يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صاروخ مجدل شمس، ويسعى إلى تسليط الانظار على الجبهة الشمالية مع تصاعد لهجة وزراء حكومته لشن حرب على حزب الله” في لبنان، وذلك على الرغم من نفي الأخير أي علاقة له بالحادثة. وعلى هذا باتت الحرب الإسرائيلية واقعة يقابلها اتصالات ديبلوماسية دولية مكثفة لخفض التصعيد ومنع تفاقم الوضع على الحدود الجنوبية.
توالت التهديدات ووصلت الى دعوة بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية إلى احراق لبنان. قد تكون حادثة مجدل شمس هي الشرارة التي ستوسع الحرب الإسرائيلية، لكنها ليست العنوان الذي على اساسه قررت إسرائيل الحرب ضد “حزب الله”. إذ كان واضحاً أن جبهة الجنوب لن تعود إلى ما قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، فهي إما حرب أو اتفاق، وبما أن التسوية تراجعت بعد تعليق وساطة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، فإن الجميع ينتظر ما ستؤول اليه المواجهات، إن كان بتغيير جذري لقواعد الاشتباك عبر احتمال أن تضرب إسرائيل مواقع حيوية في لبنان، أو فرض أمر واقع عبر القصف العنيف وتكثيف الاغتيالات.
الحلقة الحالية من التصعيد قد تأخذ المنطقة إلى حرب واسعة، فكل المؤشرات تدل على أن إسرائيل ستذهب بعيداً في عملياتها ضد “حزب الله” مستغلة حادثة مجدل شمس لكنها ما زالت تواجه فيتو أميركي، إذ أن إدارة بايدن ترفض إعطاء نتنياهو الضوء الأخضر للحرب واجتياح الجنوب بهدف إبعاد الحزب عن المنطقة. قبل حادثة الجولان كان الرئيس جو بايدن حازماً مع نتنياهو وفق ما يكشف مصدر ديبلوماسي، عبر اصراره على ضرورة وقف اطلاق النار في غزة والقبول بصفقة واشنطن. كذلك رفض حرباً ضد لبنان قد تجر المنطقة الى انفجار إقليمي. لكن نتنياهو الذي لم يوافق على عرض الاتفاق أصرّ على القبول بالمرحلة الأولى منه، ثم استئناف العمليات العسكرية، مطالباً بالمزيد من الذخائر، لاستكمال المرحلة الثالثة من الحرب في غزة وتوسيعها ضد “حزب الله”.
هذه الخطة الإسرائيلية يسعى نتنياهو لتنفيذها متخذاً اليوم من صاروخ مجدل شمس عنواناً للتصعيد، لكنه لم يحصل من الإدارة الاميركية سوى على بيان من مجلس الأمن القومي الأميركي يؤكد “الدعم الراسخ لإسرائيل ضدّ كلّ الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران، بما في ذلك “حزب الله” اللبناني. لكن المخاوف الأميركية بدأت تظهر من اعتبارها أن ما حدث قد يجر إلى “حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله. وقد يكون المحفّز الذي جرى تجنبه مدة 10 أشهر”.
أخذت حادثة الجولان بعداً إقليمياً ودولياً، فبعد المواقف الأميركية والدولية، حذرت الخارجية الإيرانية، إسرائيل من “أي مغامرة جديدة ضد لبنان قد تؤدي إلى توسيع نطاق عدم الاستقرار وانعدام الأمن والحرب في المنطقة. لكن إسرائيل تحاول التركيز على مسؤولية لبنان كله عن المواجهات في الجنوب، وهي تحاول الضغط من خلال اعتبارها أن “حزب الله” يساوي لبنان ويجب عدم التفريق بين الاثنين، ما يعني أن الحرب المقبلة التي تهدد بها إسرائيل، لبنان، قد تأخذ منحى مختلفاً مع احتمال ضرب منشآت ومواقع حيوية خارج منطقة العمليات على الحدود.
الثابت وفق المصدر الديبلوماسي أن الإدارة الأميركية المنشغلة بالانتخابات، لا تعطي الضوء الأخضر لنتنياهو، وإن كانت تعبر عن مخاوفها من انزلاق الوضع الى تصعيد شامل ضمن حسابات غير مضبوطة. وعلى الرغم من تعليق وساطة هوكشتاين، إلا أن المبعوث الأميركي أطّل خلال زيارة نتنياهو الى الولايات المتحدة، بهدف إبراز موقف الإدارة الأميركية الداعي للتوصل إلى حل يوقف التصعيد بين إسرائيل و”حزب الله”.
ويعني التوجه الأميركي وفق المصدر أن واشنطن وعلى الرغم من حادثة مجدل شمس لا تزال تمارس ضغوطاً على إسرائيل لتجنب الخيار العسكري الذي لا يمكن التحكم به في المنطقة، ولذا هي تحاول الدفع بالمفاوضات حول غزة وتثق في الوقت نفسه بمهمة هوكشتاين. بيد أن الميدان لا يمكن التحكم به، والأمر يرتبط ايضاً بـ”حزب الله” الذي لديه حسابات أخرى لتكريس معادلة جديدة تسبق أي تفاوض مقبل أو حتى حرباً واسعة، وتمثلت أخيراً باستخدام أسلحة جديدة والذهاب أبعد الى ضرب مواقع إسرائيلية ومستوطنات لم تكن على لائحة الأهداف، وآخرها كان اطلاق مسيّرة نحو حقل كاريش الإسرائيلي، بما يعني تحذيره من أن الحرب قد تطيح باتفاق الترسيم البحري وهو مستعد لكل الاحتمالات.
التطورات الميدانية الأخيرة فتحت التصعيد على مصراعيه، وباتت الانظار موجهة إلى جبهة لبنان، فيما المنطقة كلها في حالة انتظار لما سيؤول إليه الوضع، وما إذا كانت الضغوط ستنجح في لجم التوتر أم أن الكلمة الأخيرة ستكون للحرب. وتزداد المخاوف مع التهديد الإسرائيلي بإعلان الحرب الذي يحاول نتنياهو تبريره من خلال رفضه للمبادرات الأميركية ورهانه على وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. لكن المؤكد أن جبهة لبنان لن تعود إلى القواعد السابقة مع الإصرار الإسرائيلي على تغيير وضع الحدود إما بانسحاب “حزب الله” الى شمال الليطاني من خلال اتفاق يرفضه أصلاً الحزب، أو عبر حرب لا أحد يعرف نتائجها في المنطقة، مع التحذير الإيراني… لكنها تبقي لبنان في حالة استنزاف لا تنتهي؟
*نشرت في جريدة النهار بتاريخ 28 تموز 2024
Leave a Comment