زهير هواري
بيروت 1 تشرين الثاني 2024 ـ بيروت الحرية
حظر الكنيست الإسرائيلي عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) في إسرائيل، في خطوة مكملة لما شهده ويشهده قطاع غزة والضفة الغربية من حرب إبادة، وتدمير للمؤسسات الأممية، وتهويد وإصرار على قطع الطريق على عودة اللاجئين إلى ديارهم، أو تعويضهم ما تكبدوه من خسائر بموجب القرارات الدولية. كما إنه تعبير عن رفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية، وإفناء لمعالم ومقومات الحياة وقطع للطريق أمام حل الدولتين.
وكان أعضاء الكنيست قد أقروا مشروع القانون في 28/ 10 / 2024 بأغلبية 92 صوتا مقابل 10 أصوات معارضة، ما أثار عاصفة من الرفض للقانون شملت في من شملته الولايات المتحدة الأميركية حتى. على أن إقرار المشروع من قبل النواب لم يأت مباغتا فخلال العام الفائت تصاعدت الاتهامات الاسرائيلية لعمل الوكالة. وهذا لا يرتبط ببدء الحرب في غزة في أعقاب هجوم حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، بقدر ما يرتبط بسنوات سابقة جهدت خلالها إسرائيل في تنظيم حملات دعائية إعلامية ضد الوكالة. فبين فترة وأخرى كانت تطلق ادعاءات تستند إليها للمطالبة بإلغاء الوكالة، ووقف عملها وتسليم ما تقوم به من مهام إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ما يعني إغراق اللاجئين الفلسطينيين (حوالي 6.4 مليون) بين أكثر من مائة مليون لاجيء في العالم، يتم البحث عن دولة أو مكان يقبل استيطانهم، بدلا من استمرار الاونروا كوكالة متخصصة في حماية ومساندة اللاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم إلى ديارهم. وقد أشاعت إسرائيل أن أنشطة الاونروا تُستخدم كغطاء للأعمال الإرهابية. وأن برامجها التعليمية والتربوية، تشجّع وتديم استمرار الصراع مع دولة إسرائيل، لا سيما من خلال نظام التعليم في مدارسها. علماً أن الوكالة تعتمد البرامج الرسمية في الدول التي تعمل فيها، ويتقدم تلامذتها إلى امتحانات الشهادات النظامية في: الاردن وسوريا ولبنان، وفي مناطق عمل السلطة الوطنية الفلسطينية.
ووفق وسائل الاعلام العبرية، “يدخل القانون حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره (أي بعد 90 يوماً)، ويتولى مجلس الأمن القومي، بتوجيهات من الكنيست، رفع تقارير نصف سنوية خلال السنة الأولى، ثم تقرير سنوي للكنيست حول تطبيق القانون”. و ” يعفي القانون الدولة من الالتزام بمعاهدات تخص الأونروا”.
وضمن سياق توجيه الاتهامات المعتادة ضد الوكالة أعلن المسؤولون الإسرائيليون المنتمون إلى اليمين المتطرف وفي أكثر من مناسبة أن الاونروا هي بؤرة إرهابية، في استعادة للادعاء الذي صدر قبل حوالي العام، عندما اتهمت إسرائيل 12 موظفا من أصل 13 ألف موظف في القطاع، يعملون في الوكالة بالاشتراك مع مقاتلي حماس في عملية طوفان الأقصى، وتبعه مطالبة منها موجهة إلى الدول المانحة في تمويل أنشطة الوكالة بوقف مساهمتها في ما تنفقه على التعليم والصحة والتغذية والنظافة وما شابه. وهو ما استجابت له اميركا والعديد من الدول الأوروبية وتلك التي تدور في فلكها، ثم ما لبثت أن تراجعت عنه، بعد أن تبين لها أن لا أساس من الصحة للاتهام، بموجب أربعة تحقيقات تولتها هيئات قانونية في كل من الدانمارك والنروج والسويد، ورابعة من الأمم المتحدة أدارت عملها وزيرة خارجية فرنسا السابقة. وقد حاول نتنياهو تمرير القانون الذي أقره الكنيست بأقل قدر من الانتقاد، عندما أشار إلى أن حكومته “مستعدة للعمل مع المجتمع الدولي، فيما يتعلق بمسألة المساعدات الإنسانية”. على أن الامر لم يقتصر على القانون الذي يحظر عمل الاونروا ضمن نطاق دولة اسرائيل، فمعه تم إقرار مشروع قانون يحظر الاتصال مع الوكالة الأممية (صوت معه 87 صوتاً مقابل 9 أعضاء معارضين). وبناءً عليه، بات يحظر على أي مسؤول إسرائيلي إجراء اتصالات مع مسؤولي وكالة الاونروا باعتباره من المحرمات بموجب القانون. وأصبحت وزارة الداخلية الإسرائيلية بدورها ممنوعة من إصدار تأشيرات دخول لموظفي الوكالة. كذلك لن يتمكن موظفو الجمارك من تنفيذ عمليات إدخال البضائع التي تستوردها “الاونروا” إلى قطاع غزة أو الضفة الغربية، وسيتمّ إلغاء الإعفاء من الضرائب التي تحظى به الوكالة.
عاصفة من الرفض الأممي والدولي
هذا التطور أثار عاصفة من الرفض، خصوصا مع الحصار المطبق المفروض على قطاع غزة والذي وصل إلى حدود تنفيذ جريمة القتل الجماعي بالتجويع، الذي أجاز اعتماده العديد من المسؤولين والمنظرين الإسرائيليين للتخلص من الفلسطينيين. بدأت ردود الفعل مع ما أعلنه المفوّض العام للأونروا فيليب لازاريني عن هذه السابقة الخطيرة، باعتبار أنّ الوكالة باتت تواجه “مأساة ثلاثية” منذ بدأت إسرائيل تشن غارات مكثفة ضد حزب الله في لبنان، لأنّ هذا التصعيد زاد من الأعباء الثقيلة الملقاة على عاتق الوكالة من جرَّاء الحرب في غزة والأوضاع بالضفة الغربية المحتلة. ووصفت المتحدثة باسم الوكالة جولييت توما القانون بأنه عمل مشين أن تقوم دولة عضو في الأمم المتحدة في عملية تفكيك لوكالة تابعة للأمم المتحدة، هي أكبر مستجيب لمتطلبات في العملية الإنسانية في قطاع غزة.
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فقد ندد بالخطوة، قائلا إن حظر أنشطة الوكالة الأممية “قد يكون له عواقب مدمرة على اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو أمر غير مقبول”. وأضاف في بيان له قائلاً: “لا يوجد بديل للأونروا. إن تطبيق هذه القوانين سيكون مضراً بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والسلام والأمن في المنطقة ككل. وكما قلت من قبل، فإن الأونروا لا غنى عنها”. وأعلن غوتيريش أنه سيعرض الأمر على الجمعية العامة للأمم المتحدة المكونة من 193 عضوا.
واعتبرت العديد من المنظمات الحقوقية أن ذلك يمس بصورة صارخة بالحقوق الإنسانية للفلسطينيين. وقال مركز “عدالة” لحقوق الإنسان في إسرائيل، إن ذلك يعني “قطع شريان الحياة الحيوي” عن اللاجئين، مشددا على الحاجة الملحّة لتدخل دولي “يوقف الجرائم ضد الإنسانية” التي ترتكبها إسرائيل، على حد وصف هذا المركز المستقل.
وأصدرت حكومات أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا بياناً مشتركاً دان تشريعات الكنيست التي تستهدف الأونروا، ووصفها بأنها “سابقة خطيرة لعمل الأمم المتحدة”. وجاء في البيان أن “عمل الأونروا لا يمكن الاستغناء عنه لملايين اللاجئين”. كذلك انتقدت بشدة كل من اميركا والحكومة الألمانية وفرنسا حظر أنشطة الأونروا، وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن المملكة المتحدة “قلقة للغاية”، محذرا من أن هذا التشريع “قد يجعل مستحيلا عمل الأونروا الأساسي بالنسبة للفلسطينيين، ما يعرض الاستجابة الإنسانية الدولية بأكملها في غزة وتوفير خدماتها الصحية والتعليمية الأساسية في الضفة الغربية للخطر”. كما أصدرت كل من اليونيسيف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الغذاء العالمي وغيرها من المنظمات الأممية والدولية بيانات إدانة للخطوة الإسرائيلية، التي وإن لم تصنف الاونروا منظمة إرهابية كما كانت تلوح دوماً، إلا أنها تصب في مجرى التحريض المتواصل وشيطنة عمل الوكالة الذي دأبت على اعتماده منذ سنوات.
المواقف العربية والفلسطينية
العديد من البيانات صدرت عن الدول العربية. ولا سيما من جانب كل من مصر والعراق وسوريا والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات والأردن والجزائر وغيرهم. وقد تقاطعت المواقف العربية ليس فقط عند حدود رفض مثل هذا القانون، بل عند النظر إلى ما جاء فيه بأنه يعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدولي ولالتزامات إسرائيل باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة. واعتبرت أن هدف القانون هو اغتيال الوكالة وقطع الطريق على ما نصت عليه القرارات الدولية من حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وفق ما نص عليه قرارات القانون الدولي، وإقامة دولتهم على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس. وبعد أن أكدت رفضها للقانون توقعت فشل المحاولة الإسرائيلية غير الشرعية، والمتعارضة مع حقوق الانسان والمواثيق الدولية.
وأصدرت كل من السلطة الوطنية الفلسطينية وحركتي فتح وحماس وغيرهم مواقف أدانت فيها قانون استهداف الاونروا من جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرته يشكل تحديا لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية. وهو قانون ليس موجها ضد اللاجئين الفلسطينيين فقط، بل ضد الأمم المتحدة ودول العالم التي اتخذت قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين بموجب القرار رقم 194 الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم، ثم ألحقته بقرار قيام وكالة الغوث في العام 1949 التي بموجبه جرى تكليفها برعاية شؤونهم حتى عودتهم إلى بلادهم. وقد باشرت الوكالة عملها بعده بعام، وتتولى الجمعية العمومية للأمم المتحدة التجديد لولاية الوكالة كل عام. وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة: إن “تصويت ما يسمى الكنيست على القرار بالأغلبية الساحقة يدل على تحوّل إسرائيل إلى دولة فاشية، وأن ذلك لم يعد مقتصرا على عدد من الوزراء، وإنما ما يسمى دولة إسرائيل”، مشددا أن على العالم التعامل معها (إسرائيل) كدولة عنصرية وأن يخرجها من الشرعية الدولية.
وأضاف أبو ردينة أنه “لولا الدعم الأميركي المتواصل سياسيا وماليا وعسكريا لصالح الاحتلال، لما تجرأ على تحدي المجتمع الدولي، واتخاذ سياسات أغرقت المنطقة بالعنف وعدم الاستقرار”.
ومع أن ما قامت به إسرائيل لا يشمل مناطق عمل الوكالة في كل من لبنان وسوريا والأردن إلا أنه يهدد بتعطيل عملها لخدمة حوالي 1.6 مليون لاجئ مسجل في غزة، و13 ألف موظف يعملون في قطاعات الأونروا الصحية والتعليمية والإغاثة الاجتماعية، والتي تشمل 8 مخيمات، و706 مدارس تستقبل حوالي أكثر من 300 ألف طالب وطالبة و22 مركز صحي. أما في الضفة الغربية بما فيها شرق القدس المحتلة فهناك 3850 موظفا لديها و901 ألف لاجئ مسجل يستفيدون من خدماتها، و19 مخيم، و96 مدرسة تستقبل 46 ألف طالب وطالبة و43 مركزاُ صحياً.
يبقى الأهم أن الغاء الأونروا وانهاء دورها في مناطق عملياتها الخمسة (الضفة وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا) مع أن ذلك مستبعد ولا علاقة له بقانون الكنيست الذي يسري في الأرض المحتلة فقط، وعلى الرغم من خطورته، لن ينسحب على الوضع القانوني والسياسي لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة غير القابل للتنازل بأي شكل من الاشكال، علما أن الاحتلال يسعى إلى تحقيق ذلك سواء بواسطة الإبادة المادية أو المعنوية.
Leave a Comment