سياسة

“بيروت الحرية”.. الموقع والموقف

هيئة التحرير    

وسط فضاء افتراضي لا متناه يطل موقع “بيروت الحرية” الالكتروني على جمهوره وأصدقائه من القرَّاء والمهتمين والمتابعين. وفي مثل مناخ الطوفان الراهن يُطرح السؤال البديهي التالي: هل ثمة مكان وسط هذا الزحام لمثل هذا الموقع؟

بالنسبة لنا نحن المشرفين عليه نجيب نعم بالتأكيد، وسنحاول في المقبل من الأيام إثبات ذلك عبر التحليل والموقف والنقد لما هو سائد من أنظمة ومنظومات رسمية وأهلية. صحيح أن هناك مئات المواقع وبعضها يقدم مواداً أكثر تنوعاً، لكن الكثير منها محكوم للجهة الممِّولة. وبديهي أن من يحصل على تمويل هذه الجهة أو تلك أن ينطق بلسانها ويضرب بسيفها. وهنا بيت القصيد الذي نختلف فيه كأصحاب مواقف عن أصحاب المواقع الالكترونية هؤلاء، باعتبار أننا ننطلق من موقع الاستقلالية والالتزام بالمصالح الوطنية والقومية والاجتماعية لأوسع شرائح في المجتمع اللبناني والمجتمعات العربية.

ولعل السبب الرئيس في اطلاق هذا الموقع يقع هنا بالضبط، لأننا لم نتعود ولا نستطيع ممارسة سياسة الصمت في ما الكيانات تتفكك والمجتمعات العربية تتمزق أشلاء بين نزوح وتهجير وقمع سافر وجوع مقيم وبطالة مستشرية. قمع تستعمل في ممارسته الترسانة والمؤسسات والبنية الأمنية، سواء أكانت نظامية أو شبه نظامية أو أهلية. ويضاعف ذلك، ويترافق معه سياسة إفقار وعجز عن تحقيق الحد الأدنى من مقومات وسبل العيش الكريم، والذي بات حلماً بعيد المنال لمن كانوا بالأمس القريب مصنفين في خانة الطبقة الوسطى. ولذا يتهدد الجوع الحقيقي معظم اللبنانيين والعرب وترتفع معدلات الهجرة الشرعية وغير الشرعية من بلادنا، ولا سيما بين الفئات الشبابية وتصل إلى أرقام خيالية لم تشهدها مجتمعاتنا من قبل.

“بيروت الحرية” ليست موقع هواة أرادوا أن يُسمعوا أصواتهم وسط الصخب، فبيروت تحيل مباشرة على عاصمة لبنان، المدينة التي كانت حريتها في السياسة والصحافة والفنون والآداب السبب الرئيسي في محاولات تدميرها، مرات ومرات على يد الاحتلال الصهيوني وبواسطة قوى عربية، مارست سلطتها وتسلطها عليها ردحاً طويلاً من الزمن، دون أن تنجح في كبح جماحها نحو ارتياد آفاق حرية وتحرر الانسان اللبناني والعربي من وهدة التخلف والطائفية والمذهبية والحروب الأهلية المستترة والمعلنة. كما أن كلمة “بيروت” بالنسبة لنا تحيل إلى موقع ومجلة “بيروت المساء” التي لعبت منذ العام 1982 وحتى الشهر الفائت، وعلى امتداد هذه العقود وحتى العدد الأخير منها، قبل أن تحتجب مؤقتاً عن الصدور لأسباب قانونية، دورها كحاملة راية في النضال ضد الغزو والاجتياح الصهيوني لعاصمة بلادنا، كما أعلت أعلام الفكر التقدمي اليساري الديموقراطي والعلماني النقدي.

أما “الحرية” فإضافة إلى دلالاتها كمصطلح يعبر عن نزوع الانسان نحو تحطيم أغلاله وقيوده مهما كان نوعها، فهي تحيلنا إلى جزء من تراثنا النضالي، عندما كانت “مجلة الحرية” هي الناطقة بلسان اليسار القومي العربي ثم منظمة العمل الشيوعي في لبنان لاحقاً. ومن خلال منبرها خاضت أقلامنا التي عكست أفكارنا ورؤانا ومواقفنا، وفي طليعتنا اميننا العام الراحل محسن ابراهيم، كما برزت ممارستنا في المعارك الوطنية ومقارعة الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتشريد شعبها، وأماطت اللثام عن قصور وعجز الأنظمة العربية التي ادعت التقدمية عن خوض صراع حقيقي وناجح في شتى ميادين التحديات المطروحة سياسية واقتصادية واجتماعية وديموقراطية وتنموية. الحرية هي صنو للعاصمة اللبنانية ولعل أيام هذه المدينة الزاهرة والزاخرة وعصرها الذهبي ارتبطت دوماً بقيمة الحرية كمعيار لكل القيم التي يسعى الانسان لبلوغها وتحقيقها. وعندما نصيغ هذه التسمية المتداخلة فتكريماً للمدينة التي تتكالب محاولات نسف تراثها من الداخل الطائفي الذي يراها مجرد مساحات مفروزة لمحاصصاته الفئوية، والخارج الذي يعتبرها مجرد ساحة على ضفة المتوسط من المهم له إخضاعها لنفوذه وحسابات مصالحه. إن هذا التكريم هو تكريم لشهداء وجراح أهلها الذين تعودوا النهوض بعد كل محنة ألمت بهم، وآخرها جريمة تفجيرها مرفئها في الرابع من آب الماضي.

لا نتوهم، وندعو قراءنا ألا يتوهموا أن لدينا أكفأ الأقلام، وأن بمقدورنا تغطية كل المجالات من الفكري إلى السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي وكل الهموم والأوجاع المحلية والعربية، لكن هذا لا يمنعنا من القول إننا سنكون الأكثر إلتزاماً على النضال لخروج الدول والمجتمعات العربية من حال الاختناق الشاملة التي تتخبط فيها، وهو ما لا يتم إلا من خلال كشف وتعرية الأغلفة المزركشة بأحدث تكنولوجيا الاعلان والفن الدعائي. لكن مثل هذا التعهد الذي نقطعه على أنفسنا يدفعنا في الوقت نفسه إلى دعوة الأصدقاء وكل من يعنيه نهوض هذه البلاد على طريق التقدم والحداثة وحقوق الانسان وحريته، أن يساهم معنا نقداً وكتابة وجدلاً. فهذا الموقع لن يكون حكراً على ناشريه كتنظيم وجهاز تحرير، إذ المساهمة في إغنائه ستكون متاحة أمام الآراء المتنوعة التي تتباين شكلاً وتتلاقى مضموناً على احتضان هذه التجربة، والتفاعل مع ما تحمله من هموم ومشاغل تصب في المحصلة في مجرى استعادة هذه البلاد والارض قرارها المستقل، من مستنقع الدم والدمار الذي تغرق في لجته. وعليه لن يكون موقع “بيروت الحرية” لمنظمة العمل الشيوعي، بل منبراً مفتوحاً لكل الحالمين بغد مشرق يجري إنتزاعه بالكدح والكد والعلم والعمل والصراع المثابر.  

Leave a Comment