زهير هواري
بيروت 24 أيار 2025 ـ بيروت الحرية
عقدت اللجنة اللبنانية – الفلسطينية المشتركة أولى اجتماعاتها يوم الجمعة الموافق 23 الجاري. ووضعت اللجنة جدول أعمال يتعلق بتنفيذ آلية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وفي مقدمه سلاح المخيمات الفلسطينية، إضافة إلى مناقشة مسألة الحقوق المدنية للشعب الفلسطينية. وتشمل هذه الحقوق كما هو معروف حقوق العمل والملكية والضمانات الاجتماعية. وقد تم الإعلان عن قيام اللجنة في البيان المشترك الذي صدر عقب لقاء الرئيسين اللبناني جوزاف عون والفلسطيني محمود عباس في القصر الجمهوري خلال اليوم الأول من زيارة عباس بناءً على دعوة من الرئيس عون. ثم تكرس قيام اللجنة في اللقاء الذي عقد بين عباس ورئيس الحكومة الدكتور نواف سلام في السراي الحكومي.
هذا التطور يعتبر بمثابة نقلة نوعية لم تشهدها العلاقات اللبنانية الفلسطينية منذ عقود، إذ إنه وكما يتضح من البيان المشترك أنه قارب مسائل كانت حتى الأمس القريب تعتبر من المحرمات التي لا تناقش، وحصر المشكلة بالاضطرابات والحلول الأمنية. ففي زمن الوصاية كانت سوريا ترفض مقاربة ملف العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية، بمعزل عن توجهاتها التي تستهدف الإمساك بالورقة الفلسطينية. وبعد خروجها من لبنان في العام 2005 جرى ربط مسألة سلاح المخيمات بسلاح حزب الله على نحو يجعل البحث متعذراً في أي منهما. بالنظر إلى أن مسألة سلاح الفصائل باتت جزءا من سلاح محور الممانعة. هذا مع العلم أنه منذ حدث تحرير الشريط الحدودي المحتل في العام 2000 باتت وظيفة هذا السلاح داخلية، واقتصرت فلسطينيا على الاشتباكات الداخلية التي روَّعت المخيمات وقادت إلى إلحاق خسائر بشرية ومادية فادحة بسكانها. ثم اكتمل النقل بالزعرور في الأسبوع الأخير بعيد اطلاق الصواريخ بواسطة عناصر من حماس على الأراضي المحتلة. ومن البديهي القول إن هذا الاطلاق مثله مثل حرب مساندة قطاع غزة لم يؤد إلا إلى خسائر صافية طالت الفلسطينيين واللبنانيين على حد سواء.
ومن المعروف أن وسائل الاعلام اللبنانية والخارجية ركزت خلال الزيارة التي التقى فيها عباس الرؤساء الثلاثة على مسألة السلاح في المخيمات الـ 12 وفي عشرات التجمعات المنتشرة من جنوب الليطاني إلى شمال البلاد. وهذه ليست المرة الأولى لطرح هذه القضية علما أن فتح ومنظمة التحرير أعلنتا مرارا وتكرارا ومنذ عقود طويلة عن استعداهما لتسليم السلاح من المخيمات، دون ربطه بمسألة الحقوق المدنية التي تعترف بها المواثيق الدولية كحق مشروع للاجئين في العالم، فكيف باللاجيء الفلسطيني الذي يتعذر عودته إلى دياره بفعل تصاعد العدوانية الإسرائيلية، وتلويحها بإضافة المزيد من الفلسطينيين إلى قائمة لاجئي الشتات. وهو ما يجري التواطؤ بشأنه من جانب الولايات المتحدة الأميركية، بدليل العروض التي لا يفتأ ترمب يكررها حول استعداده لشراء قطاع غزة ونقل أهله أو مليون من سكانه على الأقل إلى كندا أو اندونيسيا او ليبيا مؤخرا، وتحويل القطاع ميدان للاستثمار العقاري من خلال مشروع “ريفييرا ” سياحية فلسطينية على الشاطيء الجنوبي للبحر المتوسط. وكان سلام وعباس قد التقيا بداية خلال زيارة الأخير إلى السراي الحكومي، وأشار بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزراء إلى أنّهما أكّدا، في اللقاء نفسه، على ضرورة إنهاء ملف السّلاح الفلسطينيّ في لبنان، بما ينسجم مع سيادة الدولة اللبنانيّة ويحفظ أمن المخيّمات ومحيطها.
تكريم ومواقف لسلام وعباس
وفي حفل التكريم الذي أقامته أكاديمية السيد هاني فحص التي قدمت لعباس جائزة أكاديمية هاني فحص لصناع السلام، تكريماً لدوره في إرساء المصالحة اللبنانيةالفلسطينية. أعلم رئيس الحكومة نواف سلام أنّ ” السّلاح لم يعُد وسيلةً لتحقيق حقوق الشعب الفلسطينيّ، بل بات يُهدِّد بالتحوّل إلى سلاح فتنة فلسطينيّة – فلسطينيّة أو فلسطينيّة – لبنانيّة”. وأضاف: “قوّة القضيّة الفلسطينيّة اليوم لا تكمن في السلاح الموجود في المخيّمات، بل في الارتفاع المتواصل لعدد الدول الّتي تعترف بدولة فلسطين، وفي مئات آلاف المتظاهرين حول العالم نصرةً لفلسطين وغزّة، فضلًا عن قرارات الشرعيّة الدوليّة وأحكام المحاكم الدوليّة الّتي تُدين إسرائيل وممارساتها”.
وبدوره، أكّد الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس، دعمه للبنان ولقضية شعبه، مشدداً على ضرورة توحيد البيت الفلسطينيّ تحت سلطةٍ واحدة. وأمام حشدٍ من المحتفلين ضمّ إلى جانب رئيس الوزراء نواف سلام الرؤساء السابقين أمين الجميّل وميشال سليمان وتمام سلام إلى جانب حشد من الشخصيات السياسية والرسمية والثقافية اللبنانية والفلسطينية، محييّا “مسيرة المفكّر الراحل السيد هاني فحص الّتي “جسّدت قيم الحوار والانفتاح والتسامح والدفاع الشجاع عن فلسطين”.
وعن العلاقة مع لبنان، أعاد عباس التأكيد على أنّ مخيّمات اللاجئين في لبنان “تخضع لسيادة الدولة والجيش اللبنانيّ”، معتبرا أنّ أي سلاحٍ خارج هذا الإطار “يُضعف لبنان ويضر بالقضية الفلسطينيّة”. معربًا عن تقديرٍ عميق “للتضحيات الجسام” الّتي قدّمها لبنان منذ نكبة 1948.
وفي الملف الفلسطينيّ، جدّد عباس “نداءه إلى قادة العالم” لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، مطالبًا باستخدام “كلّ الوسائل الممكنة” لإدخال مساعدات إنسانيّة عاجلة و”وقف حرب الإبادة والتجويع” الّتي يتعرّض لها الشعب الفلسطينيّ. وإذ دعا إلى “وقف العدوان على لبنان وانسحاب إسرائيل الكامل من أراضيه”، أكّد أنّ الأولويّة بعد وقف الهجمات الإسرائيليّة هي “تولّي دولة فلسطين مسؤولياتها كاملة في قطاع غزة وربط القطاع بالضفة الغربيّة والقدس الشرقيّة تحت نظامٍ واحد وقانونٍ واحد وسلاحٍ واحد”.
كما أعلن عباس العمل على “حشد الدعم الدولي لإعادة إعمار غزّة” والمضي نحو “عملية سياسيّة تستند إلى الشرعيّة الدوليّة” التي تفضي إلى إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينيّة المستقلة ذات السّيادة وعاصمتها القدس الشرقيّة. وختم مؤكّدًا السعي إلى “تعزيز الحوار والوحدة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية الفلسطينيّة” بوصفها شرطًا أساسًا في مسيرة الحرية والاستقلال وحقّ العودة.
البيان اللبناني الفلسطيني المشترك
وكان بيان لبناني – فلسطيني مشترك قد صدر في أعقاب المباحثات الرسمية خلال اللقاء الذي عقد بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والرئيس الفلسطيني محمود عباس وتلته الناطقة باسم رئاسة الجمهورية نجاة شرف الدين. وهو يتناول ثلاثة جوانب تتعلق بالصعيد السياسي ووضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وأخيرا في مجال الأمن والاستقرار. وهنا ما جاء في البيان:
أولاً: على الصعيد السياسي
ـ يؤكد الجانبان على العلاقات الأخوية بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، والتزامهما المشترك بتعزيز أواصر التعاون والتنسيق بينهما على مختلف المستويات.
ـ يجدد الجانبان التأكيد على ضرورة التوصل إلى سلام عادل وثابت في المنطقة. يسمح للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. كما يعطي كل بلدان المنطقة وشعوبها حقوقها المحقة والمشروعة.
ـ يدين الجانبان استمرار العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وما نتج عنه من خسائر بشرية فادحة وكارثة إنسانية غير مسبوقة. ويطالبان المجتمع الدولي بالتحرك الفوري والجاد لوقفه وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين الفلسطينيين.
ـ يؤكد الجانبان على ضرورة تفعيل دور الأمم المتحدة ومؤسساتها في توفير الحماية للشعب الفلسطيني وضمان احترام القانون الدولي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ـ يشجب الجانبان الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، ويدعوان المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، الى الضغط على إسرائيل لتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل اليه برعاية الدولتين في تشرين الثاني من العام 2024 لجهة وقف الاعمال العدائية والانسحاب من التلال التي تحتلها إسرائيل، وإعادة الاسرى اللبنانيين، لتمكين الجيش اللبناني من استكمال انتشاره حتى الحدود المعترف بها دولياً، وذلك تطبيقاً لقرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701 الذي التزم لبنان احترام كامل مندرجاته.
ثانياً: في ما يتعلق بوضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان:
ـ يؤكد الجانبان على تمسكهما بحل عادل للاجئين الفلسطينيين، بما يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها، وفقاً للقرار الأممي 194، ورفضهما لكل مشاريع التوطين والتهجير.
ـ يشدد الجانبان على أهمية استمرار دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومواصلة تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، مع العمل على زيادة مواردها المالية لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها.
ـ اتفق الجانبان على تشكيل لجنة مشتركة لبنانية فلسطينية لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، والعمل على تحسين الظروف المعيشية للاجئين، مع احترام السيادة اللبنانية والالتزام بالقوانين اللبنانية.
ـ يؤكد الجانبان التزامهما بتوفير الظروف اللازمة، بما يضمن للأخوة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حياة كريمة من دون المساس بحقهم في العودة أو التأثير على هويتهم الوطنية.
ثالثاً: في مجال الأمن والاستقرار
ـ يؤكد الجانبان التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وإنهاء أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة اللبنانية. كما يؤكدان على أهمية احترام سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه. ويعلنان إيمانهما بأن زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية، قد انتهى، خصوصاً أن الشعبين اللبناني والفلسطيني، قد تحمّلا طيلة عقود طويلة، أثماناً باهظة وخسائر فادحة وتضحيات كبيرة.
ـ يشدد الجانبان على تعزيز التنسيق بين السلطات الرسمية، اللبنانية والفلسطينية، لضمان الاستقرار داخل المخيمات الفلسطينية ومحيطها.
ـ يؤكد الجانب الفلسطيني التزامه بعدم استخدام الأراضي اللبنانية كمنطلق لأي عمليات عسكرية، واحترام سياسة لبنان المعلنة والمتمثلة بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والابتعاد عن الصراعات الإقليمية.
ـ يتفق الجانبان على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وضمان عدم تحول المخيمات الفلسطينية إلى ملاذات آمنة للمجموعات المتطرفة.
وفي الختام، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، ومجدداً التزام دولة فلسطين بدعم أمن لبنان واستقراره وسيادته على كامل أراضيه.
إذن كلا من لبنان وفلسطين للمرة الأولى أمام استحقاق وفرصة سانحة لتحويل المواقف إلى أفعال ملموسة على الصعد السياسية والأمنية والاجتماعية وهو أمر ليس باليسير في ظل الظروف التي تجتازها القضية الفلسطينية، ولا سيما منها ما يدور في قطاع غزة والضفة الغربية وحملات الإبادة المتصاعدة من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي والضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية بالاستناد إلى الدعم الأميركي غير المحدود. كذلك يتعرض لبنان إلى موجة اغتيالات وإرهاب متواصلة بواسطة غارات الطيران الحربي والمسيَّر. وهو ما الامر الذي تضاعف خطورةته مع ما أعلنته المبعوثة الأميركية أورتاغوس حول ضرورة نزع سلاح حزب الله حالا، دون أن تنبس بشفة حول الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة من خلال المواقع العسكرية داخل الأراضي اللبنانية والهجمات البرية والجوية. علما أن لبنان أعلن التزامه بتنفيذ مندرجات قرار مجلس الأمن رقم 1701، فيما تواصل إسرائيل انتهاكه يومياً.
خلاصة القول، أن الزيارة وما تخللها من لقاءات وإعلان مواقف، وضعت المشكلة على سكة العلاج، والمطلوب هو وضع وتنفيذ خطة متدرجة تنتقل بملف العلاقات المشتركة من محطة إلى أخرى على نحو يتماشى مع طموح الشعبين اللبناني والفلسطيني، ويعطل ألغام المتضررين من استعادة لبنان سيادته وفرض قوانينه على كامل ترابه بواسطة قواته النظامية، ومن إراحة الفلسطينيين خاصة في المخيمات من فوضى السلاح المتفلت والتعامل معهم كبشر ذوي حقوق مقرونة بالواجبات بطبيعة الحال.