كتب جورج الهاشم
مشاركة المغترب في الانتخابات النيابية اللبنانية قديمة. كانت تقتصر على انتقال المغترب الى لبنان أيام الانتخابات والتصويت هناك كل في مسقط رأسه. الطلب على المغتربين كان يشتدّ ويزداد عندما تحتدم المعركة في قضاء من الأقضية. يتصل المرشح بمفاتيحه الانتخابية في المغتربات “فيدبون” الصوت. يتطوع الأتباع للسفر الى لبنان. بعضهم على حسابهم الخاص، والبعض الآخر يتبرع متمولون طامحون لتغطية تكاليفهم. انتخابات 2009 و2018 كانت مختلفة. انتخابات 2009 كانت المنافسة محتدمة بين قوى 14 و8 آذار. في الدوائر المتقاربة النتائج كان للصوت الاغترابي دور فاعل. مما دفع اللوائح المتنافسة الى تخصيص ميزانيات ضخمة لدفع ثمن بطاقات السفر للمغتربين. ونشطت الأحزاب في تجنيد الأنصار للسفر الى لبنان على حسابها شرط انتخاب مرشحيها. وهكذا يحصل في انتخابات بعض البلديات عندما تكون المنافسة محتدمة.
انتخابات 2018 كانت مختلفة. نقلت المنافسة المتخلفة بين المرشحين، ونقلت نظام الانتخابات الهجين، الى عقر دار المغتربين. إذ أصبح بمقدور المغترب أن ينتخب من مغتربه شرط ان يسجل اسمه في البعثات الدبلوماسية في مهل محددة. ثم تصدر وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة الخارجية لوائح الشطب الخاصة بالمغتربين كل حيث مكان اقامته. من لم يتسجّل يبقى اسمه على لوائح الشطب في لبنان ويبقى بامكانه الذهاب اليه وقت الانتخابات والتصويت هناك ان أراد. في تلك الانتخابات نشطت الأحزاب والمفاتيح في حث الناس على تسجيل أسمائهم وتسهيل استصدار الوثائق الثبوتية لاستعمالها يوم الاقتراع. تمكنوا من تسجيل حوالي 12 ألف منتخب. لم ينتخب منهم الا النصف. وهذه نسبة لا تتجاوز ال 5% من الذين يحق لهم الاقتراع.
تركت هذه الانتخابات نتائج سلبية كثيرة على الكثير من أبناء الجالية اذ نقلت كل خلافات بعض الدوائر الى استراليا. واعادت ايقاظ الأحقاد الدفينة، التي اعتقدنا ان الغربة محتها، مثل المذهبية والعائلية والخلافات الضيعوية الضيقة. وساهمت في ترسيخ التفتت والتشرذم بين أبناء الجالية.
في انتخابات 2022 ان حصلت، على كل قارة ان تنتخب واحدا من بين مغتربيها ليمثلها في ساحة النجمة. ورغم المآخذ الكثيرة المتمثلة في العدد الضئيل المخصص لملايين المغتربين (6 مقاعد)، وفي عدم الانصاف من حيث تفاوت عدد المقترعين بين قارة واخرى (واحد لكل قارة)، وفي طائفية المقاعد (لم يتّفقوا عليها بعد). الا انها تبقى أفضل من الانتخابات السابقة بكثير اذ ان المرشح سيضطر الى خوض الانتخابات ببرنامج يأخذ مصلحة الجالية بشكل عام، وعلاقتها بالوطن، وكيفية تحسين هذه العلاقة لمصلحة الطرفين. من هنا نعتبرها عامل مساعد لتوحيد الجالية حول مطالب أساسية محددة تتبلور مع احتدام التنافس. اذ ليس مطلوبا من المرشح عن الجالية اللبنانية في استراليا أن يؤمِّن لنا الماء أو الكهرباء أو الدواء أو العمل أو معاش التقاعد أو أي من الضمانات الأخرى التي نتمتع بها هنا على كل حال، لأننا مواطنون متساوون أمام القانون. ليس مطلوباً من المرشح الا التفتيش عما يجمع بين مغتربين موزعين على مسافات شاسعة في كل قارة.
باستثناء التيار الوطني الحر، صدرت مواقف عن معظم الأحزاب اللبنانية بالتراجع عن قانون تمثيل المغترب والعودة الى القانون الذي طُبِّقَ عام 2018. أي نقل كل تخلف قانون الانتخاب وكل الاساليب الحقيرة لزعماء الطوائف والاقطاع وتوزيعها بالتساوي على القارات. حتى التيار الوطني لم يكن مرة جدياً في طرحه. والدليل انه لم يضع، ولا مرة، هذا البند للنقاش على جدول أعمال أي مؤتمر من مؤتمرات الطاقة الاغترابية التي عقدها في لبنان وحول العالم، رغم مشاركة آلاف المغتربين بهذه المؤتمرات. وإذا كان المغترب، في مؤتمراته، غير معني بمناقشة قانون انتخاب المغترب، فمن هو المعني اذن؟
قبل انتخابات 2018 نشرت مجموعة من الناشطين، سلسلة مقالات حول قانون الانتخاب الجديد ثم دعت الى ندوة لمناقشة أهمية المشاركة الاغترابية. معارضة ممثلي الأحزاب لتخصيص مقاعد للمغتربين كانت نسخة طبق الأصل عن مواقف أحزابها في لبنان. وفضّلت ان يصوِّت المغترب كما في 2018 لمرشحي القضاء الذي غادره من أربعين أو خمسين سنة أو الذي غادره والده أو جدّه منذ سبعين أو مئة سنة. أي استحضار كل الخلافات اللبنانية والمنافسات المذهبية والعائلية والمناطقية مما يزيد في شرذمة الجالية. بينما خوض المعركة على أساس تمثيل المغترب لنفسه لا يمكن أن تُخاض الا ببرنامج توحيدي على صعيد كل الجالية.
يبقى ان الكثيرين من الناشطين في المغتربات يطالبون بزيادة عدد نوابهم، وأن يتناسب عدد ممثلي كل قارة مع عدد المسجلين فيها للاقتراع. وأن يكون التوزيع خارج القيد الطائفي. فلو تسجَّل في اوروبا مئة الف منتخب، وتسجّل في استراليا خمسين الفا مثلاً، يجب ان تتمثّل اوروبا بنائبين واستراليا بنائب واحد على سبيل المثال. فاللبناني، الذي يعيش في أنظمة علمانية يخضع فيها كل مسؤول للمحاسبة، اذا مثّل مغتربي قارته في المجلس النيابي اللبناني، ربما يحمل معه، من جملة ما يحمل، بعض رياح التغيير.
* عن موقع المدن الالكتروني
Leave a Comment