مجتمع

… المجدُ مجده معلّما ورفيقا  

الدكتور ابراهيم فرج

أزعمُ، بِتواضع وببساطة، أني كنتُ من الطلبةِ المجتهدين إثناء تحصيلي العلمي وصولاً إلى المرحلة الثانوية..! خلال هذه الفترة أكثر ما كان يشدّ انتباهي هو أستاذ الّلغة العربيّة.
ـ المادة التي أحببتها دائماً ـ رغم ميلي المُبكر ّ نحو حقلِ العلوم العامّة والطبيّةِ منها وبالأخصّ …
حين كنت ُطالباً في ثانوية صور الرسميّة تعرّفت على الأستاذ محمد حسن مروة الذي أضاف إلى تعلّقي بالعلمِ واللغةِ والإجتهاد إضافات وميّزات، حبّ الناس والعمل العام والتطلّع إلى حياةٍ أرقى، طبعت شخصيتي ولم تبارحني حتى اللحظةِ ولأكتشفَ بعدها، وسريعاً، أنَّه رفيقي وقدوتي في النضال وفي نفس المدرسة الحزبيّة (إلتقينا صدفة في نفس المهمّة)… مدرستان تعلّقتُ بهما، ولم أستطع الفكاك منهما ولا بينهما وكان فيهما “أبو حسن”، القاسم المشترك الأكبر … مدرستان شكّلتا، بالنسبةِ لي، عصارةَ كلّ عطاءاتي (نجاحاتي وإخفاقاتي) و مسيرتي، المتواضعة، المهنيّة والنضاليّة…
كيف لي أن لا أتذكّر كلماته وتوصياته الباكرة: من يسعى إلى تحسين وإعادة بناء مستقبلِ البلد وأهلهِ، عليه أن يكون المثال في المدرسةِ والمجتمع والناس والمهنة والعلاقات العامة، مراعياً الحقوق والواجبات وأسمى الأداء…!!(بناء مواطن)..
تلميذك أنا حين كنتُ في يافعِ عمري.. تلميذك بقيت، وانا، على مشارفِ بدايات كهولتي… بقيتُ تلميذك بقرارٍ مني وعن سابق إصرارٍ وتصميم… مردّ ذلك ليس كسلي أو رسوبي، أو عدم قدرتي على متابعتِك، بلّ لِكوّنِكَ خزان لا ينضب ثقافةً وتحليلاً ودراية وعطاءً وجهداً… بقيتُ أنا بحاجة لأبقى على مقاعدٍ في صفْوفك، في مدرسةِ الحياةِ الكبرى، َوبعد المدرسة الصغرى، لتمكين زادي من ثقافتك ونبلك وهدوئك وتواضعك.. باكراً تواصلتُ معك بعد عودتي طبيباً لأعوّضَ ما فاتني على الجبهةِ الأخرى… رائعٌ تواضعك حين كنتَ تُلبيّ رغبتي بسماعِ “تقدير موقف”،منكَ، عن الأوضاع والأحوال وتُسارِع إلى القول: أنا لستُ بأقدرِ منك على الإستنتاجات والخلاصات، فتُبادر إلى إطلاق ورشة نقاش هادىء ومُثمرّ وتبتعد عن لغةِ التلْقين .. رفيقي ومعلميّ أبو حسن: أقرُّ لكَ وأعترف، كمّ كنتُ أخجلُ منك حين نلتقي: مرّةً حين كنتَ تتجشّم عناء الطريق وتأتي، رغم وضعك الصحي، كي تكون على بيّنةٍ من أحوالي على كافةِ الصعُد الشخصيّة والمهنيّة وتفاصيل التحركات النضاليّة. ومرّات أخرى، حين كانت تعتريني، أنا، لحظات وهن ويأس، (صعوبة البلد) فكنتَ بِقدومكَ تشّحذُ همتي بطاقةٍ وأملٍ كبيرين يكشفان عن عمق إيمانك وقناعتك المتينة بمبادئك……
في البالِ دوماً أنت… صوتُك على الهاتفِ، ما زال يصدحُ في مسمعي، وهو يدعوني يوميّاً للانتباه من الجائحةِ، والأطباء في خضمّ معركتهم لمجابهتها، ويحفّزني على نشر كلّ المعلومات المستقاة من كل المصادر واللغات لتجنّبِ تداعيات الوباء والإستفادةِ من تجارب الآخرين، وتوصيني بأن لا أتهاون ولا أتراجع عن الإلحاح على الجميع بالحذر والإنتباه، للحدّ والتقليل من الخسائر بفعل الفيروس المتفلّت….
نفتقدُ حضورك الجسدي لكننا ما برحنا ننهلُ من إراداتكَ الصلبة ومن عزيمتكٌ الصادقة ومن إرثك النضالي والإنساني..
أبو حسن أنت في القلب والعقل…
قُمّ للمعلّم وفِهِ التبجيلا.. المجد مجده معلما ورفيقا.

 

 

 

 

Leave a Comment