سياسة مجتمع

مصير المنطقة في ظل السيطرة الاميركية والهراوة الاسرائيلية

 زكي طه

 بيروت 13 أيار 2025ـ بيروت الحرية

سبق زيارة الرئيس الاميركي للمنطقة تزخيم صيغة ادارته لمسارات الحروب القائمة والمستمرة بين دول منطقة الشرق الاوسط وداخل مجتمعاتها. وتصعيد التدخل المباشر فيها سياسيا وميدانياً. والاهم تأكيد طبيعة مخططات السيطرة والمصالح الاقتصادية الاميركية التي لا تقيم وزناً  لحقوق ومصائر شعوبها. ولأن اسرائيل هي الاداة والركيزة الاساسية في مخططات الادارة الاميركية بشأن المنطقة، كان من الطبيعي أن يؤكد الرئيس ترامب مع بداية عهده، أن “اسرائيل يجب أن تبقى دوماً قوية”، وأن يرفع مستويات الدعم لها بشكل غير مسبوق بالقياس إلى الإدارات السابقة التي لم تبخل بتقديم المساعدات والرعاية لها.

والأهم هو استمرار الحرب الاسرائيلية المفتوحة، التي لم تزل تتوالى فصولا دموية وتدميرية على سائر جبهاتها. أما التباينات مع حكومة العدو ورئيسها، فهي لا تعدّل أو تنال من أهدافها. والاخطر ما يجري على جبهة قطاع غزة، حيث الكارثة الانسانية الاخطر في تاريخ الشعب الفلسطيني، التي تنفذ أمام انظار العالم الذي يقف متفرجاً على مسلسل عمليات الإبادة الجماعية قتلاً وتجويعاً، بذريعة رفض حماس تسليم الاسرى الاسرائيليين، واستغلال استهانة الحركة بحياة سكان القطاع والعبث بمصيرهم، بعيداً عن المصلحة الوطنية الفلسطينية. والنتيجة تمكين اسرائيل من متابعة تنفيذ مخططات تبديد وجود الشعب الفلسطيني والسعي لتصفية قضيته وحقوقه.

رعاية الحرب على سوريا

بالتوازي لم تتوقف الرعاية الاميركية للحرب الاسرائيلية على سوريا التي بدأت قبل خمسة أشهر. بدأ الامر باحتلال مناطق ومواقع استراتيجية عسكرية وثروات مائية محاذية للجولان المحتل وفي جبل الشيخ والجنوب السوري. وترافق ذلك مع مسلسل لا ينتهي من عمليات التدمير للبنية العسكرية السورية. حدث ذلك في لحظة انهيار نظام الاسد ورفع المجموعات الاصولية شعار اعادة تكوين السلطة وبناء الدولة واعلان انتهاء الحرب الاهلية، ودعوة سائر مكونات الشعب السوري لتسليم السلاح والخضوع لسلطتها. غير أن انفراد تلك المجموعات بالسلطة، ساهم في تصعيد الصراع الاهلي، وارتفاع وتيرة تدخل الخارج في الاوضاع الداخلية على رافعة الاعتراضات الكردية والعلوية والدرزية، في اطار الصراع الدولي والاقليمي للسيطرة على سوريا، ومحاولة تقاسم مناطقها على النحو الذي يهدد وحدتها الكيانية ودفع الاقليات للمطالبة بالحكم الذاتي. وفي هذا السياق رفعت حكومة العدو ورئيسها ووزير حربها، شعار حماية الطائفة الدرزية، مستغلة الحوادث الطائفية، مستفيدة من عجز النظام الجديد عن معالجة اشكاليات العلاقة بين مكونات الشعب السوري، على النحو الذي يحول دون التدخل الاسرائيلي المرعي اميركياً، بديلاً عن الصمت الذي سبق اعلان رأس النظام عن مفاوضات غير مباشرة تُمهد للتطبيع مع العدو.

في المقابل أكد النظام التركي، راعي عملية إنهاء حكم الاسد واستيلاء التنظيمات الاصولية على السلطة في سوريا، انضباطه تحت سقف السياسات والمواقف الاميركية حيال سائر الملفات المتعلقة بأوضاع المنطقة. سواء تعلق الامر بتأمين التغطية للحرب الاسرائيلية عليها، وباستمرار حماية الاقلية الكردية باشكاليتها، أو لناحية انفتاح السلطة الجديدة على الدول العربية، وخصوصا بلدان الخليج من البوابة السعودية. وتجلى الانضباط باضطرار اردوغان إلى لجم طموحاته، والقبول بالخطوط  الحمر التي رسمتها اسرائيل بالنار لتواجد جيش بلاده في سوريا، قبل أن تبدأ جولات التفاوض بينهما في اذربيجان للاتفاق على تحديد مناطق نفوذ كل منهما فيها.

المفاوضات مع ايران

   وعلى رافعة نتائج الحرب الاسرائيلية على سائر جبهات محور الممانعة، لم تتوقف تهديدات وانذارات الرئيس الاميركي لايران، ومطالبتها بالخضوع لشروط ادارته. لتبدأ بنتيجتها، المفاوضات حول ملفها النووي ودورها الاقليمي من مختلف بواباته. حدث ذلك خلافاً لرغبة اسرائيل التي خضع رئيس حكومتها لقرار ترامب، رغم مواظبته على تهديد ايران والمطالبة بضربها. وبنتيجة جولات التفاوض، في ظل ارتباك سياسات ترامب على اكثر من صعيد سياسي واقتصادي، وبعد العروض الاستثمارية الايرانية الضخمة لاميركا، بدأ  ترامب يفصح عن تفاؤله بالوصول الى اتفاق حول الملف النووي، ولذلك اندفع لتصعيد الضغوط والعقوبات في محاولة منه لاجبار القيادة الايرانية على تقديم المزيد من التنازلات. وهي التي بدأت تبحث عن صيغة تسويقها داخلياً لاضعاف تصلب الحرس الثوري. هذا ما أكدته المواقف التي رافقت الجولة الرابعة بين الطرفين.

وكما أن الرئيس الاميركي يريد انجازاً سريعا لتغطية عثرات سياساته واجراءاته الجمركية التي فرضها على سائر دول العالم. كذلك فإن النظام الإيراني يقيم جاهداً عند محاولات حماية ما تبقى له من نفوذ في اليمن ولبنان من خلال الحوثيين وحزب الله، رغم خسائرئهما الكارثية بنتيجة الحرب الاسرائيلية التي دُفعا للمشاركة فيها تحت راية اسناد غزة. من الواضح اننا سنشهد مساراً تفاوضياً تكثر فيه مناورات الكرّ والفرّ بين الطرفين، ويتخللها المزيد من العقوبات الاميركية على ايران، ومن تصعيد الضغوط السياسية والميدانية على حلفائها، دون أغفال عمليات التخريب الاسرائيلية وإمكانية توجيه بعض الضربات العسكرية ضد منشآتها.

ومع استمرار تدخل الولايات المتحدة المتواصل في أزمات المنطقة ونزاعاتها المتفجرة، ومع إدارتها الكاملة ورعايتها لمسارات الحرب الاسرائيلية على سائر الجبهات،  برز تسليم  الجهات الدولية الاقليمية بدورها. وبات ما تطرحه من توجهات وما يصدر عنها من مواقف من المسلمات. والأخطر نجاحها في تكريس دولة اسرائيل ركيزة أساسية لسياساتها في المنطقة، وقبول دول المنطقة ونظمها الحاكمة، بدورها الاقليمي، والانفتاح عليها واستسهال تطبيع  العلاقات معها والتسليم باعتبارها طرفاً متدخلاً في أزمات بلدانها وفي أوضاعها الداخلية.

في المحصلة دخلت المنطقة عصر السيطرة الاميركية ـ الاسرائيلية، على النحو الذي يضع مصير كياناتها ومستقبل مجتمعاتها امام تحديات غير مسبوقة، منذ انهيار السلطنة العثمانية ومقررات سايكس ـ بيكو، التي رسمت كيانات وخرائط المنطقة واسست لقيام دولة اسرائيل في فلسطين بموجب وعد بلفور. حدث الخضوع العربي بقوة نتائج الحروب البينية والاهلية خلال العقود السابقة، التي مهدت للحرب الاسرائيلية الحالية المرشحة للاستطالة إلى أمد غير منظور  بقوة تقاطعها مع ما هو قائم ومستمر من أزمات، في ظل انعدام الحواجز الاعتراضية العربية ذات الطبيعة التوحيدية حول المشتركات بين دولها ومكوناتها المجتمعية، جرَّاء الدمار الذي اصاب الرابطة القومية والروابط الوطنية التي ظللت وجودها طوال ما يزيد عن مائة عام.

في عصر السيطرة الاميركية، كثيرة هي التحديات والصعوبات التي تضع الدول والمجتمعات العربية، امام كم لا ينتهي من الاسئلة الصعبة والمصيرية في آن. والأجوبة هي التي تقرر مستقبل ومصير كيانات المنطقة وشعوبها.