كتب جورج هاشم ـ رأي مراقب من استراليا
نتائج انتخابات نقابة المهندسين في الشمال، يجب ان تدقَّ ناقوس الخطر لتنبِّه القوى التغييرية: ان استفيقوا وتوحدوا قبل فوات الأوان. فطرابلس، عروس الثورة، التي أعطت صورة رائعة، مخالفة لما حاول الكثيرون لصقه بها، والتي أعطت أملاَ وصل حتى الى المغتربين حول العالم أن التغيير آتٍ لا محالة، لم تستطع ان “تغيّر” عضواً واحداً من لائحة السلطة التي سيطرت على قيادة النقابة، رغم كل ما ارتكبته هذه السلطة بحق شعبها في كل لبنان، وخاصة في طرابلس التي جعلتها أفقر مدينة على المتوسط بعد ان كانت من أغنى وأرقى وأنشط المدن خلال حقبات متعددة من تاريخها. وبعد ان كانت ام الفقير، أي يلجأ اليها كل أبناء القرى المحيطة لتزويدهم بكل ما يحتاجون اليه وبأبخس الأسعار، أصبحت نفسها، وفيها أغنى أغنياء لبنان، محتاجة الى أبسط مستلزمات الحياة.
هذه النتيجة الصفرية التي حصدتها قوى التغيير يتحمّل مسؤوليتها كل من لم يفهم بعد أن قوى السلطة باقية على صدورنا الى أن نستطيع تكوين جبهة معارضة حقيقية من جميع أصحاب المصلحة بالتغيير. تباشر عملها البارحة قبل اليوم، واليوم قبل الغد. جبهة تتفق على برنامج عمل موحّد واضح يترجم صرخة قوى 17 تشرين الحقيقية، وقيادة موحّدة تشمِّر عن سواعدها وتحضِّر لكل معركة، وتخوضها برؤية واضحة، ونفس طويل، وبكل ما تملك من أسلحة الاقناع. ولكن الشعب لن يقتنع ان التغيير آتٍ اذا كانت قواه مشرذمة وعاجزة أن تتوحد في انتخابات نقابة. فكيف اذن في انتخابات كل لبنان؟ المعركة طويلة ولكن الواضح حتى الآن اننا لم نتحصَّن، ولم نتسلّح بكل ما نملك من امكانيات، لخوضها بنجاح أو لفرض البديل الجدّي على الأقل. وإذا بقينا كذلك، فلا أمل بالتغيير، لا بانتخابات مبكرة أو في موعدها. ولا بأية انتخابات.
ومن المؤسف أن تجد في انتخابات نقابة المهندسين في الشمال مَن مِن المفترض به الوقوف الى جانب الناس، والدفاع عن مصالحهم، تراه يخوض المعركة على لوائح السلطة. لذلك هناك مسؤولية مضاعفة لفرز برنامج موحد وقيادة موحدة ليتمكَّن الناس من الفصل بين مَن يريد التغيير ومَن يريد ان يبقى متعيّشاً على فتات موائد أحزاب السلطة.
هذا لا يعني ان أعضاء الهيئة النقابية الجديدة غير مؤهلين لقيادتها. ربما يكونون من أنجح المهندسين في مجالاتهم. وأنا تعرَّفت في زيارتي الأخيرة الى لبنان الى رئيس النقابة الجديد، ابن ضيعتي، المهندس بهاء حرب، والذي كان وقتها رئيس بلديتها. فهو على الصعيد الشخصي ناجح جداً وأثبت جدارة “مقيَّدة” في ادارة البلدية. ولكن الأحزاب التي فشلت في بناء دولة طوال الثلاثين سنة الماضية على الأقل، والتي ساهمت بايصال لبنان الى هذا المستوى غير المسبوق من الذل والاهانة، والتي لا تملك برامج فعليّة للخروج من الأزمة، قادرة على قولبة أية كفاءة وتطويعها وتليينها أو كسرها ان عصت. لذلك فأي تغيير لن يأتي من هذه السلطة ولا من أيٍ من أحزابها منفردة أو مجتمعة.
البرنامج الواضح والمفهوم من قبل الناس هو وحده المؤهّل لكسب ثقتهم. والقيادة الموحدة هي وحدها القادرة على وضع هذا البرنامج على طريق التحقيق. فهل تتمكن قوى التغيير الحقيقية من الاتفاق على البرنامج وعلى القيادة؟ ومتى فعلتْ ستكون بداية العد العكسي لخلاص لبنان وشعبه.
Leave a Comment