ثقافة صحف وآراء

“كتاب الموجة الرابعة”: اليمين المتطرّف من أوروبا إلى أميركا اللاتينية

*بوينس أيرسالعربي الجديد

في عام 2022، حلّل أستاذ العلوم الاجتماعية في “جامعة بوينس آيريس”، الباحث الأرجنتيني أرييل غولدشتاين، في كتابه “حروب استرداد الاستبدادية: كيف يُهدّد اليمين العالمي الديمقراطية في أميركا اللاتينية”، الإجراءات التي مكّنت الأحزاب الرئيسية في أقصى اليمين الأوروبي من تحقيق مكاسب أعادتها إلى المشهد السياسي العالمي، وكان ذلك من خلال شبكة دولية من وسائل الإعلام والجامعات والمنظّمات غير الحكومية.

حينها كان جايير بولسونارو لا يزال رئيساً في البرازيل، والتشيلي اليميني خوسيه أنطونيو كاست قد وصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في تشيلي، ودونالد ترامب قد حرّض فعلاً بالهجوم على “الكابيتول”، والأرجنتيني خافيير ميلي قد صار نائباً في البرلمان.

مرّت ثلاثة أعوام على ذلك الكتاب. اليوم، تتكرّر الأسماء نفسها تقريباً: ميلي صار رئيساً للأرجنتين، وترامب في العشرين من الشهر الجاري يتسلّم رسمياً منصب الرئاسة الأميركية لدورة ثانية. في هذا السياق يبحث الكاتب نمو اليمين المتطرّف وعبوره للحدود وصولاً إلى القارّة اللاتينية.

هذا هو الإطار العامّ لكتاب “الموجة الرابعة” الصادر حديثاً للكاتب الأرجنيتيني عن دار “مارييا”، حيث يُعلن فيه عن ابتداء الموجة الرابعة من اليمين المتطرّف، بعد الأولى التي يحدّدها بين عامَي 1920 و1950، خصوصاً مع صعود الفاشية، ثم الثانية بدءاً من عام 1960، كردّة فعلٍ على الثورة الكوبية وفي إطار اضطهاد العدوّ الداخلي، والثالثة المؤطّرة مع صعود نيوليبرالية شعبوية يمينية بقيادة الأرجنتيني كارلوس منعم، والبيروفي فوجيموري والبرتغالي دي ميلو.

غير أن هذه الموجة الرابعة، وفقاً للكاتب الأرجنتيني، تغيّر جزءاً كبيراً من العالم بعواقب غير معروفة، إذ ينمو اليمين المتطرّف في ظلّ حالة الفوضى وانعدام المصير المشترك التي تعيشها مجتمعات اليوم، نتيجة للأزمة النظامية للرأسمالية، والتي تفاقمت بسبب الوباء وعواقبه. ويتم توجيه هذا الشعور بالضيق من خلال إلقاء اللوم على مجموعات اجتماعية أُخرى، وكسر التضامن الجماعي، والتجمّع على أساس مشاعر الكراهية.

ويرى الكاتب أنَّ الافتقار إلى الأُفق والتوقّعات للمستقبل يؤدّي إلى نموّ البدائل الدينية المتطرّفة والاستبدادية التي تعِدُ بحلّ الأزمات بطريقة جذرية، وهذا تاريخياً ليس شيئاً جديداً، لكن هذه البدائل تقدّم نفسها اليوم بوصفها “المخلّص الإلهي”، الذي تحالف مع “رُسل” هم عبارة عن مجموعة كبيرة من المتعصّبين والانتهازيين.

ويرى غولدشتاين أن اليمين المتطرّف يستمدّ نفوذه بشكل رئيسي من مصدَرين سياسيَّين أيديولوجيَّين في العالم: حزب فوكس في إسبانيا والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. ويُفسّر نموّ اليمين عموماً بالتمويل الذي تتلقاّه هذه الأحزاب من “المانحين” الذين وضعوا أموالهم سابقاً في اليمين المعتدل. ويقوم غولدشتاين بتحليل الوضع في البلدان المختلفة حيث أصبحت هذه البدائل قوية: الولايات المتحدة، وإسبانيا، وإيطاليا، و”إسرائيل”، وألمانيا، والمجر، وتشيلي، والبرازيل، والبيرو، والأرجنتين بقيادة ميلي.

ويختم الباحث كتابه محاولاً تفسير المرحلة الحالية، التي “ليست مجنونة أو ناتجة عن تعثر في صناديق الاقتراع، بل لها جذور عميقة وتداعيات قوية وأسباب ثقافية واقتصادية وسياسية وفكرية أوصلتنا إليها”. وهنا يسأل سؤال لينين: ما العمل؟

والجواب بكل تأكيد هو، كما يقول: “مواجهة هذا السياق ما بعد الفاشي سيكون بإعادة بناء الحوار الديمقراطي المشترك والنقاش التعدّدي للأفكار”.

*نشرت في العربي الجديد يوم 14 كانون الثاني / يناير 2025

Leave a Comment