ابراهيم حيدر*
الورقة الوحيدة التي تتسلح بها رابطات التعليم الرسمي، وايضاً “متفرغو” اللبنانية وسائر الأدوات في القطاع العام، هي المقاطعة والإضراب المفتوح لتحصيل الحقوق، وهي اليوم تقتصر على تصحيح الرواتب لزيادة بدلات النقل والتقديمات لتحسين القدرة المعيشية، وللتمكن من ممارسة الوظيفة والوصول إلى العمل. وبهذه الورقة يضغط الاساتذة لكنهم في الوقت نفسه لا يكترثون في هذه الأوضاع المزرية والانهيار، لعناوين أخرى منها استعادة المؤسسات وضمان استمرارها وحماية التعليم وصيانة الوظيفة بمكافحة الفساد، وكلها أمور لا تتحقق إلا بالاستقرار، وبإعادة بناء الدولة بعيداً من المحاصصة والاستئثار، والمصالح الخاصة لأهل الحكم والطبقة السياسية المتحكمة بأمور البلاد والمتجذرة في بيئاتها الطائفية. التركيز على الرواتب والوضع المالي، وإن كان أولوية بالنسبة إلى الاساتذة والموظفين وهو حق لهم، إلا أنه سيف ذو حدين، وابرز مثال على ذلك أنه كلما زادت السلطة العطاءات والمساعدات والمنح أو ما بات يتعارف عليه براتب إضافي أو أكثر، يؤدي ذلك إلى مزيد من الانهيار والتضخم وغلاء الأسعار وتهاوي العملة الوطنية، ذلك أنه من دون إطار قانوني ناظم يعزز المؤسسات ويستعيد هيبة الدولة ويرسخ الاستقرار، ستبقى الأزمة قائمة وربما تتفاقم أكثر بحيث تفقد كل التقديمات قيمتها، ولا يبقى أمام المعلمين وسائر الموظفين في القطاع العام، إذا بقيت هذه المقاربة سائدة حول المطالب، إلا البقاء في منازلهم ينتظرون الفرج عاجزين عن فعل أي شيء.
النقطة الثانية التي لا يتنبه إليها المعلمون والموظفون، أن تحركهم أو مقاطعتهم اليوم لا يمكن فصلها عما يجري في البلد، اي أن مطالبهم لا تتحقق ولا تستقر أوضاعهم إلا بعودة المؤسسات، فكلما حظي تحركهم بتأييد من الراي العام واحتضنته الحركة الشعبية كلما بات أقرب إلى التحقق. والمفارقة التي نشهد تجلياتها واضحة، وهي أن تراجع الدعم الشعبي أو ضغط الناس على السلطة يؤدي إلى زيادة الاعمال الفردية والتحركات المتفرقة في القطاعات، بحيث يسعى كل مكوّن نقابي أو تمثيلي أو فردي إلى تحصيل حقوقه لوحده، فيما السلطة بما تُمثل لا تكترث للمطالب ، ولا تجهد لحلها لا في التعليم ولا بتعزيز المؤسسات، ولا ترفع يدها عن مصالحها بالتنفيعات التي كرستها على مدى عقود. وعندما تتشتت الحركة الشعبية أو تنأى عن ممارسة الضغوط، نشهد عنفاً فردياً كما يحدث في اقتحامات المصارف لتحصيل ودائع فردية، وهي ممارسة لا يمكن تعميمها على جميع المودعين، وكان الرد بإقفال المصارف وخسارة الناس لمزيد من أموالهم. المسالة ليست مزايدة على الاساتذة والموظفين الذين خسروا الكثير، ولم يعد بمقدورهم الوصول إلى مؤسساتهم ومدارسهم، إلا أن الانهيار لا يعنيهم وحدهم، بل يطيح بكل بنى الدولة وبحياة الناس. وحين ينتظرون ما سيقره النواب في الموازنة من تقدمات وزيادة ثلاثة أضعاف
الرواتب كشرط للعودة الى المدارس والتعليم والوظيفة، فإنهم ينفصلون عن الحركة الشعبية أو عن أكثرية اللبنانيين الذين يريدون تعليم أبنائهم وانجاز معاملاتهم واستعادة ودائعهم، وإن كانت السلطة تتحمل المسؤولية الاولى عن الازمة والانهيار. ولعل أحد الامثلة التي شهدناها الأسبوع الماضي في الاعمال التحضيرية لبدء السنة الدراسية في الرسمي. إن المقاطعة تدفع الناس إلى البحث عن بديل لأولادها في الخاص، ولا تتضامن مع الأساتذة وآلامهم، ما يفرض إعادة النظر بطريقة التحرك والتفكير بمقاربة مختلفة تعيد الاعتبار لمعنى التحرك النقابي بحاضنة شعبية ضاغطة.
*نشرت في صحيفة النهار في 21 -09-2022 .
Leave a Comment