*عارف العبد
يعيش لبنان خلال هذه الفترة أسوأ واصعب أيام حياته منذ الإعلان عن ولادته قبل نحو 104 سنوات. اذ لا يمر يوم من دون ان تقوم إسرائيل وبتمكن متفوق واجرام معلن، من قتل العشرات وجرح المئات من مواطنيه، ان في الجنوب او في الضاحية او أي منطقة يختارها مفاعل او محرك بحث انتقاء الأهداف في بنك المعلومات الإسرائيلي.
وقد وصلت الوحشية الإسرائيلية حدا غير مسبوق في الحروب والمجازر التي شهدها العالم. كأن يتم تدمير بناية محشوة ومكتظة بالسكان بمجرد الشك ان عنصرا من حزب الله موجود في هذه البناية.
والحقيقة ان إسرائيل في هذا الاجرام المتمادي، أعطيت من دول العالم الغربي عامة وبعض العرب بسكوتهم والراعي الامريكي، تحديدا على وجه الخصوص، إجازة مفتوحة في القتل، من دون ان يوضع لها ضوابط، او حدود بشكل غير مسبوق، في التاريخ الحديث.
لكن وسط هذا الاجرام الاسرائيلي الهائل، والمنفلت من عقاله، تظهر مشاهد ومواقف ساسية متناقضة مستغربة وغير متوقعة او مسبوقة. كأن يخرج احد المرشحين لرئاسة الجمهورية، من دون ان يرف له جفن، مبررا قتل إسرائيل لاكثر من عشرين مدنيا في بناية واحدة في منطقته، بالقول انها استهدفت عنصرا من حزب الله اتى لزيارة المبنى!
لكن اللافت للانتباه، ان اغلب الأطراف في لبنان، تجهد او تعمل للبحث والتفكير والتفتيش، عن حل للخروج من الكارثة الجهنمية، باستثناء طرفين هما إسرائيل وحزب الله.
إسرائيل، من الواضح، انها حصلت مسرورة وسعيدة، على إجازة مفتوحة وغير محددة، من المجتمع الغربي والولايات المتحدة الامريكية لانجاز مهمة القضاء على حزب الله وتحطيم ما يمكن من البيئة التي تحميه ويعيش ويتحرك فيها.
والا كيف يمكن تفسير السكوت، عن تصاعد هذه المجازر ضد المدنيين، في لبنان من دون اية رفة جفن، او اعتراض او استنكار جدي، من اغلب الدول العربية، قبل الدول الأوروبية، وصولا الى الولايات المتحدة الامريكية بوجهها الصبوح المشرق المدافع عن حقوق الانسان، الذي سبق ان اباد الهنود الحمر، واستعبد وقتل ملايين الزنوج و”العبيد” من افريقيا في ارضه، وانتقل للخلاص من الفلسطينيين في غزة، ووصل الان الى تأديب وتشذيب اللبنانيين المحسوبين على حزب الله.
وسط هذه الكارثة المستمرة انتقل حزب الله، من حالة هستيريا العنفوان الجنوني المتصاعد، الذي غزته ودعمته ايران ولاية الفقيه، لمحاربة العالم من اجل “ان لا تسبى زينب مرتين”، الى حد الدخول في حالة انكار مخيفة لرفض الاعتراف بالواقع الفاضح المنتشر على الطرق وارضيات المدارس والارصفة الجرداء والمعاهد والابنية المُقتحمة، متجاهلا الواقع المؤلم والصادم عن انهيار مقولة الردع والصفع لاسرائيل. الى الاستمرار في اهزوجة واكذوبة النصر الموعود والمأمول و”خلع باب خيبر” ، كما وعدنا الناطق الإعلامي للحزب محمد عفيف. ومن ثم الانطلاق في مسيرة “ايلام العدو” التي اطلقها الشيخ نعيم قاسم، من اخر ما تبقى من اقبية الضاحية المظلمة والمتظلمة والمظلومة.
ثلاثة مواقف، او تجمعات مرفقة بمؤتمرات، ومواقف سياسية دلت ان هناك انفصالا، وافتراقا تاما بين بيئة من لبنان، وبين بيئة واجواء حزب الله.
اول الاجتماعات الباحثة عن حل والراسمة لطريق مخرج من الكارثة، تمثل باجتماع الرئيس نبيه بري، في صورة غير محببة لاقتصارها على شخصيات من المسلمين فقط، مع قائد فرقة الساعين “للسترة والسلامة” ابن طرابلس الفيحاء الرئيس نجيب ميقاتي، وشيخ مشايخ الجنبلاطيين الاشتراكيين الجبليين وليد كمال جنبلاط.
ليتبعه بعد أيام لقاء القوات اللبنانية الثاني، مع الأصدقاء والاحباب بزعامة الحكيم المتربص على تلة معراب، ابن بلدة بشري الابية الدكتور سمير جعجع، من اجل توحيد الكلمة اللبنانية والسيادية المتفرقة في مواجهة شطط وكوارث حزب الله .
لتأتي بعد كل ذلك، قمة بكركي الروحية الفريدة، من نوعها بوضوح وتميز الموقف والرؤية الوطنية والتي أعلنت بصراحة متناهية اتساع الهوة بين اهداف حزب الله المضخمة والمنفوخة، في مواجهة الاجرام الإسرائيلي وبحثا عن حل ووحدة وطنية مترنحة بالكاد تقف على رجليها.
عمليا، تسبب حزب الله ومن خلفه ولاية الفقية، ومن خلفهما منطق المقاومة للمقاومة. في تدمير لبنان مرتين متتاليتين من دون طائل او مبرر مقنع وطنيا.
المرة الاولى كانت في العام 2006 حين قرر الحزب تجاوز الخط الازرق لاختطاف جنديين لمبادلتهما باسرى كان وعد السيد حسن نصرالله باطلاقهم.
وقد نجحت ووفقت الجهود الحكومية الرسمية يومها في اعادة اعمار ما تهدم بسرعة قياسية وكلفة ليست قليلة، بالتوازي مع امال عربية بعدم اعادة وتكرار هذه الجلجلة.
من حيث المنطق الطبيعي، لم يعد لسلاح حزب الله مايبرر وجوده وانتفاخه وتوسعه منذ العام 2000 عام التحرير المشهود، على يد حزب الله نفسه وقوى وطنية وسياسية اخرى.
كل ما جرى بعد ذلك على مستوى السلاح ونظريات السلاح وحماية السلاح، لم يكن لها اي مبرر على الاطلاق. فقد حُررت الارض المحتلة وانسحبت اسرائيل منها، وما تبقى كان يمكن الانتظار عليه واستعادته بالدبلوماسية او بانتظار الفرصة والمعطيات الاقليمية المناسبة.
لقد تفتقت عبقرية المشاغلة القومية السادية المريضة، عن فكرة مزارع شبعا المحتلة المنسية، لكي تبقي لليد السورية والايرانية مبررها للتدخل واللعب في لبنان واستخدامه ذراعا للحركشة الاقليمية والتسلط الداخلي.
باستثناء ذلك، كان بالامكان التوفير، على لبنان واللبنانيين الجنوبيين والبقاعيين هذا الفصل الممض والمؤلم من العذاب والبهدلة والتشرد على الطرق والالام التي كان بالامكان الاستعناء عنها وتوفيرها.
لقد دمرت عصابة النهب السلطوية، ارث وثروة وتعب اللبنانيين منذ ازمة انترا. بعد ان نهبت مدخراتهم في المصارف ودمرت اقتصادهم الهجين والحساس وتعب اجيالهم. والان وبسبب سلسلة الحروب في زمن الانتصارات الوهمية الفارغة، حسب ترويج حزب الله الدعائي، تُدمر باقي اسس وثروة الجنوبيين واهل البقاع وقراهم ومدنهم التي بنيت طوال القرن الماضي، من اجل امر كان يمكن تاجيله او تجاهله او عدم الدخول به لارضاء رغبات وسياسات ولي الفقيه، المهتم والمشغول في حياكة سجادته المصلحية الايرانية في المنطقة والعالم.
وذلك، بحجة تحرير ما تبقى من اراض محتلة، ليس مؤكدا حتى الان انها لبنانية، اعيد تدمير كل الجنوب والبقاع من لبنان بقراه الوادعة الغنية بطيبة اهلها وسكانها وتراثها الريفي السمح ليقع لبنان وحزب الله في ازمة، لا يعرف ولن يعرف، كيف يخرج منها.
*نشر في المدن الالكترونية يوم الجمعة 2024/10/18
Leave a Comment