلال وممارساته الهمجية، وصل حد القتل للاطباء والممرضين والمسعفين، وقطع انابيب الانعاش الحيوي، وقطع امدادات الكهرباء، وتدمير مولدات الطاقة الخاصة بالمستشفيات وتعريض حياة المرضى والمصابين والجرحى بمن فيهم الاطفال الخدج للموت المحتم .

اضافة الى ممارسات الاقفال والترحيل للمرضى والنازحين الهاربين طلباً لامان مفقود في حرم المستشفيات، بعد اقفالها او تدميرها كما حصل لمستشفيات: الشفاء والمعمداني والاندونيسي واربع مستشفيات للاطفال وآخرها المستشفى الاردني .

هذا التحول والخرق للمواثيق الدولية والاعراف الانسانية يهدد البشرية جمعاء، بما يمكن ان يتحول الى مثال للعديد من الدول والمجموعات الارهابية، والجماعات المتحاربة، كممارسة طبيعية لا تحتمل المحاسبة والعقاب .

وكان مثيراً ومعبراً ما  رواه الطبيب والجراح الفلسطيني الشهير غسان ابوستة -والذي يرأس قسم الحروق في  مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت ، والذي امضى ٤٣ يوماً في مدينة غزة خلال تشرين الاول مع  فريق منظمة ” اطباء بلا حدود”. ولفت ابو ستة في محاضرة استضافها المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية مساء الثلاثاء الماضي ٥/ كانون اول بعنوان ” تدمير القطاع الصحي الفلسطيني في غزة: مواجهة الكارثة والتهجير ” الى ان استهداف القطاع الصحي بدأ منذ اندلاع الحرب الاسرائيلية على غزة .وقد ترافق الامر مع سردية اسرائيلية تقضي بأن المستشفيات تخفي تحتها انفاقاً لكتائب القسام وغرف سيطرة ميدانية عسكرية  .وابوستة كان شاهدا على كذب ذلك. وكان شاهدا على هول حرب الابادة التي طالت تهديم المستشفيات ايضاً ومن ضمنها اربعة مستشفيات للاطفال استُهدفت مباشرة .حيث استعرض الطبيب ابو ستة حصار الاحتلال لمستشفى الشفاء واقتحامه، والذي شمل تقطيع انابيب الاوكسجين عن قسم الولادة لرؤية الاطفال الخدج يموتون ببطء.وهذا إلى جانب ما قام به جيش الاحتلال عندما تُرك الاطفال الخدج يتحولون في مستشفى النصر إلى جثث، اذ كان الهدف منه وضع الفلسطيني امام هول المشهد وتوقع ما هواسوأ، كما قال .

وتطرق الجراح ابوستة الى نفاذ مواد التعقيم في مستشفيات الشفاء والمعمداني ، حيث لجأ الى استعمال الصابون المحلي والخل ، مشيرا الى انه كانت الاولوية في العلاج تخضع لفرز اضطراري يسهم فيه اهالي الضحايا، كأن يفاضلون بين جريح من اسرة اكبر عدداً، وآخر من اسرة قليلة العدد. وعرض الدكتور غسان تفاصيل غير مسبوقة تركها القصف على اجساد الفلسطينيين كالبتر على طريقة المقصلة، سببته صواريخ هيلفاير التي تطلقها المسيرات فتتلقى اجساد  الناس شظايا حديدية .

وانتقد الطبيب ابوستة دور المنظمات الدولية التي تنفذ التوجهات السياسية للدول المانحة. متسائلاً في السياق عن المجتمع الدولي برمته  وهو يرى مقتل ٨ الاف طفل، و كيف قررهذا المجتمع التخلي عن كل ما انجزه من قوانين اعقبت الحرب العالمية الثانية؟ وتناول التقرير المنحاز الذي اصدرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” بخصوص قصف المستشفى المعمداني، وقال انها لم تكلف نفسها الاتصال بمدير المستشفى الطبيب ماهر عياد، الذي تلقى مكالمة هاتفية من ضابط اسرائيلي ينذره باخلائه، وتحمل المسؤولية في حال عدم الاستجابة، كما لم تتواصل مع المواطنين .

ازاء هذه الاوضاع المأساوية والتفلت الاجرامي الصهيوني، واستمرار العدوان والاستهداف للشعب الفلسطيني حصارا ومجاعة وتدميراً وقتلاً كجزء من خطة الاقتلاع والابادة الي ينفذها العدوان الصهيوني بغطاء اجرامي اميركي اعلن مباشرة رفض قرارا اممي قدمته دولة الامارات العربية المتحدة يقضي بوقف اطلاق النار، وبالتالي وقف المجازر الصهيونية وممارسات قوة الاحتلال .

ان المجتمع الدولي، والمؤسسات الانسانية والحقوقية والشعوب والدول مطالبة  بالتدخل السريع لوضع حد لعملية الابادة الجماعية  للشعب الفلسطني، ومحاسبة ومحاكمة المجرمين الفاعلين امام المحاكم الدولية الجنائية  المختصة  “كمجرمي حرب” وبتهم الابادة الجماعية، وانزال اشد العقوبات بالفاعلين من سياسيين وعسكريين .

Leave a Comment