*بسام مقداد
إلى أن يتم “إنتخاب” رئيس جديد لإيران أواخر الشهر القادم، سيبقى مزدهراً سوق التوقعات والبحث في ما بعد رئيسي داخل إيران وفي الشرق الأوسط. وتتشعب التحليلات في البحث عن أثر رحيل رئيسي على الوضع الداخلي في إيران، على العلاقات الإيرانية الروسية، على الوضع في الشرق الأوسط ودور أذرع إيران في حرب إسرائيل على غزة.
ثمة شبه إجماع بين المتابعين لشؤون إيران والمنطقة، بأن رئيسي لم يترك فراغاً يذكر، إذ كان منفذاً أميناً لنهج المرشد الأعلى والحرس الثوري. وكان قد فشل مرتين بالفوز على الإصلاحيين ممثلين بالرئيس السابق حسن روحاني، وفاز في إنتخابات 2021، بعد حظر مشاركة إي إصلاحي بارز في الإنتخابات، واقتصار المعركة على المؤيدين للمرشد الأعلى والحرس الثوري.
السلطات الإيرانية، وكما يبدو، تتعجل إسدال الستارة على مرحلة رئيسي، حيث حددت موعد إنتخاب رئيس جديد قبل إنتهاء المدة الدستورية. فالإحتجاجات الشعبية الواسعة المناهضة لنظام الملالي لا تزال ماثلة أمامه. ولا تزال حشود النساء الإيرانيات المحتجات على سلطة شرطة الأخلاق، مع صورة الفتاة الكردية مهسا أميني تلاحق النظام منذ العام 2022. وأول ما صرح به خامنئي إثر أعلان مقتل رئيسي كان دعوة الإيرانيين إلى عدم القلق من امكان حصول إختلالات في عمل السلطة.
وكالة نوفوستي نقلت في 22 الجاري عن خبير روسي قوله بأن القيادة الإيرانية تعمل ما بوسعها للحؤول دون إفلات الوضع في البلاد من يدها، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوتر في الشرق الأوسط ككل. ورأى البروفوسور في العلوم السياسية Alexander Gusev أن مقتل الرئيس الإيراني المفاجىء، والانقلاب العسكري الوشيك في تركيا الذي أعلن عنه الرئيس التركي، حدثان قد يكون لهما عواقب وخيمة على الشرق الأوسط. واعتبر البروفسور أن تركيا بوابة الشرق الأوسط، و”الشرق الأوسط هو جمهورية إيران الإسلامية”. ومن دون أن يشرح البروفسور باي معنى اختصر الشرق الأوسط بجمهورية الملالي، قال بأنه يرى الحدثين حلقة في سلسلة واحدة. والحلقة التي رآها Gusev ــــ “الحدثان قد يفضيان إلى تصعيد آخر في هذين البلدين”.
رأى البروفسور أن إيران “دولة خطيرة للغاية”، والوضع في الشرق الأوسط شديد التفجر، ولذا “يكفي عود ثقاب واحد لينفجر كل شيء”. لكنه يستبعد أن تسمح إيران بذلك، حيث أن القيادة والمرشد يعملون ما بوسعهم الآن لاستقرار الوضع السياسي الداخلي في البلاد. ووصف الوضع في سوريا بالصعب، وبالصعب جداً في العراق، وعلق على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يطول لأنه مدعوم من الولايات المتحدة. وقال بأن الفلسطينيين يُقتلون في غزة، كما يُقتل الإسرائيليون والرهائن. وأي صراع، خاصة هذا الصراع، ينبغي تضيق رقعته، لكن الأميركيين لا يسعون لذلك. بل يعملون على توسيعه ويمدوه بموارد جديدة، مما يضطر المتصارعين على الإستمرار في القتال، و”نحن نشهد ذلك في الوضع بأوكرانيا”.
موقع الخدمة الروسية في “الحرة” الأميركية نشر في 20 الجاري نصاً تحدث فيه خبيران روسيان عن تأثير مقتل رئيسي على “محور الممانعة”، وما إن كان سيهتز هذا المحور الذي تسميه “محور الشر”. يقدم الموقع للنص بالقول أن الخبراء على ثقة بأن مقتل رئيسي قد يغير الوضع في كل الشرق الأوسط وجنوب القفقاز. ويشير إلى أن المدونين الروس المؤيدين للحرب يقولون بأن مخابرات إسرائيل أو بلدان أخرى هي التي تقف وراء كارثة المروحية الإيرانية.
يسهب الموقع في الحديث عن سيرة حياة الرئيس الإيراني الراحل، ويتوقف عند محطات صعوده سلم الحياة السياسية والقضائية الإيرانية، ولماذا كانوا يصفونه في إيران بأنه “جزار طهران”. وينقل عن البوليتولوغ الروسي Boris Pastukhov قوله بأن تغيير الرئيس في إيران ليس سوى تغيير “الرأس الناطق” بإسم سيده. وعلى الرغم من وجود منافسة في السنوات الأخيرة بين المجموعات الأكثر إعتدالاً وتلك الأكثر تطرفاً، إلا انه من الصعب أن نشهد ظهور زعيم معارض قادر على تغيير سياسات إيران. في السنوات الأخيرة كانت تسيطر علاقات غير مستقرة بين مختلف مناطق البلاد وفئات المجتمع. ولذا من المحتمل جداً أن تمنح الإنتخابات الرئاسية المقبلة حجة لمعارضي النظام الحاكم لتعزيز احتجاجهم ومحاولة استئناف الإحتجاجات السابقة. فقد كانت هناك احتجاجات عنيفة وعدوانية للغاية في إيران من قبل الشباب الذين يريدون نظامًا أقل تدينًا وأكثر علمانية وقرباً من الغرب. لكن Pastukhov يذكّر أن في إيران قوى أخرى تعتبر أن نهج إيران الحالي ليس متديناً ومتطرفا بما يكفي. ويفترض أن رحيل رئيسي ووزير الخارجية الذي يعتبر معظم الخبراء أنه كان يتمتع بنفوذ كبير، سيجعل من المحتمل ان تركز إيران على السياسة الداخلية لفترة ما. ويرى أن مقتل وزير الخارجية كان الضربة الثانية التي تلقاها قطاع العمل الخارجي الإيراني بعد قصف القنصلية في دمشق، ولذا يتوقع أن تنهمك إيران لفترة من الوقت بالمشاكل الداخلية.
كما نقل الموقع عن المستشرق Ruslan Suleymanov قوله بأن إبراهيم رئيسي كان يعتبر الخليفة المحتمل للمرشد علي خامنئي الذي يبلغ من العمر 85 عاماً، ويشكو منذ زمن من إعتلال صحته. ولذا، يرى المستشرق أن مقتل رئيسي جعل خامنئي يتوجه إلى الإيرانيين بالدعوة إلى عدم القلق من إختلالات محتملة في عمل السلطة.
يرى المستشرق أن الحديث عن بداية تحول ما في النظام السياسي الإيراني مبالغ فيه للغاية. فشخصية الرئيس، وخاصة في السنوات الأخيرة، لم تكن ذات وزن في إتخاذ القرار، بل وكانت فاقدة للمصداقية. وحدث مراراً بأن كانت تتخذ قرارات مهمة دون علم الرئيس وحكومته. وكثيرون مقتنعون أن قرار مد روسيا بالسلاح العام 2022 وتأييد الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يتخذه الرئيس، بل المرشد والدائرة القريبة منه، والمتمثلة بالقوى الأمنية العسكرية. ويشير إلى أنه لم يتم إطلاع الحكومة والدبلوماسيين على القرار. ويذكر المستشرق بزيارة بشار الأسد إلى إيران العام 2019، وكيف أنه لم يكن على علم بها لا الرئيس ولا وزير الخارجية آنذاك، مما دعا وزير الخارجية لتقديم إستقالته.
يقول المستشرق أن الحرس الثوري هو من يدير الدفة في إيران اليوم. وأعضاء مجلس صيانة الدستور هم الذين يقررون من يشارك في الإنتخابات ومن لا يشارك، وهؤلاء الاشخاص هم من يقرر مستقبل إيران. والرئيس ليس الشخص الذي يؤثر على السياسة الداخلية والخارجية، بل هو من ينفذ إرادة أولئك الذين يقفون فوقه، والذي يقف فوقه اليوم هو المرشد الأعلى والدائرة المقربة منه والمتمثلة بالحرس الثوري.
ينقل الموقع عن البوليتولوغ Pastukhov رأيه في تطور العلاقات الروسية الإيرانية في ظل الرئيس الجديد، فيرى أن القليل يتوقف عليه. فمن المعروف أن سياسة إيران تعتمد على سياسة آيات الله، أكثر مما على الرئيس. ويعتبر أن الإنتخابات المبكرة قد تزعزع النظام الإيراني، بما فيه السياسة الخارجية. إيران وروسيا ستساعدان بعضهما في المرحلة الجديدة: إيران ستنقل إلى روسيا خبرتها في ظل العقوبات. لكن الأهم هو أن إيران ستنقل إلى روسيا خبرة خدمة التقنيات العسكرية والأسلحة التي تحتاجها روسيا. وفي ما عدا ذلك، إيران وروسيا طرفان متنافسان، وذلك لأن الأجندة المتشابهة في محاربة الغرب، لا تعني أنهما حلفاء. فكل منهما يحارب الغرب وهو يوسع نفوذه إلى المناطق التي تعنيه.
*نشرت في المدن الالكترونية يوم السبت 2024/05/25
Leave a Comment