محمد قدوح
بيروت 1 تشرين الثاني 2024 ـ بيروت الحرية
يواجه لبنان منذ 8 تشرين الأول عام 2023 ولغاية تاريخة حربا اسرائيلية توسعت وتصاعدت حدتها منذ 17 ايلول الماضي، وأدت حتى 26 من شهر تشرين الاول إلى استشهاد 2653 شخصاً وجرح 12360 شخصاً، ونزوح حوالي 1,400,000 (مليون واربعماية ألف) شخص عن اماكن سكنهم في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وتدمير عشرات ألوف المنازل والوحدات السكنية، والمئات من المؤسسات الصناعية والتجارية واحراق أكثر من 1900 هكتار من الأراضي الزراعية.
يحصل هذا الاجرام الصهيوني، فيما لبنان يعاني أصلاً من أزمة اقتصادية عميقة انطلقت عام 2019 وترافقت مع انهيار نقدي ومالي كبير، تبعه تداعيات وانتشار فيروس كورونا، ومن ثم انفجار مرفأ بيروت. وقد نتج عن هذه الأزمات المتلاحقة، انهيار القطاع المصرفي ونهب مدخرات المودعين، وفقدان العملة الوطنية 98% من قيمتها، وهو ما ادى إلى تراجع حاد في الناتج المحلى الإجمالي من 54.9 مليار دولار عام 2018 إلى 17.9 مليار دولار عام 2023.
ومما لا شك فيه أن نتائج الحرب الاسرائيلية المتواصلة على لبنان ستشكل منعطفا خطيراً بالنسبة لنشاط القطاعات الاقتصادية، ويفرض تحديات مالية ونقدية، وبالتأكيد ستكون له تداعيات اجتماعية تضاعف من معاناة اللبنانيين بشكل عام، وسكان المناطق المستهدفة في الحرب بشكل خاص.
من غير الممكن الآن الحديث عن إحصاء الخسائر الناتجة عن الحرب بدقة في ظل استمرارها، لكن من الممكن الحديث عن تقديرات رسمية وغير رسمية وهي متغيرة في ظل الحرب، وبالتالي معدلات ونسب الخسائر. والواضح في هذا السياق أن الحرب والنزوح سيؤديان إلى تعطيل حاد وطويل الأمد للنشاط الاقتصادي. مع ذلك لا بد من محاولة عرض ورصد للخسائر التى طالت بعض القطاعات الاقتصادية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية.
اولاً: قطاع الزراعة
لقد ادت العمليات الحربية والاسرائيلية حتي الآن إلى احراق حوالي 1900 هكتار من الأراضي المزروعة (أشجار مختلفة، زيتون، اشجار مثمرة وحبوب)، وإلى تخلي المزارعين قسرا عن اراضٍ زراعية تقدر مساحتها بحوالي 12000 هكتار بسبب مخاطر الحرب، مما ألحق خسائر فادحة بحوالي 46,000 مزارع. وتمثل المساحات الزراعية المنكوبة حوالي 40 % من الأراضي الزراعية في لبنان، وتقدر قيمة خسائر القطاع الزراعي بحوالي 2,5 مليار دولار، مما يؤدى عملياً إلى تراجع قيمة الصادرات الزراعية، والتى تمثل نسبة 7% من قيمة الصادرات الاجمالية.
ثانيا: قطاعا الصناعة والتجارة
يوجد في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية حوالي 50,000 مؤسسة تجارية وصناعية مسجلة أي ما يعادل 60% من الشركات المسجلة في لبنان. وقد توقف نشاط غالبية هذه المؤسسات منذ 23 ايلول الماضي ودمر عدد كبير منها، وبالتالي من المتوقع أن تتراجع الصادرات الصناعية بنسبة 50% من قيمتها الاجمالية خلال الربع الأخير من هذا العام.
ثالثا: قطاع السياحة
لقد تأثر قطاع السياحة بشكل محدود حتى مطلع شهر ايلول، لكنه توقف كليا بعد 17 منه، بسبب توقف حركة الوافدين الى لبنان، وتوسع وارتفاع حدة الأعمال الحربية. وقد قدرت الخسائر الناتجة عن توقف نشاط هذا القطاع بحوالي مليار دولار، مما يؤدي إلى تراجع قيمة نشاطه التى قدرت العام الماضي بحوالي 5 مليارات دولار تمثل 30% من الناتج المحلي الاجمالي.
رابعاً : قطاع البناء
ترتفع خسائر قطاع البناء بشكل يومي بسبب القصف التدميري الذي تنفذة القوات الاسرائيلية سواء في الضاحية الجنوبية أو في مناطق الجنوب والبقاع. وقدرت بعض الجهات قيمة خسائر هذا القطاع حتي 17 ايلول بحوالي مليار دولار.
لكن حجم الخسائر ارتفع بشكل سريع وجنوني بعد هذا التاريخ. ويصل تقدير حجم الخسائر حاليا إلى ما مجموعه 5 مليارات، وتمثل هذه الخسائر 15 % من قيمة الناتج الاجمالي المحلي.
خامساً: كلفة النزوح وانعكاساتة
يُقدر عدد النازحين حتى الآن بحوالي 1,400,000 شخص من أصل
1,800,000 شخص. وهو عدد سكان المناطق المستهدفة في الحرب، والذي يمثل ثلث سكان لبنان. ويوجد حوالي 200,000 شخص في مراكز الإيواء، والباقي مقيم في منازل وبيوت الأقارب، وفي منازل مستأجرة من قبلهم. وحتى الآن لم تقدم الدولة للنازحين سوى فتح مراكز الإيواء. وقد بدأت مؤخراً بتوزيع بعض المساعدات على مراكز الإيواء، لكن من المتوقع في حال اطالة أمد النزوح أن تولد مشكلات لدى النازحين. وقد قدر رئيس لجنة الطوارىء الحكومية الدكتور ناصر ياسين حاجة اللجنة إلى 250 مليون دولار شهرياً لمواجهة اعباء النزوح. وهو مبلغ يشكل عبئاً اضافياً على موازنة الدولة وميزانية مصرف لبنان.
سادسا: قطاع التعليم
يوجد في المناطق المستهدفة بالقصف حوالي 600 مدرسة، وعدد مماثل من المدارس الرسمية، اضافة إلى 35 جامعة، و90 معهد تقني. ومن المتوقع أن يتعرض للتدمير عدد كبير من هذه المؤسسات، او تصاب بأضرار فادحة ومكلفة، وبالتالي فان قسما كبيراً من الطلاب سيجد صعوبة في الالتحاق في هذه المدارس والجامعات والمعاهد. هذا في حال توقفت الحرب، أما في حال استمرارها فان مشكلة التعليم ستطال غالبية طلاب لبنان، بسبب تحويل قسم كبير من المدارس الرسمية وبعض المدارس الخاصة إلى مراكز إيواء. وبالتالي فان خسارة طلاب لبنان عام دراسي تعادل خسارة فرصة للنمو والتطور على مختلف الصعد، وهذه تقدر قيمتها بملايين الدولارات إن لم نقل أضعاف ذلك.
سابعا: مخاطر على الاستقرار المالي
لقد حصلت خلال الفترة الماضية ذبذبات ضعيفة قي السوق المالية، من دون أن تؤثر على الاستقرار النقدي بسبب السياسة المالية المعتمدة، ولجم محاولات المضاربين انتهاز ما يحدث والتلاعب بقيمة النقد الوطني، لكن هذا الذي لم يتحقق لا يمنع من القول إن ميزانية مصرف لبنان وموازنة الدولة تتعرض لضغوطات متزايدة، حيث تراجع احتياط مصرف لبنان بالعملة الصعبة حوالي 344 مليون دولار نتيجة تسديد الرواتب والاجور والدفعات الاستثنائية للمودعين، دون أن تستطيع الدولة والمصرف تعويض هذا المبلغ بسبب توقف حركة الوافدين إلى لبنان. كما أن الواردات المالية للخزينة العامة تراجعت بسبب ضعف الجباية وشلل النشاط الاقتصادي.
ويضاف إلى ذلك التأثيرات السلبية المتمثلة في تخفيض تصنيف لبنان ووضعه على القائمة الرمادية، وإن كان هذا القرار لم يؤثر على استمرار المصارف المراسلة بالعمل بين فروعها في الخارج وبيروت، لأن هذا القرار يعود بشكل اساسى إلى عدم التزام الحكومة اللبنانية بالاصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة من قبل الجهات المالية والسياسية الدولية.
خلاصة القول إن خسائر الحرب قد عطلت أكثر من 50% من النشاط الاقتصادي، وهو امر له مضاعفاته على الأوضاع المالية والنقدية والاجتماعية.
Leave a Comment