اقتصاد

التخفيض “الطوعي” لإنتاج النفط: حقائق وتساؤلات

جاء قرار السعودية وروسيا وست دول أخرى في تحالف (أوبك بلس) بتخفيض طوعي لإنتاجها النفطي بحوالي 1.6 مليون برميل يومياً، مفاجئاً ومربكاً للدول المستوردة وفي مقدمتها أميركا والدول الأوروبية، التي كانت تأمل وتسعى لإقناع دول التحالف بزيادة إنتاجها. فما هي الأسباب الكامنة وراء القرار وما هي تداعياته؟

رغم ضبابية المشهد والحاجة إلى بعض الوقت لتتضح الصورة، فهناك جملة حقائق تطرح جملة تساؤلات وهي:

في التساؤلات

هل يمكن اعتبار التخفيضات مجرد تدبير مؤقت لإحداث صدمة في الأسواق توقف تراجع أسعار النفط الذي تفاقم في ظل حالة الهلع وعدم اليقين التي نجمت عن انهيار بنك سيلكون فالي والذهاب بعيداً في معالجتها من خلال الاستحواذ القسري لبنك (يو. بي. أس) على بنك (كريدي سويس). وكذلك في ظل تدابير الاحتياطي الفيدرالي لمكافحة التضخم. وقد توقع الخبراء فور صدور القرار أن ترتفع الأسعار بحوالي 10 دولارات.

لماذا «طوعي» وغير رسمي

هل يصح اعتبار الصيغة التي اعتمدت لإصدار القرار من حيث وصفه بـ «قرار طوعي» اي غير ملزم. ومن حيث طبيعته بصدوره خارج الاجتماع الرسمي لتحالف (أوبك بلس)، مقدمة أو تمهيد للتراجع عنه بعد تحقيق الغرض منه. خاصة وان غالبية الدول المشاركة لا يمكنها تحمل خسارة جزء من عائداتها المالية لفترة طويلة مثل العراق والجزائر وسلطنة عمان. يضاف إلى ذلك بالطبع تأمين إصدار القرار بدون المخاطرة بنشوب خلافات بين دول التحالف.
هل يصح اعتبار القرار بمثابة تعبير عن الغضب السعودي من الإعلان الصريح والمستغرب لإدارة بايدن الأسبوع الماضي عن وقف عمليات شراء النفط لإعادة بناء المخزون الاستراتيجي الذي تم استنزافه العام الماضي في سياق جهود الإدارة لتخفيض أسعار النفط ومكافحة التضخم. إذ أعلنت وزيرة الطاقة جينيفر غرانهولم «ان بناء المخزون قد يستغرق عدة سنوات»، علماً ان البيت الأبيض كان قد قدم ضمانات للسعودية بشراء كميات ضخمة لبناء المخزون في حال انخفاض الأسعار. ويشار هنا إلى تراجع المخزون العالمي للنفط بمقدار 70 مليون برميل في ديسمبر، وإلى انخفاض مخزونات الصناعة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بحوالي 96 مليوناً عن المستوى القياسي لمتوسط ​​خمس سنوات.

نفط إيران وحسومات روسيا

هل يمكن أن يكون القرار تدبيراً استباقياً لعودة محتملة للنفط الإيراني إلى الأسواق بطريقة شرعية، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاج والصادرات وضغط على الأسعار، خاصة إذا قررت الصين كسر العقوبات الأميركية جزئياً وتدريجياً لضمان عدم استفزاز أميركا بشكل يستدعي الرد.
هل يصح اعتبار القرار رسالة تشجيع «شديدة اللهجة» لروسيا لوقف العمل بالمعادلة «الحارقة» لأسعار النفط وهي البيع بأعلى المعدلات وبأقل الأسعار. لصالح معادلة بيع أقل بسعر أعلى، طالما أن العائدات المالية ستكون هي نفسها تقريباً. ويكتسب التساؤل مشروعيته من الآثار السلبية جداً لاندفاع روسيا خلال الأشهر الماضية، تحت ضغط الإيحاء بعدم الانصياع للعقوبات الغربية، إلى بيع نفطها بسعر يقل بين 35 و 45 دولاراً عن سعر خام برنت، أي أقل بكثير من السقف السعري الغربي. وهو ما رأت فيه السعودية وبقية دول أوبك مصدر خطر على استقرار الأسعار في ظل محدودية الطلب. خاصة بعد تراجع روسيا عن التزامها بتخفيض انتاجها بمقدار 500 ألف برميل يومياً في مارس الماضي، كما أعلن نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك مطلع فبراير.

سر «تنبوءات» وكالة الطاقة

التساؤل الأخير المطروح بقليل من «حسن النية»، هل هي من محاسن الصدف أو دقة «التوقعات والتنبؤات»، أن تعلن وكالة الطاقة الدولية المعادية بحكم أهداف تأسيسها للدول النفطية، أن ميزان العرض والطلب في أسواق النفط سيشهد إنقلاباً في النصف الثاني من العام. فيحدث نقص كبير في المعروض بسبب تراجع الانتاج الروسي وتعافي الطلب الذي سيصل إلى مستوى قياسي قدره 102 مليون برميل. وتوقعت الوكالة أن تقود جهود زيادة الإمدادات الدول الدول المنتجة من خارج أوبك مثل أميركا والبرازيل وكندا.

في الحقائق

هناك تضارب مصالح يتعمق يوماً بعد يوم بين الدول الغربية بقيادة أميركا وبين الدول المنتجة للنفط بقيادة السعودية. فأميركا تضغط بكل قوتها وبمختلف الأساليب لإبقاء سعر النفط بحدود 60 دولاراً للبرميل وهو السقف الذي حددته للنفط الروسي. والأهداف المعلنة والمستترة هي؛ مكافحة التضخم ودعم النمو الاقتصادي والحد من تدفق الاستثمارات إلى قطاع النفط والغاز وتوجيهها إلى الطاقة المتجددة. وهي أهداف تتوافق مع تعهدات إدارة الرئيس بايدن كما يمكن أن تسهم في تحسين شعبيته المتراجعة بتوفير المحروقات بأسعار مقبولة للمستهلك الأميركي.

وذلك ما يفسر الرد الأميركي السريع على القرار، والذي جاء على لسان المتحدث بإسم مجلس الأمن القومي جون كيربي وليس وزيرة الطاقة مثلاً، بما يحمله ذلك من دلالات. والذي اعتبر “التخفيضات غير منطقية في هذا التوقيت”. مؤكداً ان إدارة بايدن « ستواصل العمل مع جميع المنتجين والمستهلكين لضمان أن تدعم أسعار النفط النمو الاقتصادي وانخفاض الأسعار للمستهلكين الأميركيين».

ويجدر التذكير هنا بالأزمة بين واشنطن والرياض في أكتوبر الماضي، بعد فشل الرئيس بايدن خلال زيارته للسعودية بإقناعها بالتراجع عن قرار تخفيض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل، أو حتى تأجيله. ووصل الأمر إلى اعتبار أميركا «القرار عملاً عدائياً»، كما جاء في وثيقة نشرت على موقع البيت الأبيض.

في المقابل ترى الدول النفطية إن تخفيض سعر النفط هو تهديد خطير لمصالحها وتقويض لجهود التنمية فيها، خاصة الدول الخليجية التي تخوض معركة حاسمة لتنويع اقتصاداتها وتأمين الانتقال إلى مرحلة ما بعد النفط، والتي بات واضحاً أنها لم تعد بعيدة في ظل التطورات المتسارعة لتطوير الطاقة المتجددة والحرب الشعواء على الطاقة الأحفورية.

الرد الأميركي

أما الرد الأميركي على القرار، فقد يأخذ شكل حملة سياسية لتحميل دول تحالف (أوبك بلس) مسؤولية ارتفاع الأسعار وتقويض جهود مكافحة التضخم. إضافة إلى ضغوط كبيرة على الدول المعنية بالقرار. ولكن أغلب الظن أن الرد لن يتجاوز الخطوط الحمراء خاصة في ظل تصاعد الحديث والخطوات من قبل الدول النفطية لاعتماد اليوان بدل الدولار في المبادلات النفطية.

توزيع التخفيض الطوعي وحصص الإنتاج

دول أوبك التخفيض الطوعي الحصة الإنتاجية
السعودية 500 10,478
العراق 211 4,431
الإمارات 144 3,019
الكويت 128 2,676
الجزائر 48 1,007
انغولا 1,455
الكونغو 310
غينيا الاستوائية 121
الغابون 177
نجيريا 1,742
مجموع دول أوبك 1,031 25,416

دول من خارج أوبك التخفيض الطوعي الحصة الإنتاجية
روسيا 500 10,478
كازاخستان 78 1,628
سلطنة عُمان 40 841
أذربيجان 684
البحرين 196
بروناي 97
ماليزيا 567
المكسيك 1,753السودان 72
جنوب السودان 124
مجموع دول من خارج أوبك 618 5,962
دول تحالف أوبك بلس 1,649 31,378

الإثنين ٣ نيسان ٢٠٢٣

Leave a Comment