زكي طه
بيروت 30 آب 2024 ـ بيروت الحرية
نفذ حزب الله تهديده بالرد على اغتيال اسرائيل قائده العسكري فؤاد شكر، كما جرى التخطيط له، أخذاً بنظر الاعتبار معطيات الحرب الاسرائيلية المفتوحة ومتفرعاتها تحت راية مساندة غزة. لكن مسارعة الطرفيْن المعنييْن إلى إعلان إقفال الملف والرد، لم تؤد إلى وضع حد للسجال الذي واكب العملية. سواء تعلق الأمر بعملية الاغتيال، أو الهجوم الاسرائيلي الاستباقي نجاحاً أو فشلاً، كذلك حول تحقيق رد الحزب الأهداف المرجوة من عدمه، في ضوء الهجوم الاسرائيلي الذي سبق الرد. ما يعني تواصل البحث والتحليل والنقاش حول سياق ووقائع ما حدث، كما حول البيانات التي تناولت العملية وما ترتب عليها من نتائج، إن لناحية عدم وجود خسائر بشرية عسكرية أو مدنية، أو لجهة محاذرة الطرفين تدمير أو اصابة أية أهداف مهمة يمكن أن تستدعي ردوداً إضافية.
علماً أن السجال القائم حول السردية الاسرائيلية وسردية الحزب اللتين تناوبا على الإدلاء بهما، يقع في امتداد وقائع وسرديات رد ايران، على تدمير قنصليتها في العاصمة السورية أوائل العام الحالي، نظراً لتقاطعه مع رد الحزب من حيث الانضباط تحت سقف استعراض ما لديهما من ترسانة عسكرية لتأكيد قدرتهما على الرد. وهو موصول أيضاً بالمآلات المجهولة لردها المحتمل على اغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران وفق المواصفات الأميركية المعلنة، في أعقاب فتوى قيادة الحزب بإعفاء النظامين الايراني والسوري من مسؤولية المشاركة في هذه الحرب أو الاشتباك المباشر مع اسرائيل. بالاضافة إلى رد ميليشيا الحوثيين المفترض على تدمير اسرائيل لميناء الحديدة قبل زيارة نتنياهو إلى واشنطن.
الرد وخطر الانفجار المقيم
وما يعنينا من الأمر أن رد الحزب لم يولّد مفاعيل تدميرية جديدة أو مضاعفات سلبية إضافية على أوضاع البلد، بقدر ما ساهم في تبديد بعض أجواء القلق لدى اللبنانيين وخاصة الجنوبيين منهم، وهو أمر ايجابي. علماً أن الرد نُفذ في ظل الخلل الفادح في موازين القوى، وتحت سقف قواعد الاشتباك وأجواء التصعيد الاسرائيلية والتهديدات المتبادلة، التي لا تزال تقيّد مسار حرب الاستنزاف القائمة والمفتوحة. لكن خطر انفجار حرب شاملة لم يزل أمراً قائما بالنظر لتحول لبنان ساحة مواجهة مشرعة امام كل الاحتمالات، رغم حرص الطرفين لغاية الآن على إبقاء المواجهات تحت سقف السيطرة، وفق ما يلائم مصالحهما وسياساتهما، سواء تعلق الأمر بالتطورات المقبلة على جبهة الحرب في قطاع غزة وانعكاساتها على سائر الجبهات، أو مع تبدل أولويات الحرب الإسرائيلية، أو محاولات تكريس المواقع والادوار الخاصة بكل منها.
اميركا وايران ومحور الممانعة
من الواضح أن رد فعل ومواقف النظام الايراني وقوى محور الممانعة في التعامل منذ اعلان الحرب الإسرائيلية، وما رافقها من استنفارات وحشود عسكرية وتهديدات وتحذيرات أميركية واوروبية بشأن المشاركة في الحرب، قد بدد كل الأوهام المعقودة حول ادعاءات النظام الايراني والقوى التابعة له بشأن الالتزام بتحرير فلسطين وتدمير اسرائيل. وعدا التهديدات والتحذيرات الاميركية من خطر الدخول في الحرب، فإن ردود قوى معارك المساندة، بما فيها النظام الايراني على ما تعرضت له من قبل العدو الاسرائيلي، كانت بمجملها تحت سقف الطلبات والشروط الاميركية، رغم ربطها بوقف الحرب على القطاع. يؤكد ذلك أنها لم تعدل في مسارات الحرب القائمة أو في المفاوضات الدائرة بشأن الاتفاق على وقفها، ولو بشكل مؤقت في صيغة هدنة لمدة محدودة. والأهم أنها لم تساهم أيضاً في تبديد خطر الحرب الشاملة.
صحيح أن الإدارة الاميركية، تدير مواجهة مفتوحة منذ عقود مع النظام الايراني في إطار الصراع للسيطرة وتقاسم النفوذ على المنطقة من مواقع متناقضة تتقاطع فيها مصالح الجهتين. غير أنها ليست بصدد تصفية حساباتها مع النظام الايراني وخوض حرب عسكرية شاملة معه رغم الالحاح الاسرائيلي الدائم. والصحيح أيضاً أنها برَّأت ايران من التخطيط لعملية طوفان الاقصى، لكنها لم تبرئها من دعم حركتي حماس والجهاد الاسلامي وسائر قوى الممانعة في المنطقة. كما لم تبرئها لاحقاً من المسؤولية عن إدارة وتمويل معارك المساندة.
لكن الدور الاميركي القيادي على سائر جبهات الحرب منذ ساعاتها الاولى، كان ولم يزل عامل الردع الرئيسي في ضبط معارك قوى المحور الإيراني، وفي دفعها بقوة الضغوط السياسية والحشود العسكرية والتهديدات الميدانية لتقنين ادوارها، والتريث في ردودها، وتجنب التعرض للمدنيين جواباً على عمليات القصف والاغتيال التي استهدفت مراكزها ومسؤوليها، سواء التي نفذها العدو الاسرائيلي أو القوات الاميركية. والاكتفاء بحفظ ماء الوجه، عبر تأكيد قدرتها المبدئية على الرد وإلحاق الأذى باسرائيل، في إطار محاولاتها لحماية مواقعها، وما تحقق لها من نفوذ على الصعيدين الاقليمي أو المحلي، والسعي لتكريس أدوارها في إطار التسويات التي تأمل أن تتوافق مع تصوراتها لنتائج الحرب، وأن تلبي طموحاتها المخالفة للأهداف الاميركية والاسرائيلية التي تؤكدها مسارات الحرب والمفاوضات الدائرة في سياقها.
المفاوضات والنكبة المتجددة
وبانتظار جولة أخرى يُحدد زمانها ومكانها الراعي الاميركي الذي يدير الحرب والمفاوضات في آن، إنتهت جولة المفاوضات الأخيرة التي انعقدت في القاهرة، والمخصصة لضبط ولجم الردود على عمليتي الاغتيال التي نفذتها إسرائيل بالتزامن في كل من طهران وضاحية بيروت الجنوبية، تحت راية البحث عن الاتفاق على وقف مؤقت لاطلاق النار في قطاع غزة. وكما كان مقرراً لها من قبل رئيس حكومة العدو الذي يحدد شروط التفاوض التي تضمن له إطالة أمد الحرب، انتهت الجولة كما سابقاتها، خلافاً لرغبة الادارة الاميركية في ظل معركة الانتخابات الرئاسية، دون أن يعني ذلك إعادة النظر بدورها في الحرب والمفاوضات، لأنه يقع في إطار الاستراتيجية الاميركية حيال المنطقة، وموقع اسرائيل ضمنها والمصالح والاهداف المشتركة بينهما.
وبعيدا عن تطلعات الوسيطين، المصري الذي يواجه أقسى الضغوط جرَّاء رفض التسليم بعودة قطاع غزة إلى كنف الاحتلال الاسرائيلي، والقَطَري الذي يبحث عن مخرج لحركة حماس من المأزق الصعب الذي يحاصرها منذ تنفيذها عملية طوفان الاقصى، والذي يقارب النفاذ من أحكامه حد الاستحالة. وكلا الوسيطين يحاولان عبثاً وضع حد للنكبة الجديدة الزاحفة على الشعب الفلسطيني بنتيجة الحرب الاسرائيلية المفتوحة التي تستهدف قضيته وحقوقه، في ظل استمرار التلاعب والعبث الخارجي بوحدته الوطنية، وفي موازاة العجز والتواطوء العربي.
ما يعني أن الساحة الفلسطينية وإلى أن توافق اسرائيل على وقف الحرب، ستكون أمام المزيد من عمليات الإبادة والقتل والتهجير والتدمير المتواصلة في قطاع غزة، في موازاة تصعيد جولات الحرب على الضفة الغربية على نحو متسارع بما فيه استخدام الطيران الحربي وتنظيم الحملات العسكرية الواسعة على مدنها وقراها ومخيماتها، إلى جانب تغطية وحماية ممارسات المستوطنين الارهابية التي يقودها وزراء من الحكومة الحالية في القدس وسواها في إطار الحرب الاسرائيلية المفتوحة. وفي المقابل ستكون المنطقة أمام المزيد من جولات التفاوض وفق شروط رئيس حكومة اسرائيل التعجيزية، الذي يسعى لاطالة أمد الحرب محصناً بشعارات اليمين المتطرف، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتنفيذ مخطط اسرائيل الكبرى، مما يبرر له الاستهانة بورقة الاسرى، ومتابعة الاستثمار في الانقسام الفلسطيني، واستغلال تراجع قدرة حماس على المقاومة ومواجهة عمليات الاغتيال في الداخل والخارج.
وفي المقابل تتابع قيادة العدو استغلال الحشود الاميركية الاضخم في المنطقة، تحت راية حماية اسرائيل والدفاع عنها، سعياً منها لتحقيق أكثر من هدف في الوقت الاميركي الضائع قبل وبعد الانتخابات، سواء عبر محاولة استدراج ايران، خلافاً لرغبتها إلى ميدان المواجهة في ظل اختلال ميزان القوى، أو من خلال التصعيد الميداني على الحدود الشمالية في إطار حرب الاستنزاف القائمة، والتي قررها حزب الله، ومخطط استغلالها من قبل حكومة العدو مدخلاً لفرض شروطها وضمان أمنه، أو الدفع نحو تنفيذ تهديداتها بتدمير لبنان. وهو الخطر الداهم الذي يضع اللبنانيين امام تحديات مصيرية غير قابلة للتجاهل أو التأجيل، كما يضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية لانقاذ البلد من خطر تعريضه للدمار والخراب، وفي الطليعة منهم سائر أطراف السلطة بما فيهم حزب الله. وهم المطالبون بإعادة النظر والتخلي عن مشاريعهم الفئوية ومغامراتهم غير المحسوبة.
Leave a Comment