إظهار الملخص
نظّم فرع “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في بيروت، مساء الأربعاء الماضي، ندوة لمناقشة كتاب “الهَجانة في تشكّل الأحزاب السياسية الحديثة: المجال العربي أنموذجاً” للباحث اللبناني فارس اشتَي، والذي صدر حديثاً عن المركز، حيث جرى عرض الكتاب عبر ثلاثة أوراق قدّمها الباحثون: عصام سليمان وكمال حمدان وخالد زيادة، في حين تولّى إدارة الجلسة الباحث والصحافي صقر أبو فخر.
مُنطلَق الجلسة كان بمداخلة الباحث عصام سليمان، الذي أشار إلى أنّ “أهمية الكتاب تأتي من وضع صاحبه اليد على العلاقة الجدليّة بين التحديث والتقليد، وما نتَج عنها من هَجانة على مُختلف المستويات، وفي أساسها هَجانة الأحزاب السياسية والأنظمة الدستورية التي قامت عليها الدول العربية”. ولفتَ سليمان إلى “أنّ اشتَي غاص في أعماق المُشكلة، فتتبّع التجارب والمراحل التي مرّت بها الأحزاب العربية، وبsmith and soul alberto guardiani florida state jerseys alpinestars tech 7 borse y not scontate florida state football jersey 24 bottle blundstone outlet emme marella outlet online 24 bottles dr air martens narrow fit harmont & blaine deuce vaughn jersey deuce vaughn jersey خاصة الأحزاب الشيوعية وحزب البعث العربي الاشتراكي، وهذا الأخير تحوّل إلى أحزاب مُتصارعة مع بعضها، وعاجزة عن تخطّي أنماط العلاقات التي قامت عليها البُنى الاجتماعية التقليدية الموروثة وتحديثها، بل واضطرارها غالباً للاحتماء بهذه البُنى، وبالتالي لم تتمكّن أيديولوجيا الأحزاب من تحريرها من الإرث القبلي أو الطائفي”.
بناء حزب عربي حديث ليس وصفة سحرية بل صيرورة تاريخية
فالهَجانة إذاً، وكما تُحدّدها قراءة سليمان، “تكمُن في نشأة الأحزاب في العالَم العربي كتنظيمات حديثة على غرار الأحزاب في أوروبا، لكن في إطار بُنى مُجتمعية تقليدية تتحكّم بها الروابط الدينية والطائفية والعشائرية والإثنية، وتحكم هذه الروابط إلى حدّ بعيد بنية الأحزاب. كما تكمن المشكلة في غياب التطوّر الرأسمالي عن مجتمعاتنا العربية على عكس ما حدث في أوروبا، بخاصة في ظلّ الثورة الصناعية، حيث قاد إلى قيام الأحزاب التي تطوّرت بدورها في سياق البنى المجتمعية”.
وتابع سليمان قراءته للكتاب ناظراً إلى “مجتمعاتنا العربية، ذات البُنى المجتمعية التقليدية، التي لا تزال شخصية الفرد فيها مُبدَّدة في إطار الجماعة التي ينتمي إليها، فلا يعي وجوده كفرد، وبالتالي كمواطن له حقوق وعليه واجبات، وله مصالح مُرتبطة بشخصه عليه أن يعمل من أجل تحقيقها. فالجماعة هي ما تُحدّد خيارات الفرد السياسية؛ الجماعة التي ينتمي إليها بحُكم المولد، وليس الحزب السياسي الذي اختاره عن وعي وإدراك لكونه يعبّر عن تطلعاته واقتناعاته ويعمل على تحقيقها في الواقع”.
وأضاف: “في عالمنا العربي لم تنشأ الدول وتتمأسس السُّلطة بسياق التطوّر التاريخي لهذه المجتمعات، إنما جيء بالمؤسّسة الدستورية الحديثة من الغرب، ورُكّبت على بُنى مجتمعية تقليدية. وكان لا مفرّ من ذلك، لأنه لا بُدّ من اعتماد مؤسّسات دستورية حديثة ناجمة عمّا توصّلت إليه تجارب الدول المُتقدّمة، لكي تستطيع هذه المؤسّسات إدارة شؤون الدول الحديثة العهد، ومن ناحية أُخرى كان لا بدّ من مراعاة واقع البُنى المجتمعية وأخذه بالاعتبار لكيلا يكون النظام السياسي في غُربة، ومن هُنا وُلدت الهَجانة في أنظمة الدول، ووُلدت معها هَجانة مُوازية في واقع الأحزاب السياسية”.
وختم سليمان مُداخلته بالإشارة إلى أنّ “الكتاب هو محاولة للبحث عن مَخرج لهذه المُشكلة المُعقّدة، بعد أن تناولها من جميع وجوهها، مُسلّطاً الضوء على التبَعيّة للرأسمالية العالمية، والصراع مع الصهيونية، وأثرهما في هَجانة الأنظمة والأحزاب العربية، في حين يبقى التزام منطق دولة القانون وثقافتها مدخلاً لتصويب العمل الحزبي الذي قد يفتح مجالاً رَحباً نحو الدولة الأمّة”.
من جهته أشار الباحث الاقتصادي، كمال حمدان، خلال المداخلة الثانية في الندوة، إلى “الجهد الاستثنائي الذي بذله المُؤلِّف في تتبُّعه المُوثّق الحيثيات النظرية والتاريخية لنشوء وتطوّر ظاهرة الأحزاب السياسية على المستوى العالمي، ومن ثمّ العربي”. لكنّ السؤال، وفقاً لحمدان، يبقى قائماً: “هل مِن نظرية عامّة للأحزاب؟”، يُجيب: “يكاد المُؤلِّف يقول إنّ الحلقة تبدو مُفرَغة على هذا الصعيد، لأنّ بناء النظرية العامّة يتطلّب عدداً كبيراً من الدراسات المونوغرافية (الدراسات المُفردة لموضوع ما) حول تشكُّل الأحزاب العامّة السياسية، بينما إنجاز هذه الدراسات يتطلّب بدوره وجود هذه النظرية العامّة”.
محاولة تأسيس نظرية عامّة عن الأحزاب ومتطلّبات بنائها
ويتابع صاحب “الأزمة اللبنانية” (1998): “الأحزاب الحديثة في الغرب نشأت من رحم الرأسمالية والثورة الصناعية، بما يعني ذلك من تقسيم العمل، وتسارُع عملية التمدين، وتحوّل الفلاحين التدريجي إلى عمّال، ونشوء النقابات العمّالية، وتحوّل بعضها إلى أحزاب، وبالتالي تحلُّل العشيرة والأُسرة الممتدّة، وتحوُّلها إلى أُسرة نواة”. على عكس كلّ ما سبق، يُتابع حمدان: “فإن أحزابنا لم تتشكّل بحسب الأنموذج الغربي، بل ضمن بيئات اجتماعية مُشبَعة بالهَجانة، حيث تقاطعت فيها وتخالطت وتفاعلت مُكوّنات، وهذا ما يظهر في تحليل فارس اشتي لواقع الحقل السياسي، حيث يبدو هدف الأحزاب مُتضعضعاً ومترافقاً بعدم وضوح الحامل السياسي، والتباس العضوية، وهشاشة التنظيم”.
واستطرد حمدان في التمعُّن بالحالة اللبنانية، وما تُعانيه من “نسق نموّ رأسمالي مُعوَّق ومُشوَّه بدءاً من أواسط القرن التاسع عشر الذي افتقد تاريخياً إلى الحلقة الصناعية (الثورة) وطغيان الزراعة الأُحادية (الحرير)، رغم بدء تفتُّت الملكيات في جبل لبنان، بالتزامن مع بداية نشوء بعض الحِرَف. ولكنّ هذه الحِرَف لم ترتقِ بصورة عامّة إلى مصاف تجسيد وترسيخ الحلقة الصناعية، وهذا ما أرسى الأساس لتعاقُب موجات الهجرة”.
بعدها انتقل حمدان إلى النظر في الانعكاس أو الترجمة السياسية للمُقدّمات الاقتصادية التي أشار إليها، لافتاً إلى “بعض التنويع” في الحالة اللبنانية، “حيث اقترنت التجربة الشهابية (نسبة لفؤاد شهاب رئيس الجمهورية بين عامَي 1958 و1964) بإصلاحات على غير ما صعيد، وبخاصّة في مجال بناء مؤسّسات الدولة، وقد تزامنت مع مدّ صاعد للنمو الصناعي في الستينيات وحتى أواسط السبعينيات (الصناعة نمَت بمعدّل يزيد عن ثلاثة أضعاف مُعدَّل النمو الاقتصادي)”. وترافق ذلك، كما ختَم حمدان: “مع نموّ الأحزاب غير الطائفية والعمل النقابي وانتزاع العديد من المكاسب المَطلبية للعُمّال والطلّاب. لكنّ البورجوازية والقوى الطائفية تآمرت على فؤاد شهاب، ثم جاءت الحرب الأهلية لتكسر وتسدّ آفاق هذه التجربة، ومن ثم إطلاق العنان للخيارات الريعية المُدمِّرة بعد الحرب”.
بدوره رأى صاحب المداخلة الثالثة والختاميّة، الباحث ومدير فرع المركز العربي في بيروت، خالد زيادة، في الكتاب “مُحاولة أكاديمية بالدرجة الأُولى، ومرجعاً مُهمَّاً في موضوعه وفي مجال تدريس العلوم السياسية، لِمَا يُقدِّمه من مُعطيات حول تطوُّر فكرة الحزب في المجتمعات الغربية الرأسمالية، التي شهدت تكوُّن الأحزاب الحديثة، والتي عرفَت مسارات مُتعرِّجة”.
تعزّزت الهَجانة بغياب التطوّر الرأسمالي عن مجتمعاتنا
وأضاف: “يُقدِّم الكتاب تاريخاً لنشوء الأحزاب وتطوّرها، لكنّه لا يلجأ إلى التاريخ إلّا من خلال الأعمال والمؤلّفات التي تناولت فكرة الحزب وأشكالها، وهي أعمال أكاديمية قليلة. ولفترة طويلة اعتُمِد في تدريس مادّة الأحزاب على ما كتبه الفرنسي موريس دوفرجيه (1917 – 2014) بهذا الخصوص، لكن ما يعوّض ذلك هي المؤلّفات والكتب التي تركها مؤسِّسو الأحزاب الذين قدّموا تعريفاتهم ومفاهيمهم للحزب. وتلك المؤلّفات والمذكّرات التي كتبها حزبيّون وقادة يسردون فيها تجاربهم”. وطرح زيادة أمثلة على هذا ككتاب حنا بطاطو “العراق” الذي تناول فيه حزبَي البعث والشيوعي، وكتابه الآخر “فلّاحو سورية”.
ولفت زيادة إلى أنّ صاحب “المَدخل إلى العِلم بالسياسة” (2000): “قدّم مُحدّدات تشكُّل الأحزاب السياسية في المجال العربي وجعلها في ثلاث، أوّلاً: الدولة بما تعني من تطوّر تاريخ الدولة من الإطار العثماني إلى الإطار القومي والوطني، ثانياً: المجتمع أي الإنتاج والتحوّلات الاقتصادية والهجرة والنزوح، وكذلك التنوّع العِرقي والمذهبي، أمّا المحدّد الثالث فهو الأمرة بما هي السلطة من السلطان إلى دور النُّخب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. كلّ ذلك هو مقدّمات لدراسة الهَجانة”.
ويصل المُؤلِّف، وفقاً لزيادة، إلى نتيجة مفادُها: “استحالة بناء حزب على الأنموذج الأوروبي في المجال العربي، فبناء حزب عربي حديث ليس وصفة سحرية بل صيرورة تاريخية”.
اللّافت أنّ مُداخلات الندوة الثلاث، على أهمّيتها، لم تتفحَّص الرّاهن، وانحصرت في تقييم تجربَتين نافذَتين في مجتمعاتنا المشرقية (الشيوعي والبعث)، وهذا مهمّ طبعاً، خاصّة أنّ هذا العام يُصادف مئوية تأسيس الشيوعي السوري اللبناني (كما كان يُعرَف عام 1924)، وهذه فرصة مناسبة للتقييم والمراجعة. ولكن ماذا عن دعوى “موت السياسة” الرائجة اليوم، وارتكاس فكرة الحزب في الأوساط السياسية لصالح المُنظّمة غير الحكومية NGOs، التي حطَّمت المُمارسة النقابية عالمياً خلال العقود الثلاثة الماضية؟ وأي “هَجانة جديدة وبعد حداثية” كرَّستها هذه المنظّمات؟ فهي من جهة قد تكون “لا تقليدية” بالمُطلَق، بل مُبالِغة في “لا تقليديّتها”، فضلاً عن ترافقها مع نمط إنتاج “بعد – صناعي”، لو أردنا الاستعارة من معجم كمال حمدان بعض المفردات، لكنّها في المقابل لا تكفّ عن الاستثمار في “الأهداف المُتضعضعة وعدم وضوح الحامل السياسي، والتباس العضوية، وهشاشة التنظيم”، بما يجعل الأمثلة الواردة في الكتاب تنظيمات “شديدة المتانة”، هذه أسئلة كان يجب أن تُطرَح.
بطاقة
فارس اشتي أستاذ في علم السياسة وعلم الاجتماع السياسي، في كلية الحقوق والعلوم السياسية، و”معهد العلوم الاجتماعية”، التابعَين لـ”الجامعة اللبنانية”. صدر له عدد من المؤلّفات، منها: “الحزب التقدُّمي الاشتراكي ودوره في السياسة اللبنانية” (1949 – 1975)” (1989)، و”الإعلام العالمي: مؤسّساته، طرق عمله وقضاياه” (1996)، و”مدخل إلى العِلم بالسياسة” (2000)، و”ينطا بين الماضي والحاضر”) (2020(.
* نشر على موقع العربي الجديد بتاريخ 22 نيسان 2024
Leave a Comment