اقتصاد

الألبسة الجاهزة: بداية ازدهار أم طفرة صيفية

  كتب جمال حلواني

شهدت صناعة الألبسة الجاهزة خلال صيف 2021 ازدياداً في مبيعاتها في قطاع بيع المفرق في أغلب الاسواق اللبنانية، وهذا مرده أن عدداً كبيراً من اللبنانين المغتربين حضروا إلي لبنان خلال فترة الصيف،  ونظمت أعداد من الاعراس والحفلات،  مما أدي إلي زيادة الطلب علي الألبسة من فساتين السهرة والاعراس وصولاً إلى ألبسة السبور

لعب انخفاض سعر الليرة اللبنانية دوره في زيادة المبيعات لدى المغتربين الذين يجرون مقارنة سريعة بين السعر اللبناني مقارنة بالدولار الاميركي، أدى ذلك لانتعاش الطلب علي  الصناعة اللبنانية.

عادت بعض الورش والمحترفات إلي العمل بعد توقف العمل فيها ما يزيد عن سنه واربعة اشهر بسبب الاقفال الذي شهده البلد نتيجة الكورونا. وكائت نتائجة مدمرة علي قطاع خياطة الألبسة الجاهزة، فاقفل عدد من المحترفات  بعد تراكم الديون والايجارات ورواتب العمال  وديون تجار الاقمشة بحيث لم يتبقَ سوى بعض المعامل الكبيرة التي تعمل منذ فترة طويلة.

لم يكن وضع أصحاب محلات المفرق أفضل حالاً من الورش والمعامل، حيث ازدادت الديون والايجارات، وبقيت اغلب البضائع مكدسة عندهم، ما أدى إلى خسائر مضاعفة لانها ستعتبر حينها قديمة  وتباع تحت سعر الكلفة. ولذلك اقفلت اعداد كبيرة  من محلات بيع الألبسة في اسواق المفرق في كل لبنان وشرد عمالها وموظفوها.

جاءت زيادة الطلب على التصنيع   لرخص الانتاج اللبناني مقارنه بسعر الدولار واسعار الخارج.  يؤكد ذلك أن عمليات البيع  من قبل الورش والمحترفات تمت بالليرة اللبنانية، مما عزَّز جحم مبيعاتها في السوق المحلي.  علما أن التصنيع اقتصر على تلبية طلب الكمية التي يريدها تاجرالجملة، أو اصحاب محلات المفرق.  كما وأن  الورش والمحترفات قد تعاملت بمرونة لناحية اعطاء كل تاجر أو محل مفرق ما يريد من كمية ونوعية بسعر مدروس. شجع  هذا الأداء التجار على التوقف عن  شراء بضاعة من تركيا أو السوق السوري أو الانتاج الصينى، حيث تفرض  كميات محددة تفوق إمكانية التاجر في هذا الظرف، عدا أن الدفع في الخارج يكون بالدولار. وهو غير متوفر الا في السوق السوداء،  ويتحمل التاجر نقليات البضاعة إضافة إلي الجمرك مما يزيد أكلافها عند  بيعها بالمفرق. هذا عدا اكلاف السفر والإقامة والمصاريف الشخصية التي تضاف إلى الفاتورة. ما  يعني  أن الشراء من لبنان يخفض الفاتورة إلى  ما يقارب الثلث، مقارنة  بسعر ومصاريف الخارج. كما أن التاجر يستطيع أن يشتري الكمية التي يريدها بالعملة اللبنانيية دون أن يتحمل كلفة اضافية.

وعلي صعيد آخر لم يؤدِ الانهيار المالي  وانخفاض قيمة أجرة التصنيع و سعر مبيع الألسبة الجاهزة  اللبنانية إلى الانفتاح على الاسواق العربية التي  عانت من ازمة انتشار وباء الكورونا، حيث اقفلت اسواق المفرق وتوقف الاستيراد من الخارج.  و يمكن المراهنة على امكانية العودة  للتصدير إلي الاسواق العربية اذا احسن الصناعيون اللبنانيون عرض انتاجهم باسعار أدنى من الانتاج الصيني المستورد، ومنافسة الانتاج  التركي والسوري، من حيث الجودة  الأعلى والاستفادة من انخفاض الاجور والايجارات وأكلاف النقل والانتقال.

لم يكن هذا الانتعاش في زيادة الطلب علي الانتاج اللبناني يمر دون أية مشاكل نتيجة الضائقة المالية وجائحة كورونا التي عانى منها اصحاب الورش الخياطة، وأدت إلي توقف عمالهم وموظفيهم اللبنانيين عن العمل جرَّاء انخفاض قيمة اجورهم بالليرة اللبنانية، وقد حلَّ مكانهم في الاسواق اللبنانية العمال السوريون، الذين يتلقون مساعدات بالدولار الاميركي، ويقبلون برواتب وأجور عالية بالعملة اللبنانيية، وتعذر الدفع من قبل ارباب العمل بالدولار غير الموجود سوى في السوق السوداء. ورغم ذلك فإن استمرار تراجع سعر سوق الصرف،  دفع بأغلبية العمال إما للعودة إلى سوريا، حيث عادت الصناعات السورية إلى العمل بقوة حيث تدفع الأجور بالدولار الاميركي، أو إلى  تركيا بالنظر لتوافر فرص عمل لهم في معاملها بشروط  افضل من لبنان، وصولاً إلى الهجرة لاوروبا  عن طريق الامم المتحدة. وبذلك انخفضت العمالة في السوق اللبنانية، واصبح  ايجاد عمال مهرة مهمة شاقة وصعبة لضآلة تواجدهم ورفضهم قبض رواتبهم  بالليرة اللبنانية، رغم الارقام المرتفعة  التي لامست 6 ملاين ليرة لعامل الدرزة على سبيل المثال. علماً أن معاناة السوق اللبناني من عدم وجود عمال لبنانيين في قطاع الخياطة  هي مشكلة مزمنة، و من تبقي منهم  اصبح في سن التقاعد.

عامل اضافي يضغط علي الورش، هو انقطاع الكهرباء ما اضطر اصحابها  للاستعانة باشتراكات في مولدات الكهرباء التي فاقت امكانياتهم،  حيث يطلب اصحاب المولدات مبلغاً يقارب  8 ملايين ليرة علي 25 امبير لعدد قليل من ساعات التغذية. وللعلم فأغلب ساعات التغذية تكون ليلاً، بينما اصحاب المولدات يركزون علي التغذية للمنازل،  مما يحد من امكانية استفادة ورش الخياطة. ومع تصاعد الأزمة وارتفاع اسعار مادة المازوت وتقنين المولدات الخاصة اضطرأصحاب المعامل إلي شراء مولدات بنزين كي لا يتوقف العمل، ولا يريدون تكرار تجرية الكورونا مرة أخري وهو ما زاد من الاكلاف عليهم. أذ إن مولد الاشتراك لا بديل عنه،  بينما مولد البنزين لا يشغل سوى  ربع  عمل الورشة،  ما يعني زيادة يومية في التكاليف تقارب 500 الف ليرة لبنانية ثمن محروقات من السوق السوداء, ولذلك اصبح مطلب ارباب العمل ارفعوا الدعم عن المحروقات ارخص لنا من وضعنا.

ويؤدي ارتفاع سعر المحروقات بشكل جنوني إلي وضع قطاع صناعة الألبسة أمام مأزق فعلي، بالنظر لزيادة اكلاف المحروقات والاشتركات، وطبعاً يليها زيادة الاجور للعمال. ما يضع اصحاب الورش امام تحدي الاستمرار في ظل عدم تأمين الطاقة والكهرباء من الدولة وتخفيف الأعباء.  علماً أن موسم  ألبسة السبور الشتوي يكون قصيراً جداً، ويشهد منافسة شديدة مع الانتاج التركي الذي يتغلب باسعاره التنافسية في الانتاج علي مختلف اصناف المحلي، علماً أن التجار يجلبون كميات من البضائع من الموسم السابق باسعار زهيدة وبكلفة نقل البضاعة منخفضة وخاصة أنها تدخل تهريباً من دون جمرك وضربية القيمة المضافة.

ويشهد السوق افتتاح اعداد من محلات (ألبسة اوت ليت وستوك اوروبي) بالإضافة إلى ( محلات البسة البالة) في كل الاسواق، ومنها سوق شارع الحمرا الرئيسي، في ظاهرة لم يشهد لبنان مثيلاً لها بهذا الحجم. وهذا يعكس حجم الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي في ظل تآكل رواتب اللبنانيين،  وعدم قدرتهم علي تأمين الحد الادني من حاجياتهم الأساسية. ويبقي أن المتضرر الاكبر هم  العمال في قطاع خياطة الألبسة الجاهزة الآخذ في الضمور.

 

 

Leave a Comment