سياسة

بيان عابر لا يحمل خطة انقاذية لأزمات الوضع العربي المتفجرة

زكي طه

كان لافتاً البيان المشترك المصري – السعودي الذي صدر الاسبوع الماضي عن اجتماع لجنة المتابعة والتشاور السياسي بين البلدين على مستوى وزيري الخارجية، بموجب التفاهم الموقع بينهما عام 2007. وهو البيان الذي كرر موقف الدولتين حيال الوضع اللبناني، ودعوة اللبنانيين لانتخاب رئيس واجراء الاصلاحات المطلوبة.

غير أن أهمية البيان تتعدى ذلك، بالنظر لما انطوى عليه من استعادة لمقولات ومفاهيم افتقدتها طويلاً يوميات السياسة العربية في اعقاب معاهدات السلام المنفرد مع اسرائيل. ولم يعد لها مكان في بيانات مؤتمرات القمة ومجلس الجامعة العربية، التي تحولت منذ عقود مؤشراً لمستوى تفكك العلاقات العربية – العربية على نحو مريع، والخلل الفادح في موازين القوى الدولية والاقليمية، وانعكاساتها السلبية على الدور العربي المتراجع، وانفجار الازمات البنيوية للعديد من كياناته، وقد تحولت ساحات مفتوحة لحروب أهلية ومشرعة الابواب على جميع اشكال التدخلات الخارجية الدولية والاقليمية.

اللافت في البيان عدا التأكيد على أهمية موقع ودور مصر والسعودية والعلاقة بينهما والسعي لتطويرهما في اطار دورهما القيادي على الصعيد العربي، من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة. أنه أعاد الاعتبار إلى مقولة ومفهوم الأمن العربي، انطلاقاً من رفض الدولتين تدخل الاطراف الاقليمية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتهديد استقرارها ووحدة مجتمعاتها ومصالح شعوبها، سواء عبر أدوات التحريض العرقي والمذهبي، أو أدوات الإرهاب والجماعات الإرهابية، أو عبر السياسات التوسّعية التي لا تحترم سيادة الدول وحسن الجوار فيما بينها.

لقد أشارت جميع فقرات البيان صراحة إلى مخاطر الدورالإيراني المستمر على الأمن القومي العربي، بدءاً من أمن وسلامة الملاحة في الخليج العربي ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وإلى أهمية الدور العربي في حفظ أمن الطاقة العالمي. ومع التشديد على الحل السياسي في اليمن، كان التحذير من خطر استمرار الدعم الايراني للحوثيين على امكانية عودة الاستقرار إلى المنطقة ككل. كما نال كل من العراق وسوريا ولبنان نصيبه، من التأكيد على ضرورة استعادة الدولة الوطنية ومؤسّساتها والسير في تحقيق الإصلاح السياسي، ورفض كلّ أشكال التدخّل ومكافحة الإرهاب والميليشيات المسلّحة. كذلك تضمن البيان تجديداً لدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلّة استناداً إلى مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية. كما

دعا لإطلاق العملية السياسية في سوريا من خلال مفاوضات سورية – سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، ورفض اللقاءات الثلاثيّة التي تجمع تركيا وإيران وروسيا ودور كل منها في سوريا. وتطرق ايضاً إلى الازمة الليبية وسبل معالجتها وتاييد مساعي الحل السياسي في السودان ومطالبة اثيوبيا بإيجاد حل ملزم لمشكلة سد النهضة، ولم يغفل مطالبة إيران بالتزام سلميّة مشروعها النووي.

مقدمات البيان والمأزق!

أتى بيان وزيرا خارجية مصر والسعودية في أعقاب زيارة الرئيس الصيني للسعودية، والمؤتمرات واللقاءات المتعددة خليجياً وعربياً التي انعقدت في سياقها، وما نتج عنها من اتفاقات اقتصادية ومواقف سياسية حول قضايا المنطقة والامن في الخليج العربي. وإذا كانت زيارة الموفد الصيني لايران لم تبدد تحفظات النظام حول حقيقة موقف بلاده، فإن مشاركتها في مؤتمر دعم العراق الذي انعقد في الاردن برعاية فرنسية، لم تحُل دون التشديد على وحدة العراق ورفض التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية. كذلك فإن مطالبة قادتها للمسؤولين العراقيين بالتراجع عن تسمية “الخليج العربي” لم تلق تجاوباً، رغم أن بعض هؤلاء يُصنفون في عداد الموالين لايران.

من المؤكد أن ما جرت الإشارة له، لا يمكن النظر له إلا باعتباره يعكس أزمة الوضع العربي ، ومأزق الدورين السعودي والمصري في ظل الصراع الدولي والاقليمي، والأزمات المتفجرة في ساحات المنطقة وغيرها، وفي امتداد الصراعات المفتوحة عالمياً في شتى ميادين السياسة والاقتصاد والطاقة والغذاء وعلى صعيدي النفوذ السياسي والامني. وفي السياق عينه تقع أزمة الدور الايراني ومأزق النظام واضطرار قادته للهروب إلى الامام، عبر التصعيد السافر للقمع وتنفيذ احكام الاعدام في مواجهة الاحتجاجات الداخلية المتصاعدة منذ خمسة أشهر، وسط تراجع قدرته في السيطرة على أزماته الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحد من مفاعيل الضغوط الخارجية وانسداد افق العودة راهناً للاتفاق النووي.

من الواضح أن البيان السعودي المصري، يعكس استشعاراً للمخاطر التي تحاصر الوضع العربي وتهدد مستقبل مجتمعاته ومصير دوله. ورغم أن البلدين ليسا بمنأى عن تلك المخاطر، واهمية ما ورد في البيان من وجهة سياسية ومواقف تشكل الحد الادنى المطلوب عربياً، إلا أنه لا يمكن النظر له باعتباره ينطوي على خطة انقاذية، أو مؤشر إلى صحوة استنهاض للوضع العربي لا مكان لها في جدول أعمال قادة البلدين.

وفي السياق ذاته تقع جولة وزير الخارجية الايراني التي شملت العراق وسوريا ولبنان. وهي الزيارة التي أتت لتجدد الامعان في سياسات النظام الايراني على الصعيد الاقليمي، وسعيه لتكريس دوره السلبي في أزمات دول الجوار العربي، ومحاولة التصدي للصعوبات والتحديات المتصاعدة والمتعددة المصادر، التي تحاصر القوى والتشكيلات الميليشياوية التابعة له في اطار محور الممانعة.

الملف اللبناني ؟

وفي الاطار عينه يُقراً تراجع الاهتمام الدولي بالملف اللبناني، وانسداد أفق البحث الداخلي بشأن الفراغ الرئاسي واحتدام السجال حول صلاحيات وآلية عمل حكومة تصريف الاعمال. الامر الذي يفاقم مأزق سائر اطراف السلطة، ورفضها معالجة أي من ملفات الوضع المأساوي الذي يأسر البلد في ظل تسارع مفاعيل الانهيار الشامل. ومع اصرار القوى المأزومة على استباحة ما تبقى من مؤسسات واجهزة الدولة القضائية والامنية واستعمالها لتزخيم الاستقطابات الطائفية حول مختلف القضايا والملفات، في سبيل تحصين مواقعها وتغطية انغلاقها على اية تسويات والتزام نهج التعطيل بشأنها جميعاً، يزداد قلق اللبنانيين من استسهال مخاطر الاندفاعة المتسارعة نحو الانفجار في امتداد فلتان الشارع واتساع الفوضى وخروجهما عن السيطرة. يؤكد ذلك ما تشهده البلاد من ممارسات وردود افعال بشأن استمرار تعطيل التحقيق في جريمة انفجار المرفأ وغيرها من القضايا الشائكة.

وبعيداً عن اوهام البعض حول جدوى التحقيقات القضائية حول الفساد وتبيض الاموال في القطاع المصرفي، من قبل قضاة بعض الدول الاوروبية التي تستهدف حماية اسواقها المالية. وكذلك تلك المتعلقة باللقاء المزمع انعقادة في باريس، والذي يضم مندوبين عن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية. ومع احتمال مشاركة إمارة قطر، هناك استبعاد تام للتواصل مع ايران خاصة من الجانبين الاميركي والسعودي، بشأن التشاور حول ملفات الازمة اللبنانية وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية. إن كل الدلائل تشير إلى أن الازمة اللبنانية مرشحة للتصعيد على نحو يصعب معه التكهن بما ستؤول إليه أوضاع البلد، التي يستحيل أن تجد حلولاً لملفاتها في ظل استقالة اللبنانيين من مسؤولياتهم وإدمان متابعة التحليلات السياسية وانتظار ما يُنشر من أوهام حول مشاريع تسويات يجري التشاور حولها في أروقة الاتصالات الدولية والاقليمية.

Leave a Comment