زهير هواري
بيروت 25 تموز 2024 ـ بيروت الحرية
القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 19 تموز/ يوليو 2024 يعتبر سابقة وخطوة متقدمة في حصار وعزل دولة الاحتلال الاسرائيلي في المحافل الدبلوماسية والقانونية الدولية، وكشف للطبيعة العنصرية للكيان الصهيوني. وهو ما يكمل بالتأكيد ما شهدته الدول الغربية من تظاهرات احتجاجاً على المذبحة المستمرة منذ عشرة اشهر في قطاع غزة والضفة الغربية، والتي بدأت في حرم عشرات الجامعات، وامتدت إلى شوارع العواصم والمدن العالمية الأساسية. ويمكن الجزم أن قرار المحكمة يحفز الجموع التي تضامنت مع قضية فلسطين للعودة إلى رفع صوتها والقيام بتحركات شعبية ونضالية. وبهذا المعنى يمكن القول إن إسرائيل تسير على الخطى التي مشاها نظام التمييز – الابارتهايد في جنوب افريقيا وانتهت إلى سقوطه، بفعل الثورة في الداخل والحصار من الخارج. أما أبرز البنود التي جاءت في قرار المحكمة خلال جلستها فهي:
- تواصل الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير شرعي.
- على إسرائيل واجب إنهاء الاحتلال في أقرب وقت ممكن.
- على إسرائيل إعادة الأراضي التي سيطرت عليها في عام 1967 وتعويض الأفراد عن الأضرار التي لحقت بهم.
- يجب على إسرائيل هدم الجدار العازل في جزء من الأراضي الفلسطينية.
- على إسرائيل وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة والانسحاب من المستوطنات.
- إن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية “غير قانوني” ويجب أن ينتهي “في أسرع وقت ممكن”.
الواضح أن النص الذي لخصناه أعلاه ينتهي إلى خلاصة تطالب دول العالم عدم الاعتراف ب”الوجود” الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، تطبيقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ولمبدأ حق تقرير المصير، ويؤكد على وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
رئيس محكمة العدل الدولية القاضي نواف سلام قال: “لقد خلصت المحكمة إلى أن الوجود الإسرائيلي المستمر في الأراضي الفلسطينية غير قانوني”، مضيفاً أنه “يجب على إسرائيل إنهاء الاحتلال في أسرع وقت ممكن”.
وشددت محكمة العدل على ضرورة وقف إسرائيل جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة، وعدم الاعتراف بشرعية الوضع القائم والوجود غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشارت إلى أن إسرائيل سرَّعت من إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة، والتي بلغت أكثر من 24 ألف وحدة استيطانية، مؤكدة أن عليها وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة.
وقالت محكمة العدل إنها غير مقتنعة بأن توسيع تطبيق القانون الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس مبرر، مشيرة إلى أن إسرائيل فرضت سلطتها كقوة احتلال بطريقة تخالف ما ورد في المادتين 53 و64 من اتفاقية جنيف.
وأكدت أن ترحيل سكان الأراضي المحتلة من أراضيهم كان قسرياً، يخالف التزامات إسرائيل، مؤكدة أن احتجاز الممتلكات الفلسطينية من قبل المستوطنين يخالف التزامات إسرائيل الدولية.
وقال القاضي سلام إن “من اختصاص المحكمة إبداء رأيها الاستشاري بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية”. وأوضح أن “تقديم رأي المحكمة الاستشاري لا يؤثر على صلاحياتها القضائية”.
وأضاف سلام أن “تشريعات إسرائيل وتدابيرها تعزز الفصل والتمييز العنصري بحق الفلسطينيين”، مؤكداً أن “إسرائيل تخلت عن التزاماتها في معاهدة مكافحة التمييز العنصري المبرمة عام 1965”. وأضاف أن “واجبات إسرائيل في الأراضي المحتلة تخضع لمعاهدة 1959 بشأن معاملة المدنيين بزمن الحرب”.
ومن أبرز ما جاء في هذا القرار، الطلب من محكمة العدل الدولية أن تصدر “فتوى” أو رأياً قانونياً في مسألتين: الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وأيضاً احتلالها طويل الأمد الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها وضمها إليها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير الوضع الديمغرافي لمدينة القدس وطابعها ووضعها، واعتمادها تشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن.
بدوره قرر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إحالة الرأي الاستشاري الذي أصدرته المحكمة، إلى الأمم المتحدة بشأن الإجراءات المتعلقة بالعواقب القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. مضيفاً أن “الأمر متروك للأمم المتحدة لتقرر كيفية المضي قدما في الأمر”. وأكد غوتيريش أيضاً أن حل الدولتين هو “المسار الوحيد القابل للتطبيق” لرؤية إسرائيل و”دولة فلسطينية مستقلة تماماً وديمقراطية ومترابطة وقابلة للحياة وذات سيادة، تعيشان بجانب بعضهما البعض في سلام وأمن”.
وجرت صياغة الرأي الاستشاري بشأن الآثار القانونية الناجمة عن انتهاك الاحتلال الإسرائيلي في حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بناءً على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2022. وفي فبراير/شباط من هذا العام، عقدت المحكمة سلسلة من المناقشات حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقدّم الفلسطينيون، بالإضافة إلى 49 دولة عضواً في الأمم المتحدة، وثلاث منظمات دولية، إلى المحكمة تصريحات شفهية، عرضوا فيها مواقفهم من مدى شرعية الاحتلال الإسرائيلي.
ومن الدول التي مثلت أمام المحكمة جنوب أفريقيا، والسعودية، وهولندا، وكوبا، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، وفرنسا، والصين، واليابان، والأردن، وباكستان، وإندونيسيا، وقطر، وبريطانيا، والسودان، وسويسرا، وإسبانيا، والمجر، وغيرها. في المقابل، قاطعت إسرائيل ذلك، ولم تمثل أمام المحكمة.
وكانت قد حضرت بعثة إسرائيلية من وزارة الخارجية بعض جلسات المحكمة، لكنها لم تشارك فعلياً فيها. وقد حاولت إسرائيل من وراء الكواليس نقل موقفها إلى المحكمة من خلال دول صديقة لديها تمثيل في المحكمة، على رأسها بريطانيا، من أجل ممارسة ضغط عليها، واتخاذ قرار لصالح إسرائيل. ونقلت “يديعوت أحرونوت” عن المحامي ميخائيل سفراد، المستشار القضائي لحركة “سلام الآن” والمختص في القانون الدولي، تأكيده أنه من بين 60 دولة قدمت رأيها المكتوب أو الشفهي أمام المحكمة، لا توجد أي دولة قالت إن إسرائيل تعمل وفق القانون الدولي.
واستبقت قرار محكمة العدل الدولية بيومين بتصويت الكنيست بأغلبية 68 نائباً من أصل 120، تشمل نواباً من المعارضة، لصالح مشروع قرار يعارض إقامة دولة فلسطينية “غرب نهر الأردن”. كما رفض الكنيست مقترحات قدمتها القوائم العربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي حين أن الرأي الاستشاري لقضاة محكمة العدل الدولية غير ملزم، فإن له وزناً بموجب القانون الدولي. ومن شأن توصل قضاة محكمة العدل الدولية إلى نتيجة واضحة بأن الاحتلال غير قانوني أن يؤدي إلى تآكل الدعم لإسرائيل.
ورد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قرار محكمة العدل الدولية، متهما إياها بمعاداة السامية وقائلاً إن “الشعب اليهودي لا يحتل أرضه ولا عاصمتنا القدس ولا أرض آبائنا وأجدادنا في يهودا والسامرة”، وهو الاسم الذي يطلقه الإسرائيليون على الضفة الغربية المحتلة.
وتابع نتنياهو: “لا يوجد أي قرار كاذب في لاهاي سيشوه هذه الحقيقة التاريخية، وأيضاً لا يمكن التشكيك بقانونية الاستيطان الإسرائيلي في أرض وطننا”.
وأعرب الاتحاد الأوروبي مباشرة عن أسفه لقرار الكنيست الرافض لإقامة دولة فلسطينية. وأكد في بيان، أن “هناك إجماعاً قوياً في المجتمع الدولي على أن الحل المستدام الوحيد الذي سيحقق السلام والأمن في الشرق الأوسط هو حل الدولتين”. وشدد على التزامه الثابت بالسلام الدائم والمستدام وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعلى أساس حل الدولتين.
كما أكد أنه لن يعترف بالتغييرات على حدود عام 1967 ما لم يتفق الطرفان على ذلك، تماشياً مع موقفه القائم منذ فترة طويلة وقرارات مجلس الأمن. وقدم مساهمة مالية للسلطة الفلسطينية قوامها 400 مليون يورو على شكل منح وقروض لمساندة مؤسساتها.
يمكن القول إن ما قامت به الكتل السياسية الإسرائيلية لجهة التصويت على قرار الكنيست يؤكد على وحدة الحركة الصهيونية في الحكومة والمعارضة، في موقف قوامه رفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. وهو التوجه الذي يختطه المجتمع الإسرائيلي منذ عقود، وهو ما أطاح بمحاولة التسوية عبر اتفاقية أوسلو، والتي اغتالت إسحاق رابين، وجاءت بالليكود ومنوعات اليمين الصهيوني إلى مواقع السلطة وتشكيل الحكومات المتعاقبة وما رست الزحف الاستيطاني المتواصل في الضفة الغربية. وهي جميعاً رفضت مبدأ التفاوض مع الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية تحت ادعاء كاذب قوامه عدم وجود مفاوض فلسطيني. وفي غضون هذه السنوات التي مارست خلالها زحفها الاستيطاني في الضفة وحصارها للقطاع استندت السياسة الإسرائيلية إلى العديد من عناصر القوة في مقدمتها الدعم الأميركي الكامل لتوجهاتها سياسياً وعسكرياً، وقطعا للطريق على أي محاولة لإيجاد حل مقبول بموجب مواثيق الأمم المتحدة والقوانين والمواقف الدولية. وكانت ذروة هذه السياسة في ما سمي صفقة القرن وما تضمنته من تمزيق لوحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقطاع، واعتبار القضية الفلسطينية قضية تحسين للظروف المعيشية وليس تحرراً من الاحتلال. وهو التوجه الذي تابعته إدارة بايدن تحت غطاء تفعيل عمليات التطبيع وتوسيع اطارها نحو ضم المزيد من الدول العربية، بهدف حصار القضية الفلسطينية من خارجها بعد فشل اختراقها داخلياً. لكن الأهم من هذا وذاك يتمثل في هشاشة ردود الفعل العربية والإسلامية على مجريات ما تشهده فلسطين من فظائع. ويبقى الأخطر هو الوضع الفلسطيني المنقسم على نفسه بين فتح وحماس، والضفة والقطاع. الواضح أنه يمكن أن يشكل قرار المحكمة رافعة قانونية تجرد الاحتلال من ادعاءاته أمام الرأي العام الدولي، ولكن يجب أن يستبق ذلك إعادة الاعتبار لوحدة برنامج المواجهة على جبهاتها السياسية والدبلوماسية والقانونية والنضالية و… عندها يستطيع الشعب الفلسطيني أن ينتزع حقه السياسي المشروع، بدل الانتظار أن تعترف له بما تتضمنه المواثيق الدوليه كل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، اللتان تتلخص سياستهما بالمراوغة من الأولى، والعودة إلى الاساطير والنصوص التوراتية لدى الثانية.
Leave a Comment