كتب نادر فوز
موقع المدن ـ الاثنين 19 تموز 2021
قدّم المهندسون هديّة للبنانيين. أعطوهم نفساً. ضخّوا القليل من الأوكسيجين في مجتمع خنقته السلطة وأحزابها على مدى أشهر وسنوات وعقود. صحيح أنّ فوز قوى 17 تشرين بانتخابات نقابة المهندسين قد لا يعني تغييراً في يوميات اللبنانيين البائسة. فالاحتفال بفوز النقيب عارف ياسين و9 مرشحين لعضوية مجلس النقابة، لا يلغي أنّ الهمّ اليومي مستمرّ لتأمين حبّة دواء أو رغيف خبز.. للتعايش مع التقنين القاسي للكهرباء. لضبط ساعة الصعود والنزول من المصعد. لتلافي لعبة صرف الدولار وانهيار الليرة اللبنانية. كل هذا مستمرّ، لأنّ ثمة سلطة عاجزة وفاشلة، وانتصار “النقابة تنتفض” لن يغيّر في ذلك الواقع. لكن ما حصل في منطقة بئر حسن يوم 18 تموز 2021، هو أنّ 17 تشرين أسقطت كل أحزاب المنظومة، بضربة واحدة، قاصمة وقاضية. محمد علي، يطير كالفراشة، يلسع كالنحلة. “النقابة تنتفض”، فراشة 17 تشرين ونحلتها. “النقابة تنتفض”، “تأثير الفراشة” أو “نظرية الفوضى”. و”النقابة تنتفض”، اجتهاد خلايا نحل بالأسود والأصفر، وحماية مملكة.
سقوط التحايل
بالنسبة لكثيرين من المهندسين وغير المهندسين، المعنيين والناشطين في “النقابة تنتفض”، ما حصل في نقابة المهندسين جاء صاعقاً. ضرب من ضروب الخيال. “حلم لا توقظونا منه”، على حدّ تعبير أحدهم. “غير قادرين على فهمه واستيعابه بعد”، كما يقول آخر. قبل ساعات من انطلاق معركة الانتخابات في نقابة المهندسين، كان مؤكداً أنّ عارف ياسين سيُنتخب نقيباً. فأحزاب السلطة انقسمت بين مرشحّين اثنين وتبعثرت أصوات ماكيناتها الانتخابية. وقبل ساعات من المعركة أيضاً، كان الهمّ الجدّي ينصبّ على مواجهة التحالف غير المعلن بين الأحزاب. فالخصوم، في السلطة، خاضوا المعركة بلائحتين تجمع 3 مرشحين مشتركين لعضوية مجلس النقابة. وكان الهدف واضحاً، إحداث الخرق بهؤلاء المرشحين الثلاثة لنيل أغلبية أعضاء المجلس. لكن حتى هذا التحايل سقط.
الهزيمة المضاعفة
شارك في انتخابات المهندسين 8727 ناخباً. لمنصب النقيب، صوّت 8646 مهندساً ومهندسة، نال منهم النقيب المنتخب عارف ياسين 5798 صوتاً. أي نال 67% من الأصوات. بينما تقاسم المرشحون الآخرون، المقاول عبدو سكريّة (1289 صوتاً) ومرشّح تيار المستقبل المدعوم من حركة أمل باسم العويني (1528)، النسبة المتبقية. أي أنّ مرشّح النقابة تنتفض حصل على أربعة أضعاف ما ناله سكريّة، و3.7 أضعاف ما ناله العويني. وهو ما يعني أيضاً، أنّ ياسين حصل على ضعف ما جمعه كل من المرشّحين الآخرين معاً. أيّ أنّ أحزاب السلطة، حتى لو أجمعت على مرشّح واحد، كانت ستمنى بهزيمة مضاعفة.
أعضاء مجلس النقابة
وعلى صعيد المرشّحين لعضوية مجلس النقابة من الهيئة العامة، كانت المفاجأة الأكبر. كانت ماكينات النقابة تنتفض تتوقّع خرقاً أو اثنين. لكن ذلك لم يحصل. حتى تشارُك المرشّحين بين لائحتي السلطة لم يفلح. والقصة لم تنته هنا. الفائز الأخير من “النقابة تنتفض”، ربيع كامل حسن، نال 5570 صوتاً. بينما أول الخاسرين من لوائح السلطة، جورج شاكر الخوري، فلم ينل سوى 2320 صوتاً. أي الفارق كان أكثر من ضعف عدد الأصوات. وهو ما يعني أيضاً أنّ أحزاب السلطة، حتى لو تكتّلت في لائحة واحدة، كانت ستُمنى بهزيمة “الضعف” أيضاً.
دوغما انتخابية
يتضّح، من خلال قراءة الأرقام، أنّ الفارق بين الأصوات التي نالها النقيب عارف ياسين وتلك التي نالها أول الفائزين لعضوية المجلس في “النقابة تنتفض”، شارل فاخوري (5726 صوتاً)، هو 72 صوتاً فقط لصالح ياسين. والفارق بين الأخير وآخر الفائزين، هو 228 صوتاً. وهو ما يعني أنّ الأصوات التي حصل عليها الائتلاف جاءت “صبّة واحدة”، من دون تشطيب. دوغما انتخابي، والتزام شبه كامل باللائحة كاملة، بغض النظر عن هوية المقترعين لصالح الائتلاف. إن كانوا مهندسين من 17 تشرين، أو حتى من أنصار الأحزاب الناقمين على قياداتهم وخياراتها. ما يعني أنّه ليس من بين المقترعين لعارف ياسين من اختار التصويت لـ”المرشّح الشيعي” حسب الحملة الإعلانية والإعلامية والسياسية التي شنّتها قوى السلطة وأدواتها على “النقابة تنتفض”. المقترعون لـ”النقابة تنتفض”، اقترعوا للائحة الكاملة، من دون تفرقة، من دون التوقّف عند هوية مذهبية أو طائفية.
خلاصات ووقائع
يوضح كل ما سبق حول الأعداد والأرقام، أنّ أحزاب السلطة تعيش أزمة داخلية. تعيش أزمة على صعيد التواصل مع جمهورها، وفي إقناعه بخياراتها. والأرقام تؤكد أنّ النقمة على السلطة لم تعد حكراً على اللبنانيين المنضوين في 17 تشرين، بل هو موقف سياسي اجتماعي عام في معارضة تركيبة الفشل والعجز والسعي الدؤوب لإسقاطها. يوضح حجم الهزيمة أيضاً، السبب الذي دفع أحزاب السلطة إلى التهرّب من إجراء الانتخابات النقابية على مدى عام ونصف عام. وبعيداً عن الأجواء النقابية والمهنية الصرفة، يلخّص سحق هذه الأحزاب الطائفية في النقابة الواقع العام في البلاد. وإن كانت نقابة المهندسين، جزءاً بسيطاً للمكوّن الاجتماعي، إلا أنها تحمل الدلالات والمعاني: الناس تريد إسقاط السلطة الفاشلة والفاسدة والقاتلة. الناس قادرة على التعبير في صناديق الاقتراع. بين اللعبة الانتخابية النيابية والنقابية، فوارق جمّة وعوامل فائقة الاختلاف. في “المهندسين” لا وعود بالتوظيف ولا كراتين إعاشة ولا بونات بنزين ولا عناوين سياسية كبرى.
خسارة أحزاب الطوائف
تقاسمت أحزاب الطوائف والحكم، التي اعتادت على تحاصص المنافع والمصالح، الهزيمة الكبرى في نقابة المهندسين. عارف ياسين، خرق قاعدة احتكار تمثيل الطائفة الشيعية من قبل ثنائي حزب الله وحركة أمل. تيار المستقبل، مني بالهزيمة الأوضح من خلال حجم الاقتراع لمرشّحه لمركز النقيب. حركة أمل وتيار المستقبل، اللذان اتفقا على تبادل الأصوات بين مركز النقيب ومرشّح الفرع السادس لمجلس النقابة، تفضح الأرقام زيف تحالفهما وتوضح أنّ التشطيب كان سيّد الموقف بينهما. حزب القوات اللبنانية، الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله، أعلنوا قبل انطلاق عملية الاقتراع ترك الخيار لمهندسيهم. جلسوا على الحياد الإجباري اتّقاءً لشرّ الهزيمة. التيار الوطني الحرّ، غائب تماماً، كأنّ لا قطاع هندسة فيه ولا مهندسين. “كلن يعني كلن” سقطوا.
ماكينة “النقابة تنتفض”، أطلقت اليوم عملها في نقابة المهندسين ومجلسها. “النقابة تنتفض”، تسير بأريحية إلى الاستحقاق المقبل. “النقابة تنتفض”، عليها إثبات نفسها من خلال عملها وتطبيق برنامجها الانتخابي. “النقابة تنتفض”، محاسبتها واجب إن أخطأت. هي تستعدّ أيضاً لخوض معركة انتخابية جديدة، يفترض أنّ موعدها نهاية العام الجاري أو مطلع العام المقبل، لانتخاب 5 أعضاء من مجلس النقابة بدل الخمسة الذين تنتهي ولايتهم. فمعارك “النقابة تنتفض” لن تنتهي مع الفوز بالنقيب وبتسعة من أعضاء المجلس.
Leave a Comment