سياسة صحف وآراء

هكذا تحضّر واشنطن لتصفية القضية الفلسطينية بمساعدة الأنظمة العربية!

* سعيد طانيوس ـ موسكو

تعتبر مراكز الدراسات الأمريكية واللوبي الصهيوني الضاغط في بلاد العم سام، وعلى رأسه منظمة “إيباك” الموالية لإسرائيل، أنه على الولايات المتحدة وإسرائيل الاتفاق على إنهاء الحرب في غزة كبداية لمعالجة أمور أخرى كثيرة. وإلّا فإنّ نتائج أسوأ بكثير تلوح في الأفق في المنطقة، ويمكنها أن تهدد استقرارها لسنوات طويلة، وتضع المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط أمام مخاطر التعرض لهجمات خطيرة.

فوفقاً للمبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط، دنيس روس، والعضو السابق في الفريق الأمريكي لمفاوضات السلام في المنطقة، ديفيد ماكوفسكي، يتوجب على واشنطن مساعدة الإسرائيليين على الخروج من صدمة يوم 7 أكتوبر الذي ما زال وسيظلّ ماثلاً، في ذاكرة الإسرائيليين لسنوات طويلة، خصوصاً مع استمرار وجود الآسرى الإسرائيليين بيد حماس، الأمر الذي يشكل تذكيرا يوميّا بالصدمة المستمرّة.

لذلك يرى الدبلوماسيَّان الأمريكيَّان، دنيس روس، وديفيد ماكوفسكي، أنّه على الرغم من تركيز الرئيس جو بايدن على توقيع اتفاق لإطلاق سراح الرهائن وبدء إنهاء الحرب في غزة، وتشديد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أنّ الحرب لا يمكن أن تنتهي إلا بتدمير حماس، ومنعها من السيطرة على غزة واستعادة الرهائن… فإنّ الجانبين يشتركان في هدف أساسي واحد، هو استرجاع الأسرى الإسرائيليين وترميم قوة الردع الإسرائيلية، عن طريق سحق الفلسطينيين وقتلهم وإرهاب من يبقى منهم على قيد الحياة في غزّة.

لكنّ أيّاً من نتنياهو وبايدن لم يقدّم تفسيراً واضحاً بما يكفي إلى متى وكيف يمكن أن تنتهي الحرب. فمنذ البداية تحدّث نتنياهو عن “النصر الكامل”، ومع الوقت وعجز إسرائيل عن الفوز، تحوّل هذا إلى شعار وليس هدفاً. فالشعارات تترك لرئيس الوزراء الإسرائيلي مجالاً للمناورة، إذ إنّ هدفه النهائي أوسع من هدف بايدن المتمثّل في سحق حماس وجعلها “غير قادرة” على تنفيذ هجمات واسعة النطاق ضدّ إسرائيل. وهو ما يترك الباب مفتوحاً أمام الحركة كي تعيد بناء نفسها.

روس الذي عمل مساعداً خاصّاً للرئيس باراك أوباما، وهو حالياً مستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ويقوم بالتدريس في مركز الحضارة اليهودية بجامعة جورج تاون، ويعرف زعماء وقادة المنطقة واحدا واحدا عن كثب، كتب في صحيفة “واشنطن بوست” مقالاً مشتركاً مع ماكوفسكي، مدير “مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط” في “معهد واشنطن” والعضو في “مجلس العلاقات الخارجية والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”، الذي مقرّه في لندن، رسما فيه مخططا جهنميا لتصفية القضية الفلسطينية، وسحق حركات المقاومة بمساعدة الأنظمة العربية العميلة، وعلى رأسها النظامان المصري والإماراتي، اللذان يعتبران الأقرب لإسرائيل وللفكر الصهيوني.

“ويعتبر روس وماكوفسكي أنّه على الرغم من التباين التكتيكي البسيط بين هدفي كل من بايدن ونتنياهو، هناك “طريق للمضيّ قدماً يمكن للزعيمين رسمه معاً يستند إلى تجريد غزة من السلاح وضمان عدم إمكانية عسكرتها مرّة أخرى”.

في رأي الباحثيْن أنّ إسرائيل أصبحت الآن على وشك تفكيك حماس كقوة عسكرية.. وبمجرد أن تنتهي من تدمير الكتائب الباقية في رفح ووسط غزة، لن تبقى لدى الحركة وحدات عسكرية منظّمة ذات قيادة وسيطرة واضحة. لكن لاستكمال التجريد من السلاح يتعيّن على إسرائيل أن تدمّر ما يكفي من البنية التحتية العسكرية لحماس، من مختبرات الأسلحة ومرافق الإنتاج والمستودعات والأنفاق، بحيث تصبح إعادة البناء مستحيلةً من دون استمرار إعادة الإمداد.

وصايا خبيثة

وفقاً لهذين الدبلوماسيَّين اللذين شاركا في جولات عدّة من مفاوضات السلام في الشرق الأوسط هذه أهداف قابلة للقياس. لكن لأنّ الإسرائيليين يقتربون من هزيمة حماس عسكرياً، كما يدّعيان، يوصيان إدارة بايدن بالعمل على النحو التالي:

1ـ التوصّل إلى اتّفاق مع الحكومة الإسرائيلية على كل ما يمكن عمله وتقديمه لتدمير البنية التحتية العسكرية لحماس في غزّة، وأن يحدد الإسرائيليون في المقابل لإدارة بايدن كلّ السبل وما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي وداخل الأنظمة العربية الصديقة بشكل جماعي، لقطع النفس والتمويل والموادّ والأسلحة عن حماس، بما يضمن عدم قدرة الحركة على إعادة بناء نفسها أبداً، ومن ذلك طرد قيادتها من أي عاصمة عربية، ومنع تبرعات الشعوب العربية لها، وشنّ حملة تحريض ضدّها في مشارق البلاد العربية ومغاربها.

2ـ تأمين حدود غزة مع مصر لمنع التهريب فوق الأرض وتحتها. فعلى الرغم من أنّ إسرائيل حاولت مع مصر تقييد ما يدخل إلى غزة، إلا أنّ حماس نجحت في دفع رشاوى باهظة للضباط المصريين لتهريب كلّ ما تحتاج إليه لبناء 300 ميل من الأنفاق وقاعدة صناعية عسكرية قادرة على إنتاج الصواريخ والقنابل. ولذلك فإن التوصّل إلى اتفاق أمريكي-مصري بشأن إدارة هذه الحدود أمر ضروري. ويمكن للولايات المتحدة توفير أجهزة استشعار لكشف وإيقاف إعادة بناء أيّ أنفاق، وإغراء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليقوم هو وجيشه بحماية أمن إسرائيل عن طريق إيقاف التهريب، وإعلامه أن هذا  سيكون بمنزلة اختبار للعلاقة الأمريكية المصرية. ويمكن لإدارة بايدن أن تقدّم حافزاً ماليّاً كبيراً لمصر لوقف التهريب من خلال السماح للمقاولين المصريين الانخراط في إعادة إعمار غزة بأموال خليجية.

3ـ وقف التهريب أمر بالغ الأهمية. لكن إذا لم يكن هناك فريق موثوق به على الأرض لإدارة إعادة الإعمار، فسينتهي الأمر بحماس إلى تحويل موادّ إعادة الإعمار المستوردة بشكل قانوني لأغراضها الخاصّة. من الواضح أنّ الجهود التي توسّطت فيها الأمم المتحدة لوقف تحويل موادّ إعادة الإعمار قد فشلت بعد الحرب بين إسرائيل وحماس في عام 2014. لذا سيتعيّن على الولايات المتحدة أن تفعل ما هو أفضل، وأن تضع آليّة لتتبّع الموادّ منذ نقطة دخولها إلى تخزينها ثمّ استخدامها النهائي. ويجب أن يؤدّي أيّ تحويل للموادّ نحو حماس إلى وقف فوري لإعادة الإعمار.

فريق عمل مصريّ – إماراتيّ

4ـ تشكيل فريق عمل دولي يضمّ مصريين وإماراتيين وغيرهم لتوفير الأمن مع انسحاب قوات الدفاع الإسرائيلية بعد إطلاق سراح الرهائن، على أن يضمّ فريق العمل هذا فلسطينيين كجزء من الإدارة، لكن بشرط أن يكونوا غير ملوّثين بالارتباط بحماس أو أيّ فصيل مقاوم آخر. ويمكن للفلسطينيين ذوي السجلّات المثبتة، مثل المطبعين في رام الله وسلام فياض أو جهاد الوزير، أن يلعبوا مثل هذا الدور. وكلاهما عمل ضمن نظام صندوق النقد الدولي، وهما على دراية بالتنمية والحقائق في غزة.

5ـ على الرغم من أنّ الإسرائيليين قد صاروا على وشك تجريد غزة من السلاح، إلا أنّهم لم ولن يتمكنوا من أن ينزعوا سلاح جميع مقاتلي حماس، ولديهم فرصة ضئيلة للقيام بذلك بغضّ النظر عن مدّة بقائهم. والسؤال إذن هو: كيف ستتعامل القوات الدولية(العربية) مع فلول حماس الباقية؟ هل تحاول فرض النظام؟ أم تسعى إلى نوع من التفاهم مع هؤلاء المقاتلين للحفاظ على السلام؟ وفي أيّ ظروف ستقبل هذه القوات الدولية أن تردّ إسرائيل على تهديد لا تستطيع هي احتواءه، إذ يجب أن تعلم هذه القوات العربية أنّ الإسرائيليين سيكونون أحرارا في التحرك بالتأكيد ضدّ أيّ تهديد مباشر لإسرائيل!.

6ـ يجب على أيّ جهة عربية أو أجنبية خارجية تخطّط لتحقيق الاستقرار في غزة أن تكون مستعدّة للإجابة على هذه الأسئلة الصعبة لكن الحسّاسة، بشكل خاصّ بالنسبة للزعماء العرب الذين لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنّهم يستخدمون القوّة ضدّ الفلسطينيين نيابة عن إسرائيل.

ومع كل هذه التوصيات الخبيثة، يقرّ الدبلوماسيّان أنّهما لا يدّعيان في اقتراحاتهما هذه “معالجة جميع القضايا، بما في ذلك إمكان أن تبدأ هذه العملية بدون أفق سياسي لوجود حكم ذاتي فلسطيني وليس دولة فلسطينية، أو على الأقلّ بدون فهم واضح لإمكانية إصلاح السلطة الفلسطينية بالفعل. لكن في رأيهما ليست كلّ الأسئلة تحتاج إلى إجابة لتكون شرطاً للبدء بالتفكير في نهاية العملية في غزّة. فإذا تمكّنت الولايات المتحدة وإسرائيل من الاتّفاق على النقطة المتعلّقة بنهاية للحرب، يمكن أن تتحقّق أشياء أخرى كثيرة. وإلّا فإنّ نتائج أسوأ بكثير تلوح في أفق المنطقة”.

 *23 حزيران 2024

Leave a Comment